شنكيز خان.. علّق الماجستير ليعمل في سوق باكستانيّ للخضار

15 نوفمبر 2014
يحلم بالعودة إلى الدراسة وإكمال شهادة الماجستير(صبغة الله صابر)
+ الخط -

في أحضان جبال مري الشاهقة القريبة من العاصمة الباكستانيّة إسلام أباد، بدأت حكاية شنكيز خان. حكاية لا تختلف عن قصص آخرين اضطروا إلى تغيير خططهم لتأمين لقمة عيشهم.

في كل صباح، يستيقظ شنكيز خان باكراً ويتوجّه إلى السوق "لأرتّب دكاني. من ثمّ أشتري الخضار من السوق الرئيسي وأعرضها في الدكان طوال اليوم، حتى المغرب. وأحياناً حتى موعد العشاء". وفي المساء، يعود مرهقاً إلى الحجرة التي استأجرها بالقرب من السوق، مع عدد من رفاقه. فهو لم يعد يعيش مع عائلته منذ سنتَين تقريباً، بل يكتفي بزيارتها مرّة كلّ أسبوعَين.

في أسرة فقيرة، ولد شنكيز خان الذي يبلغ اليوم من العمر 31 عاماً، في حيّ جامات في مقاطعة مري التي تُعدّ أحد المصايف الباكستانيّة الشهيرة، والتي تقع وسط جبال شاهقة تتميّز بمناظرها الخلابة.

لم يتوقّع يوماً أن تأخذه الحياة إلى ما بلغه. فهو، ومذ كان يتابع دراسته الابتدائيّة ومن ثم المتوسّطة والثانويّة في مدرسة قريته الحكوميّة، كان يحلم بمستقبل مختلف. ولم يمنعه ذلك من مساعدة والده بابر علي، في البقالة الصغيرة التي كان يملكها. تلك البقالة كانت الوحيدة في حيّهم الصغير المؤلّف من عشرين منزلاً تقريباً.

بعد تخرّجه من الثانوية، لم يتمكّن خان من مواصلة دراسته، نتيجة أحوال أسرته المعيشيّة الصعبة. فتخلى عن الدراسة، وظلّ يشتغل مع والده في البقالة نفسها حتى سافر إلى لاهور ومن بعدها إلى كراتشي. كان همّه الحصول على عمل جيّد. وهناك، عمل في أماكن مختلفة لكسب لقمة عيشه، في مزارع للدواجن وفي فنادق، وغيرها.

في صيف عام 2002، عاد خان إلى قريته لقضاء بعض الأيام مع أسرته، فالتقى صدفة أحد الزعماء السياسيّين المحليّين الذي كان في زيارة لإحدى القرى المجاورة. لفت ذكاء الشاب سرور سيد، الذي كان عضواً في البرلمان الفيدرالي، فوعده بمساعدته مادياً إذا أراد مواصلة دراسته.

وافق خان وأسرته على ذلك، والتحق بجامعة مري في عام 2003. كانت كليّة الحقوق خياره. لكنه ظلّ يشتغل في المساء في بعض المحال التجاريّة والمطاعم ليساعد والده في إعالة أسرته. تابع دراسته لمدة أربع سنوات، حتى نال شهادة البكالوريوس في عام 2007، مع درجات جيّدة.

حينها، حمل خان شهادته "ورحت أبحث عن وظيفة ما. حاولت كثيراً، لكن من دون جدوى. قدّمت أرواقي إلى إدارات حكوميّة مختلفة، لكني لم أتمكن من نيل أي وظيفة، على الرغم من أني حصلت على معدلات جيّدة في الثانويّة وفي الدراسة الجامعيّة".

وبعدما فشل في العثور على وظيفة، عمل لعام واحد تقريباً كمساعدٍ لأحد المحامين، مقابل 15 ألف روبية باكستانيّة (نحو 147 دولاراً أميركياً) شهرياً. من ثمّ، وجد عملاً مقابل 20 ألف روبية (نحو 196 دولاراً) في إحدى الشركات الخاصة في مري. حينها، "انتهزت هذه الفرصة والتحقت بالجامعة نفسها من جديد، لأكمل دراستي وأحصل على شهادة الماجستير".

لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فقد تغيّرت فجأة أوضاع العائلة. أصيب والده بالتهاب في الكبد، ووالدته بمرض السكّري. اضطرّ خان إلى ترك الدراسة والتركيز على العمل. وبعد انتهاء صلاحيّة العقد مع الشركة، رأى نفسه يتوجّه مرّة أخرى إلى العاصمة ليشتغل مساعداً لأحد المحامين في المجمّع القضائي. لكن الراتب لم يكن يكفيه وأسرته ولا يغطّي مصاريف علاج والدَيه.

فترك العمل وبدأ يشتغل في التجارة. راح يصدّر مستحضرات تجميل من مدينة لاهور إلى العاصمة إسلام آباد ومدينة راولبندي المجاورة لها. لكن الربح لم يكن كبيراً، والغشّ كثير في هذا المجال. فتركه، وراح يعمل في سوقٍ للخضار.

كان ذلك قبل سنتَين، واليوم ما زال خان يشتغل في سوق خضار مدينة راولبندي، وأصبح يملك دكاناً فيه.

يربح خان يومياً ما بين 800 و1200 روبية (7.85 - 11.78 دولاراً). ولأنه ما زال يحلم بالعودة إلى الدراسة وإكمال شهادة الماجستير، فهو يضع جانباً بعضاً ممّا يتقاضاه.

على الرغم من كل ما حدث، لم يفقد خان الأمل في العثور على وظيفة جيّدة. فهو يطّلع يومياً على قسم الإعلانات المبوّبة في الصحف، ويقصد إدارات كثيرة ويسلّمها ملفّه وسيرته الذاتيّة. لكنه حتى الآن، لم يعثر على وظيفة.

خان ليس الوحيد الذي يعمل في سوق خضار على الرغم من الشهادات التي يملكها، فثمّة أعداد كبيرة من المتعلمين والمثقفين في باكستان الذين لم يجدوا أمامهم سوى اللجوء إلى العمل في الأسواق بعدما فشلوا في العثور على فرص عمل ملائمة لهم بسبب البطالة المتفشية.

بعدما أهمل طويلاً حياته الخاصة، خطب خان قبل ثلاثة أعوام ابنة عمه رقيّة، المدرّسة في ابتدائيّة القرية. لكن، ولغاية اليوم، لم يتمكّنا من الزواج، "على أمل أن تتحقّق مشاريعي وأعقد قراني في يناير/ كانون الثاني المقبل".
المساهمون