انتظر الجزائريّون أن يتمكنوا من الاستمتاع بالصيف لبعض الوقت. وكان الحد من إجراءات الوقاية المتعلقة بفيروس كورونا فرصة للذهاب إلى الشواطئ. إلا أن الفرحة كانت ناقصة في ظلّ رمي كثيرين النفايات على الشواطئ، ما دفع البعض إلى اختيار نشاطات أخرى
أخيراً، تنفّس الجزائريون الصعداء بعدما قرّرت الحكومة السماح للمواطنين بارتياد الشواطئ التي أغلقت على خلفية تفشي فيروس كورونا. قرار أراح العائلات، خصوصاً في فصل الصيف واقتراب انتهاء العطلة. إلا أن المخلّفات التي يتركها مواطنون على الشواطئ جعلت البعض أمام معضلة أخرى، وهي التفتيش عن شاطئ نظيف وآمن للعائلات.
وخلال الأيام الأولى التي استطاع فيها المواطنون النزول إلى الشواطئ، ظهرت حالة استياء كبيرة بسبب بعض المظاهر كانعدام النظافة وانتشار النفايات في بعض الشواطئ المرخصة للسباحة. وشكا المصطافون من أكوام النفايات وبقايا الطعام وغيرها، وانتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وندّد بها ناشطون وأحدثت قلقاً كبيراً، بعدما تحولت الشواطئ إلى مكان لرمي النفايات، على الرغم من الأزمة الصحية والبيئية الصعبة التي تعيشها الجزائر والعالم نتيجة وباء كورونا.
في العاصمة الجزائرية وحدها 87 شاطئاً، من بينها 65 شاطئاً يسمح بالسباحة فيها، ويقصدها المواطنون في فصل الصيف من ولايات داخلية عدة. لكن بسبب تراكم النفايات نتيجة الرمي العشوائي للفضلات، والخوف من انعدام الأمن، تصير كلّ الإجراءات التي تتخذها السلطات للحفاظ على نظافة المكان وصحة المصطافين غير كافية.
وبقدر ما فرح سكان العاصمة الجزائرية وضواحيها بقرار الرئيس عبد المجيد تبون فتح شاطئ نادي الصنوبر للعموم، وهو شاطىء ملاصق لمنطقة إقامة رسمية تضم فيلات وبيوت كبار المسؤولين، وإلغاء حصرية الدخول إليه لصالح أبناء المسؤولين، كان هناك استياء كبير نتيجة المخلفات المرمية على الشاطىء وموقف السيارات التابع له، ما أظهر وجود مشاكل عميقة تتعلق بالوعي البيئي والنظافة، ودفع كثيرين إلى المطالبة بتدابير ردعية لمنع الفوضى ورمي المخلفات من قبل المصطافين.
في هذا السياق، تقول سكينة خضراوي لـ "العربي الجديد"، وهي مدرسة اختارت منطقة وهران غربي الجزائر لقضاء عطلة قصيرة بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي، إنها خاضت تجربة سيئة الأسبوع الماضي. كانت برفقة عائلتها في أحد شواطئ وهران، لكنها استغربت الازدحام، وعدم احترام تدابير الوقاية من كورونا، والنفايات، وبقايا الطعام والقارورات البلاستيكية التي تركها المصطافون. تضيف: "وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد مساحة لوضع أغراضنا، نظراً إلى الاكتظاظ وعدم وجود أماكن نظيفة تجعل من البقاء على الشاطئ فرصة للراحة وللاستجمام". وتصف الأمر بـ "المؤسف لثلاثة أسباب: الأول أننا مسلمون والنظافة من أبرز قيم هذا الدين، والثاني أن وباء كورونا يجب أن يجعلنا أكثر حرصاً على النظافة، وثالثاً أهمية الوعي البيئي".
