اختيار جمعيات ونقابات وأحزاب سياسية شهر ديسمبر/ كانون الأول، من كل سنة، يوماً دوليا ضد الإسلاموفوبيا، يلقى صدى وحضورا كبيرين. وتصادف هذه السنة يوم الأحد 10 ديسمبر/كانون الأول. وكان تحت عنوان "ماكرون أو حالة الاستثناء الدائمة"، بسبب الثمن الغالي الذي دفعه مسلمو فرنسا بعد إقرار حالة الطوارئ، التي أعقبت الاعتداءات الإرهابية، من اعتقالات وإقامات جبرية وتهديدات وعنف إلخ.
وقد عرف النشاط حضورا متنوعا، من أجل مقاربة متعددة الأبعاد للمشكلة. وكان أول متدخل الأنثروبولوجي والمؤرخ ألان بيرثو، الذي تساءل عن القوانين الاستثنائية في فرنسا: لماذا مثل هذا القانون؟ وما فائدته؟ وفاعليته؟ قبل أن يجيب: "إن الأمر يتعلق بسياسة أمنية جديدة. وإن السياسة الأمنية لا يتم اختيارها من أجل إرساء الأمن، ولكن من أجل ممارسة الحكم عن طريق التخويف". وأضاف: "وقد عبّر عنها، قبل سنوات، نيكولا ساركوزي، بالقول: "إن رجال الشرطة في خطر، ويتوجب على المواطنين أن يختاروا معسكرهم".
اقــرأ أيضاً
وأضاف "إننا نعيش مرحلة تحوّل للدولة. بمعنى دولة تحدّ من الحريات وتبالغ في الاستبداد". ثم حذّر من "تكوّن هوية فرنسية جديدة قائمة على رفض الإسلام". وشرح الأمر: "إن ما حدث في 10 تشرين الثاني/نوفمبر في منطقة كليشي، ضاحية باريس، حين أدّى مسلمون صلاة الجمعة في الشارع بسبب إغلاق مسجدهم وعدم تنفيذ الوعد بمسجد جديد، ثم قيام تظاهرة للمُنتَخبين بلباسهم الرسمي، وعلى رأسهم رئيسة المجلس الإقليمي، فاليري بيكريس، خرّبت الصلاة من خلال قراءة النشيد الوطني الفرنسي، وتم دوس المصلّين، لها معنى: "أنتم الذين لا تؤدون النشيد الوطني، لستم من المجموعة الوطنية"".
ثم تناولت الكلام الصحافية في موقع ميدل إيست آي، حسينة مشاي، فعبّرت في البداية عن ذهولها من التناقض بين رؤية وتعامل الصحافيين البريطانيين ونظرائهم الفرنسيين مع قانون الطوارئ في فرنسا، فالأوائل عبروا عن القلق والذهول، فيما الفرنسيون يتصرفون ببرودة مع الوضع وكأنه لا يعنيهم.
ثمّ تحدثت عن كتاب هي بصدد إنجازه مع سهام زين، رئيسة "حركة حقوق المسلمين"، وفيه لقاءات مع رجال قانون وقضاة وفلاسفة وخبراء أجمعوا على أن قانون الطوارئ غير مفيد وغير فعّال. ثم بدأت في استعراض بعض ضحايا قانون الطوارئ، ومن حُرموا من وضعية “الضحية”، لأنه في نظر السلطات "لا دخان من دون نار".
"نحن في ليلة 15 تشرين الثاني/نوفمبر: مالك، مطلّق، يتعهد ثلاثة أبناء، أكبرهم في السابعة من عمره وأصغرهم في السنة الأولى، على الساعة الواحدة والنصف صباحا، وبعد قضاء أمسية سعيدة مع أبنائه. طرق غريب على الباب، ينهض مسرعا، في ثياب النوم، وينظر من فتحة الباب أناسا مقنعين، وما أن يبتعد قليلا من الباب حتى يتم تحطيمها. المهاجمون في حدود 200 نفر، حسب ما ستقوله وسائل الإعلام في اليوم التالي، مزيج من القوات الخاصة وقوات التدخل ومحاربة المخدرات ومن المتخصصين في نزع الألغام. وكانوا يصورون عملياتهم. لم يتحدثوا إليه وانهالوا عليه بالضرب على الرأس والصدر والظهر، وكانوا يصرخون ولم يكن يفهم ما يقولون. قيدوه ووضعوه على بطنه، وكانوا يرددون جملة 129. وهو ما يعني في ليلة 14 نوفمبر الحصيلة المؤقتة لضحايا الاعتداء الإرهابي. استمروا في الضرب على الرأس وعلى الأماكن الحميمة، وهددوه بإطلاق النار، فكان يردد: “لم أفعل شيئا” حطّموا فكّه وشوهوا وجهه كما أحدثوا كدمات في كل مكان، ولحد الآن لا يزال أحس بآلام.
خرّبوا كل بيته، فتشوا سيارته ونسخوا كل ما كان في حاسوبه وهاتفه. يقول: "ربما ارتابوا في شكلي، فطولي متر و80 سنتمترا، ولديّ لحية، أمارس الرياضة، لديّ علامة في الجبهة".
