على مدى سبع ساعات أمضاها أمام لجنة الرقابة والإشراف في مجلس النواب الأميركي، سمعت الولايات المتحدة، من مايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما لم تسمعه من قبل بهذه الصورة الفاضحة. المعلومات والروايات السلبية التي سردها كوهين، أربكت حتى أنصار البيت الأبيض؛ فالرجل كان من البطانة المقربة من ترامب لأكثر من عشر سنوات، وهو مطّلع على الكثير. نسب للرئيس جملة أقوال وأفعال مؤذية إن لم تكن مدمِّرة. نقل عنه قوله إن "الأميركيين السود أغبياء" وإن "البلدان التي يحكمها ذوو البشرة السوداء أشبه بمخرج أوساخ". وادّعى كوهين أن ترامب "تهرّب من دفع الضرائب وكسر القانون، فضلاً عن أنه مخادع وعنصري ومزيف"، وغيرها من الصفات بهذا العيار المهشِّم للصورة والسمعة. وأكد كوهين أنه "كان شاهداً على مكالمة هاتفية بين ترامب ومستشاره السابق روجر ستون تكشف تواصل ستون ومؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، وأن ترامب كان على علم مسبق بخطة ويكيليكس لتسريب رسائل بريد إلكتروني محرجة لمنافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون".
من جهته، اعتبر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب الأميركي، إيلايجا كامنغز، أن "ترامب ارتكب جريمة على ما يبدو"، لكنه امتنع عن ذكر إن كان يتعين إبعاده عن منصبه. وأضاف: "ينبغي أن أدرس الوثائق وأرى ما لدينا. ضعوا في حسبانكم أني أريد التحرك بحذر شديد".
ردّ ترامب لم يتأخر، فهو اعتبر من فييتنام، حيث عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ ـ أون، أن "كوهين كذب كثيراً في شهادته أمام جلسة استماع في الكونغرس في واشنطن، لكنه قال الحقيقة عندما تحدث عن عدم وجود تواطؤ مع روسيا". ووصف ترامب شهادة كوهين بأنها "مخزية". وأضاف على "تويتر"، أن "كوهين كان واحداً من محامين عدة، مثّلوني من الناحية القانونية، لكن لسوء الحظ، كان لديه عملاء آخرون". وأضاف: "كان كوهين كاذباً ومحتالاً، وفعل أشياء سيئة لا علاقة لها بي"، مشيراً إلى أنه "يكذب، ليجعل الفترة التي سيقضيها في السجن أقل".
وبصرف النظر عما إذا كان توصيف كوهين المكتوي من ترامب مبالغاً فيه أم لا، غير أن سرديته بدت متماسكة سواء في أجوبته أو في مساجلاته ومستنداته التي قدّمها، بما عزز صدقية شهادته وباعتراف واسع عكسته ردود الفعل الأولية على أدائه. وعلى الرغم من أنه سبق وكذب على الكونغرس وحُكِم عليه بسبب ذلك بالسجن لمدة ثلاث سنوات ستبدأ في مطلع مايو/أيار المقبل، إلا أن ما أدلى به كوهين ترك صداه الملحوظ. ولم تنفع كثيراً محاولة الجمهوريين في اللجنة توظيف لطخة السجن ضده لنسف جدارة إفادته. وما عزز أقواله هو أن الجمهوريين نأوا عن مجادلته في الوقائع والتفاصيل، ما كشف عجزهم عن نقضها. لذلك، اكتفوا بالتركيز على نواقص كوهين الشخصية والأخلاقية من خلال التذكير بشكل مكرر بأنه كذاب لا قيمة لمزاعمه ورواياته. نجاح مثل هذا الخطاب يمكن أن يساهم في تقليل خسائر الرئيس إلى حد ما، لكنه بالنهاية لم يكن استراتيجية فعالة لدحض شهادة كوهين، لأنه ليس المعطوب الوحيد في هذا المشهد.
ماراثون شهادة كوهين سلّط الأضواء بدرجة غير مسبوقة على عالم ترامب الداخلي ومتفرعاته وخفاياه. بالأحرى على جزء من هذا العالم الفريد في تاريخ الرئاسة الأميركية، والذي أثار وما زال يثير الكثير من الجدل والخلاف بين الأميركيين. الأهم من ذلك هو أن الجلسة التي سادها التوتر والاحتقان من بدايتها إلى نهايتها وخيّمت عليها أجواء الخصومة الثأرية الحادة، كشفت عن أعطاب عميقة في العملية السياسية الأميركية؛ من الفساد المالي إلى التوغّل في الشعبوية، وانتهاءً بارتفاع منسوب التلوث العنصري الفاقع.
لا يحتمل الوضع الكثير من التسخين، بعد أن تفاقمت عناصره بصورة متسارعة في السنوات الأخيرة. كما أن إفادة كوهين هدّدت بالمزيد من التوتر مع اقتراب استحقاقين هامين: نهاية التحقيقات الروسية التي يجريها المحقق روبرت مولر وانطلاق حملة انتخابات الرئاسة العام المقبل. بالتالي، عكست جلسة الاستماع إلى كوهين هذا الواقع، عشية نشوب أزمة دستورية محتملة قد يفجرها تقرير مولر لجهة كيفية التعامل مع الكشف عن مضمونه؛ في ظلّ امتلاك وزير العدل وليام بار، صلاحية استنسابية تخوله الإفراج عن جزء منه دون غيره. مسألة تهدد بخلق مشكلة مستعصية، إذ يصرّ الفريق الديمقراطي على ضرورة الكشف عن كامل محتواه.