ترسّخت علاقات تركيا بالكتلة الغربية خلال فترة الحرب الباردة، ممثلة بكل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، إذ قامت أنقرة حينها بالضغط للانضمام إلى "الأطلسي" والجمعية الأوروبية، مدفوعة بمخاوفها من الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، الذي فتح حينها ملف أراضي شرق الأناضول باعتبارها تابعة لكل من جمهوريتَي جورجيا وأرمينيا السوفيتيين في محاولة للضغط للحصول على المزيد من الميزات في مضائق الأناضول التي كانت تركيا قد استعادت السيطرة عليها بعد معاهدة مونترو 1936. وانتهى الأمر بموافقة واشنطن على ضمّ تركيا إلى "الحلف" عام 1952، ووفاة ستالين عام 1953، ومن ثم الموافقة على انضمام تركيا إلى الجمعية الأوروبية عام 1963.
تبدو الظروف الآن مشابهة لظروف الحرب الباردة. فالتدخل الروسي في شبه جزيرة القرم، ومن ثم في سورية، والتوتر الذي أعقب ذلك في العلاقات بين موسكو من جهة والاتحاد الأوروبي وواشنطن من جهة أخرى، وأيضاً أزمة اللاجئين التي تواجهها أوروبا، إضافة إلى التحديات الأمنية ومحاربة الإرهاب بعد الهجوم الذي شنّه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في باريس، تلاه التأهب الأمني في بروكسل، كل ذلك دفع أنقرة والاتحاد لبذل المزيد من الجهود للتقارب، الأمر الذي أكده بوزكير، قائلاً، إنّ "اتفاقاً جديداً هو أمر يحتاجه الطرفان للتوافق، وذلك في سبيل العمل على نفس المنصة والاتجاه، بهدف التوصل إلى الحلول ذاتها".
وفي هذا الإطار، ستعقد قمة أوروبية تركية، يوم غد الأحد، لمناقشة مختلف هذه الأمور، وتحديداً أزمة اللاجئين، الأمر الذي علّق عليه رئيس اللجنة الأوروبية لشؤون توسعة الاتحاد، يوهانس هان، الأسبوع الماضي، قائلاً، "أعتقد أنّ القمة المقبلة، ستكون بمثابة انطلاقة جديدة للعلاقات بين الجانبين، بعد عقدٍ من بدء مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد".
وفي سياق التحضيرات للقمة الأوروبية التركية، في العاصمة البلجيكية بروكسل، والتي سيحضرها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وقيادات دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، علمت "العربي الجديد"، عن وجود مسودة اتفاق تركية أوروبية حول أزمة اللاجئين، تمّت إحالتها إلى لجنة الاتحاد للممثلين الدائمين لدراستها.
اقرأ أيضاً: تركيا تنجح في التقدم نحو مسيرة انضمامها للاتحاد الأوروبي
وتشمل المسودة استجابة شبه كاملة للشروط التركية في هذا المجال، إذ أنه سيتم السماح للمواطنين الأتراك بحرية التجول في دول الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل، كما سيتم خلال العام 2016، العمل بين الجانبين على فتح فصول أخرى من عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومنها؛ الطاقة، والقضاء، والحقوق الأساسية، والحريات والأمن، والتعليم والثقافة، والسياسات الدفاعية والخارجية والأمنية. كما سيتم إقرار حزمة مساعدات مالية لأنقرة في ملف اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا والذين يصل عددهم إلى المليونين ونصف، إذ تُقدّر قيمة المساعدات بـ3 مليارات يورو، (3 مليارات و174 مليون دولار) يتم دفع 500 مليون يورو (529 مليون دولار) منها من ميزانية الاتحاد، بينما ستتقرر مصادر تمويل باقي الحزمة في 21 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ويتم تطبيق الاتفاقية الحالية بين الجانبيين على مراحل، يبدأ أوّلها العام الحالي، بإقرار المساعدات المالية المقدرة بـ500 مليون يورو، وفتح فصل السابع عشر المختص بالسياسيات المالية والاقتصادية، الأمر الذي توقع بوزكير الإعلان عنه رسمياً بين 14 و15 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن يتم تطبيق باقي بنود الاتفاق في يونيو/حزيران العام المقبل، بما في ذلك إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول للاتحاد الأوروبي وفتح فصول جديدة في ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد.
ويتم العمل ببقية الفصول، وفقاً لتقدم مفاوضات إعادة توحيد شطرَي جزيرة قبرص القائمة الآن، ليبقى الشرط الرئيسي للتطبيق الكامل للاتفاقية هو التزام تركيا بوقف تدفق اللاجئين والاعتراف بجمهورية قبرص. وبحسب مصادر تركية أوروبية متقاطعة، فإن مسؤولي البلدَين يتوقعون حصول تقدم كبير في مفاوضات إعادة توحيد الجزيرة، خلال مارس/آذار من العام المقبل.
يشار إلى أنّه تمّ الاعتراف بتركيا رسمياً كمرشح للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي عام 1999، لتبدأ مفاوضات الانضمام عام 2005، واستطاعت حتى الآن فتح 14 فصلاً في محادثات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي من أصل 35، وكان آخرها الفصل الـ22 في نهاية عام 2013.
اقرأ أيضاً: التنازلات الأوروبية لتركيا للحدّ من أزمة اللجوء