شلالات تركيا... ثروة سياحية إضافية صيفاً وشتاء

30 اغسطس 2020
نقطة جذب بارزة (مؤمن فايز/ Getty)
+ الخط -

يعزو المتخصص في علم الجغرافيا، قتيبة رزاق، كثرة الشلالات في تركيا، إلى عوامل طبيعية، كالزلازل والبراكين والكوارث التي تترك شقوقاً وأخاديد تتحول مجاري مائية بالمرتفعات، تملأها مياه الأمطار أو الينابيع. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ هناك نظريات حديثة تشير إلى التشكّل الذاتي للشلالات عبر الأجزاء المنحدرة للأنهار، وذلك له علاقة بالمجرى المائي ضد التيار داخل سلاسل الجبال. والأهم في رأيه أنّ تركيا غنية بأنهارها وينابيعها، وبحكم طبيعتها الجغرافية، خصوصاً لجهة الجبال والمرتفعات، تتشكل الشلالات التي تحسن تركيا استثمارها لزيادة الجذب السياحي وتوليد الكهرباء، كما يقول.
عدا عن الشلالات المتشكلة من مجاري الأنهار الـ22 في تركيا، ثمة شلالات كثيرة متشكلة من ينابيع. وعدا عما يتفرع من أكبر الأنهار التركية، مثل قزيل أرماك، ودجلة، والفرات، وصكاريا، هناك شلالات في عدد كبير من المدن البعيدة عن تلك الأنهار ومنها يحيالي، وأنطاليا.
أكثر الشلالات التركية شهرة وارتفاعاً يقع في ولاية أرضروم، شمالي شرق البلاد، وهي شلالات تورتوم، التي تصنّف رابع أعلى شلالات في العالم، بعد شلالات أنخل في فنزويلا، وفيكتوريا على الحدود ما بين زامبيا وزبمبابوي، ونياغرا بين الولايات المتحدة وكندا. وتقول المراجع التاريخية إنّ شلالات تورتوم تشكلت في القرن الثامن عشر إثر انهيار منطقة جبلية قرب قرية بالقلي، التابعة لقضاء أوزون درة، بالولاية. ونظراً لارتفاعها البالغ 48 متراً وعرضها البالغ 21 متراً، رشحت لتكون على قائمة التراث العالمي لليونسكو. وتتهيأ تركيا اليوم لتنفيذ مشروعين في منطقة الشلالات بكلفة تزيد عن 11 مليون ليرة (مليون ونصف مليون دولار) الأول إنشاء مسارات للمشي والدراجات الهوائية حول الشلالات، والثاني تجمعات عمرانية ومنازل خشبية وحدائق، ليزيد مستوى جذب السائحين إلى الشلالات الشهيرة.

كوفيد-19
التحديثات الحية

الثانية في الأهمية، شلالات مانافجات، المتشكلة من النهر الذي يحمل الاسم نفسه، وتقع على بعد 78 كيلومتراً، إلى الشرق من مدينة أنطاليا. وجاء اسم مانافجات، وتعني باللغة الأترورية، الإلهة الأم، من جراء الاعتقاد أنّ الشلالات كانت على مرّ عدة حقب تاريخية تستخدم كموقع مقدس للمدينة الإغريقية القديمة سيليوكيا. ومع أنّ ارتفاع شلالات مانافجات، التي تقع على بعد 3 كيلومترات من بلدة بالاسم نفسه، منخفض، بنحو مترين، عن تورتوم، إلاّ أنّ عرضها البالغ 40 متراً وغزارة تدفقها وما يتشكل حولها من خضرة منها مزارع الشاي، دفعت الأتراك لوضع صورة الشلالات على عملتهم من فئة 5 ليرات بين عامي 1958 و1983.
وفي عروس السياحة التركية، أنطاليا، شلالات دودن في نهر دودن، العليا التي تبعد عن مركز مدينة أنطاليا 10 كيلومترات، وتقع في منطقة فارساك، والسفلى في منطقة لارا، على بعد 8 كيلومترات إلى الجنوب من أنطاليا، بارتفاع يبلغ 40 متراً. وعادة ما يتم الخلط بين الشلالات العليا والسفلى، فهي تنبع من نفس المنبع من ثنايا جبال طوروس وتصب في البحر الأبيض المتوسط. والغريب في الأمر أنّ المياه تخرج من المنبع وتسير مسافة طويلة حتى تصل إلى منطقة الشلالات، ثم يتدفق الماء في باطن الأرض ويسير تحت الأرض لمسافة كيلومترين حتى يخرج مجدداً، وبعد اكتشاف هذا، جرت الاستفادة من جريان الماء بإقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في منطقة كيبيز. وتقول المراجع التركية إنّ شلالات دودن العليا موجودة في أقدم المناطق التاريخية، وإنّ الإسكندر المقدوني قصدها أثناء غزوه المكان عام 334 قبل الميلاد، إذ كانت تعرف باسم بامفيليا، فخيّم مع جيشه هناك. كذلك، تضمّ ولاية دوزجة، شمالي غرب تركيا، شلالات غوزال ديرة، في قرية غوزال، التي تتدفق مياهها على صخور منحوتة كالدرج، وتقع  الشلالات على ارتفاع 630 متراً عن سطح البحر.

