وبحسب ما نشرته الصحيفة، فإنّه يستدل من وثائق وشهادات خطية كتبها عدد من المجرمين الذين شاركوا في المجزرة، أنّ أفراد العصابات الإسرائيلية قاموا بعد قتل السكان، من النساء والأطفال والرجال، بتجميع جثث الشهداء في كومة واحدة، ثم أشعلوا النار بالجثث وأحرقوها.
وأوردت الصحيفة مقاطع من رسالة خطها أحد مجرمي المجزرة من عصابات "ليحي"، ويدعى يهودا فيدر، جاء فيها: "لقد نفذت حركتنا، يوم الجمعة الماضي، بالتعاون مع إيتسيل عملية احتلال هائلة للقرية العربية على طريق القدس تل أبيب دير ياسين. لقد شاركتُ في هذه العملية بشكل نشط للغاية".
وأضاف المجرم، في الرسالة التي تم العثور عليها في أرشيف الجيش، أنّ "هذه هي المرة الأولى في حياتي التي يتم على يدي وعلى مرأى من عيني سقوط عرب. لقد قتلتُ في القرية عربياً مسلّحاً، وفتاتين تتراوح أعمارهما بين 16 و17 سنة ساعدتا هذا المسلح. أوقفتهم عند الحائط وأطلقت صلية رصاص من بندقيتي من طراز توميغين".
ولم يكتف المجرمون بتنفيذ المجزرة، إذ يعترف نفس القاتل بعملية السلب والنهب التي أعقبتها، قائلاً: "لقد صادرنا أموالاً كثيرة وحلياً وذهباً". ويصف المجرم ما حصل بالقول: "كانت عملية هائلة حقاً، وليس بالصدفة ما يقوم به اليسار من شتمنا".
ووفق تقرير "هآرتس"، فإنّ هذه المعلومات ليست الوحيدة التي تم الكشف عنها، إذ ورد بالاعتماد على الفيلم الذي سيبث لأول مرة، غداً السبت، تحت اسم "وُلد في دير ياسين" للمخرجة نطع شوشاني، التي تمكّنت من إجراء مقابلات مع عدد من الذين شاركوا في تنفيذ المجزرة، بعد سبعين عاماً على وقوعها، أنّ عناصر "ليحي" و"إيتسيل"، كانوا يقومون بقتل الناس، وإطلاق الرصاص عليهم من الخلف، كما قاموا بإلقاء والقنابل والمتفجرات في بيوت القرية لإرغام السكان على الفرار منها، وأنّهم واجهوا مقاومة شديدة من قبل أهالي القرية، بالوسائل القليلة التي توفرت لهم.
وتخلل الشهادات استخدام تعابير قذرة من قبل المجرمين أنفسهم، في وصفهم لحالة الفزع عند سكان القرية، إذ قال أحد المشاركين في المجزرة، ويدعى يهوشواع زيطلر: "لقد تراكضوا مثل القطط"، وجاء هذا الوصف في مقابلة أجريت معه عام 2009 قبل موته بأسابيع.
وأضاف المجرم، الذي ادّعى أنّ ما حدث في دير ياسين ليس مجزرة: "لم نتعامل بقفازات حريرية.. لقد انتقلنا من بيت لآخر... كنا نرمي القنابل والمتفجرات ثم نهرب، فينفجر البيت لنننقل للذي يليه، وخلال ساعات كان نصف القرية قد اختفى عن الوجود".
كما أقر زيطلر، بعملية إحراق جثامين الشهداء في دير ياسين، قائلاً: "قام بعض الرفاق بأخطاء، إذ قاموا بتكديس الجثث فوق بعضها ثم أشعلوا النار، فانبعث رائحة فظيعة، لم يكن ذلك سهلاً".
أما شريكه في تنفيذ المجزرة، من عصابات "إيتسيل"، بن تسيون كوهين، فلم يخف أهداف المجزرة، إذ قال: "لو كان لدينا ثلاث أو أربع مثل دير ياسين لما بقي عربي واحد في البلاد. بسبب من يوجد كل هؤلاء اللاجئين، في لبنان والأردن وسورية؟ هل هناك يهودي واحد يستطيع القول إنّهم بسببه، أنا توليت قيادة العملية في دير ياسين".
وتورد الصحيفة أيضاً نصاً لشهادة عضو كنيست ووزير سابق عن حركة "ميرتس"، هو يئير تسبان، حول كيفية إرساله إلى موقع المجزرة في اليوم الثاني، مع مجموعة من المجنّدين، لدفن ما تبقى من جثامين القتلى في القرية، قبل وصول لجان تحقيق دولية.
ويؤكد تسبان في شهادته في الفيلم، أنّ المناظر التي شاهدها، أكدت كذب رواية المجرمين بأنّه كانت هناك معارك، قائلاً: "شاهدتُ كثيراً من النساء والرجال المسنين، وقد أُطلقت النيران عليهم خلف الرأس، ولم يكن هناك أي دليل على وقوع معركة كما ادعى أفراد الايتسيل واللحى".
كما تورد الصحيفة، مقاطع من شهادة أحد عناصر جهاز استخبارات "هاغاناه" الذي كان يعرف باسم "شاي"، وتطوّر لاحقاً ليكون جهاز المخابرات العامة في إسرائيل بعد النكبة.
ويقول هذا العنصر، ويدعى شراجا بيلد، إنّه أُرسل لتوثيق ما حدث في دير ياسين، مشيراً إلى أنّ أول ما طالعه في القرية، جثة لفلسطيني وقد عُلّقت على شجرة، وتظهر أثار النيران على جذعها بعد إحراقها، وقد صور هذه الحادثة.
كما يؤكد أنّه صور عن بعد ما بدا وكأنّه عشرات الجثث لأناس مقتولين في القرية، ومع أنّه سلّم الصور والفيلم للمسؤولين عنه، إلا أنّ هذه الصور اختفت، ولم تظهر منذ ذلك اليوم.
إلى ذلك، يكشف التقرير، أنّ المحكمة الإسرائيلية العليا رفضت التماساً من مخرجة الفيلم للسماح لها بنشر الصور التي التقطت في دير ياسين، بادعاء أنّ نشر هذه الصور "قد يضرّ بعلاقات الدولة الخارجية، ويمس بحركة الموتى".
وبالرغم من الفظائع التي يكشف عنها الفيلم، إلا أنّ مخرجته قالت في حديث مع "هآرتس": "لا أعتقد أنّه كانت لأحد نوايا مبيتة للمجيء إلى القرية وقتل الأطفال. ما حدث لم يكن معركة مقابل قوات عسكرية وإنما احتلال مفاجئ لقرية في مواجهة سكان دافعوا عن بيوتهم بوسائلهم الفقيرة. وعلى ما يبدو، وقعت أيضاً حالات فردية من تصفية وقتل للسكان... إعدام بعد انتهاء المعركة بهدف الردع وربما بفعل الخوف".