وبعد أشهر من الضغط النفسي بسبب الحجر الصحي ومنع التنقل بين الولايات، يتوجّه كثيرون هذه الأيام إلى البحر للاستجمام وأخذ قسط من الراحة والسباحة، في وقت يستطيع الأطفال اللعب بعد أشهر من العزلة، خصوصاً بالنسبة لسكان الولايات الداخلية التي تفتقر غالبية مدنها لوسائل الترفيه. هؤلاء يتوجهون سنوياً نحو الشمال للاستفادة من البحر والغابات. ويقول البعض إن النفايات هي نتيجة الاكتظاظ في المناطق الساحلية وعدم تنظيم الشواطئ، وغلاء بعض المستلزمات التي يجدها المواطن البسيط باهظة الثمن كالمظلات والكراسي والطاولات.
في المقابل، يلفت البعض إلى أن المخلفات على الشواطىء سببها عدم توفّر حاويات لرمي النفايات. ولجأ مواطنون إلى رمي النفايات في بعض الأماكن، ما أدى إلى تراكمها على مقربة من الشواطئ، حيث تتجمع الحشرات والفئران.
في هذا الإطار، ساهمت النفايات المرمية على الرمال والقارورات البلاستيكية في عدم توجه البعض إلى الشواطئ أو عدم البقاء مطولاً في الشاطئ، بسبب تشوّه المكان.
في هذا السياق، تقول الباحثة الاجتماعية سهيلة مدني، لـ "العربي الجديد"، إن هذه المظاهر ناجمة عن غياب الوعي الجماعي لدى الأسر، ما يثير تساؤلات حول كيفية تربية العائلات أبناءها وأهمية العيش في مساحات نظيفة. تضيف: "هناك مشاكل ترتبط بالتربية. المدرسة لا تقدم معلومات وافية حول أهمية الحفاظ على النظافة والبيئة والوقاية الصحية". وترى أنه يجب العمل على تغيير الذهنيات لتصبح الفضاءات العامة مثل الشواطئ والغابات والساحات ملكاً عاماً يجب الاعتناء به. هكذا، يستفيد الجميع من نظافتها ويقضون وقتاً جميلاً.
يعدّ الساحل الجزائري جاذباً للسياح، ما ينعكس إيجاباً على اقتصاد البلاد. مع ذلك، هناك مشكلة تتعلق بتنظيم الشواطئ. كذلك ينتقد البعض اصطحاب عائلات أو أفراد حيوانات إلى الشواطئ كالكلاب والأحصنة وغيرها، من دون احترام لطبيعة هذه الأماكن المخصصة للاستجمام والسباحة والترفيه للعائلات. مؤخراً، تتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو لأحد ملاكي الأحصنة وهو يجوب الشاطئ. وحدث أن هاجت الأحصنة، ما خلق هلعاً وخوفاً لدى العائلات التي كانت ترتاد الشاطئ.
كذلك، يشكو المصطافون وعائلاتهم فرض مجموعات من الشباب قانوناً خاصاً للدخول الى الشواطئ، وإجبارهم على الدفع في مقابل ركن السيارات وحراستها. وفي حال الرفض، تتعرض سياراتهم للخدش أو كسر الزجاج، كما حصل نهاية الأسبوع الماضي في مدينة جيجل شرقي الجزائر، حيث تعرضت عشرات السيارات للكسر، ما يفرض على السلطات إعادة النظر في تنظيم الشواطئ، وفرض الرقابة الأمنية والوقائية اللازمة.
وفي وقت سابق، كشفت مصالح ولاية الجزائر عن قائمة الشواطئ المعنية بالفتح قريباً، بعد إقرار المجلس الأعلى للأمن في آخر اجتماع له، إعادة فتح الشواطئ والمساجد. وبحسب بيان لمصالح الولاية، تشمل القائمة 26 شاطئاً، تخص النواحي الثلاث للولاية، شرق ووسط وغرب العاصمة، سیتم فتحھا أمام المصطافين، بعد قرار غلقھا كإجراء احترازي لتفادي انتشار كورونا.
وكان رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جرّاد قد وقّع على مرسوم تنفيذي يقضي بخفض مواقيت الحجر الجزئي من 9 إلى 31 أغسطس/ آب، مع السماح بالتنقل على كامل التراب الوطني وإعادة فتح المطاعم والفنادق والمساجد والشواطئ، وذلك في إطار "المسعى التدريجي والمرن الذي اعتمدته السلطات العمومية في تسيير الأزمة الصحية".