والغريب أن مالك لم يوضع تحت الإقامة الجبرية ولم يستدع إلى مركز الشرطة. صمت مطبق من السلطات.
25 مثالا، يشبه مثال مالك. السيدة المريضة بالسرطان، الذي تسببت زيارة الشرطة في عودة المرض إليها، ثم حالة اللاجئ السياسي من الشاشان، الذي عرف السجون الروسية، فتصور، وهو يرى قوات التدخل الفرنسية، أن الروس يعودون، ثانية.
ثم تحدثت سهام زين، رئيسة “حركة حقوق المسلمين”، وهي حركة أُنشئت بعد إقرار قانون الطوارئ، وتساءلت عن السبب الذي يدفع الكثيرين للربط ما بين تديّن المسلمين وبين تطرّف بعضهم. ثم أشارت إلى الدور السلبي للوشاية، سواء أتت من الجار أو من قريب أو من مطلق، إلخ.
اقــرأ أيضاً
ثم تناولت الكلمة ليلى شريف من "مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا"، واعتبرت كل من يناصر هذه الجمعية في وضعية صعبة للغاية، انخراط في "كفاح عادل وطويل الأمد". وقدمت أمثلة لمن يشكك في الأرقام التي تعبّر عن تصاعد العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، منوهة إلى أن الكثير من الاعتداءات لا يتم الإبلاغ عنها، بسبب جهل المتضررين بالقوانين أو بسبب بطء الإدارة الفرنسية أو خوفا من التهديدات، إلخ. ولم تنسَ الإشارة إلى ما سمته حركة “وشاية وارتياب معمَّمان”، يجب مقاومتهما وفضحهما، بالاستعانة بالقضاء.
قدمت مثالا شكوى طبيب إلى نقابته عن مريضة زارته سنة 2015، فاكتشف، كما يقول في رسالته بداية تطرف في تصرفاتها، وهو ما جعله يعلن عنها لدى الدرك، انسجاما مع تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في مواجهة الإرهاب. ولكن القصة غير ذلك. فقد ناقشها قضية الحجاب الذي تضعه على رأسها، ولم يخف أمامها معارضته للحجاب واقترح عليها أن تضع حجابا بألوان العلم الوطني الفرنسي، لأنه كان يعتبر أن من واجبه أن يدينها. ومن حسن الحظ أن الشكوى وضعت جانبا، وهذا الطبيب تم استدعاؤه أمام غرفة تأديبية.
ثم قدمت مثالا طفلة في الخامسة من عمرها، زعمت مدرستها أنها تصوم مثل أبويها، وبالتالي فهي في حالة “سوء تغذية”، لأنها رفضت أن تتناول الطعام مع أقرانها، في العاشرة صباحاً، فأخبرت القسم الاجتماعي، الذي أشعر الشرطة بالأمر ثم مدّعي الجمهورية، ولكن لحسن الحظ لم تكشف الفحوص الطبية عن أي سوء تغذية. ورغم ذلك واصل القسم الاجتماعي بحثه، كما أن الشرطة قامت باستجواب إمام المسجد الذي يرتاده والد الطفلة. وفي الأخير تم إشعار العائلة بأن عليها أن تلزم الصمت، وإلا وقع ما لا تُحمَد عقباه.
اقــرأ أيضاً
وقد عرف النشاط حضورا متنوعا، من أجل مقاربة متعددة الأبعاد للمشكلة. وكان أول متدخل الأنثروبولوجي والمؤرخ ألان بيرثو، الذي تساءل عن القوانين الاستثنائية في فرنسا: لماذا مثل هذا القانون؟ وما فائدته؟ وفاعليته؟ قبل أن يجيب: "إن الأمر يتعلق بسياسة أمنية جديدة. وإن السياسة الأمنية لا يتم اختيارها من أجل إرساء الأمن، ولكن من أجل ممارسة الحكم عن طريق التخويف". وأضاف: "وقد عبّر عنها، قبل سنوات، نيكولا ساركوزي، بالقول: "إن رجال الشرطة في خطر، ويتوجب على المواطنين أن يختاروا معسكرهم".
ثم تناولت الكلام الصحافية في موقع ميدل إيست آي، حسينة مشاي، فعبّرت في البداية عن ذهولها من التناقض بين رؤية وتعامل الصحافيين البريطانيين ونظرائهم الفرنسيين مع قانون الطوارئ في فرنسا، فالأوائل عبروا عن القلق والذهول، فيما الفرنسيون يتصرفون ببرودة مع الوضع وكأنه لا يعنيهم.
ثمّ تحدثت عن كتاب هي بصدد إنجازه مع سهام زين، رئيسة "حركة حقوق المسلمين"، وفيه لقاءات مع رجال قانون وقضاة وفلاسفة وخبراء أجمعوا على أن قانون الطوارئ غير مفيد وغير فعّال. ثم بدأت في استعراض بعض ضحايا قانون الطوارئ، ومن حُرموا من وضعية “الضحية”، لأنه في نظر السلطات "لا دخان من دون نار".
"نحن في ليلة 15 تشرين الثاني/نوفمبر: مالك، مطلّق، يتعهد ثلاثة أبناء، أكبرهم في السابعة من عمره وأصغرهم في السنة الأولى، على الساعة الواحدة والنصف صباحا، وبعد قضاء أمسية سعيدة مع أبنائه. طرق غريب على الباب، ينهض مسرعا، في ثياب النوم، وينظر من فتحة الباب أناسا مقنعين، وما أن يبتعد قليلا من الباب حتى يتم تحطيمها. المهاجمون في حدود 200 نفر، حسب ما ستقوله وسائل الإعلام في اليوم التالي، مزيج من القوات الخاصة وقوات التدخل ومحاربة المخدرات ومن المتخصصين في نزع الألغام. وكانوا يصورون عملياتهم. لم يتحدثوا إليه وانهالوا عليه بالضرب على الرأس والصدر والظهر، وكانوا يصرخون ولم يكن يفهم ما يقولون. قيدوه ووضعوه على بطنه، وكانوا يرددون جملة 129. وهو ما يعني في ليلة 14 نوفمبر الحصيلة المؤقتة لضحايا الاعتداء الإرهابي. استمروا في الضرب على الرأس وعلى الأماكن الحميمة، وهددوه بإطلاق النار، فكان يردد: “لم أفعل شيئا” حطّموا فكّه وشوهوا وجهه كما أحدثوا كدمات في كل مكان، ولحد الآن لا يزال أحس بآلام.
خرّبوا كل بيته، فتشوا سيارته ونسخوا كل ما كان في حاسوبه وهاتفه. يقول: "ربما ارتابوا في شكلي، فطولي متر و80 سنتمترا، ولديّ لحية، أمارس الرياضة، لديّ علامة في الجبهة".
والغريب أن مالك لم يوضع تحت الإقامة الجبرية ولم يستدع إلى مركز الشرطة. صمت مطبق من السلطات.
25 مثالا، يشبه مثال مالك. السيدة المريضة بالسرطان، الذي تسببت زيارة الشرطة في عودة المرض إليها، ثم حالة اللاجئ السياسي من الشاشان، الذي عرف السجون الروسية، فتصور، وهو يرى قوات التدخل الفرنسية، أن الروس يعودون، ثانية.
ثم تحدثت سهام زين، رئيسة “حركة حقوق المسلمين”، وهي حركة أُنشئت بعد إقرار قانون الطوارئ، وتساءلت عن السبب الذي يدفع الكثيرين للربط ما بين تديّن المسلمين وبين تطرّف بعضهم. ثم أشارت إلى الدور السلبي للوشاية، سواء أتت من الجار أو من قريب أو من مطلق، إلخ.
ثم تناولت الكلمة ليلى شريف من "مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا"، واعتبرت كل من يناصر هذه الجمعية في وضعية صعبة للغاية، انخراط في "كفاح عادل وطويل الأمد". وقدمت أمثلة لمن يشكك في الأرقام التي تعبّر عن تصاعد العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، منوهة إلى أن الكثير من الاعتداءات لا يتم الإبلاغ عنها، بسبب جهل المتضررين بالقوانين أو بسبب بطء الإدارة الفرنسية أو خوفا من التهديدات، إلخ. ولم تنسَ الإشارة إلى ما سمته حركة “وشاية وارتياب معمَّمان”، يجب مقاومتهما وفضحهما، بالاستعانة بالقضاء.
قدمت مثالا شكوى طبيب إلى نقابته عن مريضة زارته سنة 2015، فاكتشف، كما يقول في رسالته بداية تطرف في تصرفاتها، وهو ما جعله يعلن عنها لدى الدرك، انسجاما مع تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في مواجهة الإرهاب. ولكن القصة غير ذلك. فقد ناقشها قضية الحجاب الذي تضعه على رأسها، ولم يخف أمامها معارضته للحجاب واقترح عليها أن تضع حجابا بألوان العلم الوطني الفرنسي، لأنه كان يعتبر أن من واجبه أن يدينها. ومن حسن الحظ أن الشكوى وضعت جانبا، وهذا الطبيب تم استدعاؤه أمام غرفة تأديبية.
ثم قدمت مثالا طفلة في الخامسة من عمرها، زعمت مدرستها أنها تصوم مثل أبويها، وبالتالي فهي في حالة “سوء تغذية”، لأنها رفضت أن تتناول الطعام مع أقرانها، في العاشرة صباحاً، فأخبرت القسم الاجتماعي، الذي أشعر الشرطة بالأمر ثم مدّعي الجمهورية، ولكن لحسن الحظ لم تكشف الفحوص الطبية عن أي سوء تغذية. ورغم ذلك واصل القسم الاجتماعي بحثه، كما أن الشرطة قامت باستجواب إمام المسجد الذي يرتاده والد الطفلة. وفي الأخير تم إشعار العائلة بأن عليها أن تلزم الصمت، وإلا وقع ما لا تُحمَد عقباه.