ومن نوادر الشلالات في تركيا، تلك التي تتجمّد خلال فصل الشتاء، مثل شلالات ولاية أردهان، شمالي شرق البلاد، وشلالات كيرلويك المتشكلة من 9 ينابيع في ولاية أرزينجان، شرقي البلاد، والتي تجذب السائحين المحليين والأجانب في فصل الشتاء، لا سيما في الفترة التي تتجمد فيها نوازلها وصولاً إلى أكثر من سبعة أمتار. ولا يمكن تجاهل شلالات أغاران الأربعة في بلدة تشايالي في مدينة ريزا، المطلة على البحر الأسود، شمالي البلاد، فهي وفق تصنيف السائحين، من أجمل الشلالات. أما مدينة يحيالي، في ولاية قيصري، وسط الأناضول، فهي أم الشلالات، لأنها تحوي سبعة شلالات، أشهرها شلالات كابوز باشي شمالي قرية كوتشوك شاكر. وتقسم شلالات يحيالي إلى 5 شلالات كبيرة و2 صغيرة. ويعد شلال أليف أشهر شلالات كابوز باشي السبعة، ويقع داخل حديقة ألاداغلار الوطنية، ويتميز بتدفق قوي يصل إلى 28 ألف لتر في الثانية، وتعيش فيه أسماك الألاباليك.
ومن الظلم تجاهل شلالات تومارا بمنطقة شيران، بولاية كوموش خانة، المتشكلة من 40 مصدراً مختلفاً، ثم تنحدر من ارتفاع 15 متراً، وتسمى في قرية سيدي بابا التي تقع فيها؛ العيون الأربعين، للإشارة إلى ينابيع المياه الأربعين التي تنحدر منها مياهها. أما شلال منجونا في وادي كاميليت بولاية أرتفين فهو الأكبر في منطقة شرق البحر الأسود وثالث أهم شلال في ولاية أرتفين. وهناك أيضاً شلالات طرسوس على نهر البردان شرقي مدينة مرسين، وشلالات غوكصو في ولاية قونيا وسط تركيا.
لكن، كيف تستثمر البلاد هذه الثروة الطبيعية التي تأخذها شركات السياحة، عاملاً إضافياً للجذب الداخلي والخارجي؟ يقول مدير شركة "جاكوار" السياحية بإسطنبول، أنور أوغلو لـ"العربي الجديد": "المياه عموماً، من بحار، وأنهار، وينابيع، وشلالات، تزيد من عوامل جذب وإغراء السائحين، خصوصاً خلال فترة الحرّ كما هي الحال الآن، لذلك، نعتمد خلال العروض التركيز على المياه لأنّ فيها تحريضاً، خصوصاً للأطفال وعشاق الطبيعة". ويشير أوغلو إلى أنّ الطلب السياحي الأول هو باتجاه أنطاليا، وذلك لاعتبارات كثيرة، منها الشلالات، كما تزيد الطلبات السياحية على إسطنبول، لأنّها تطل على البحار والمضائق، وقريبة من أماكن اصطياف فيها شلالات وبحيرات مثل معشوقية وصبنجا وبورصة.
بدوره، يقول أستاذ الجغرافيا بمدارس "هاتا تراك" بإسطنبول، جهينغير بولوط: "للمياه المندفعة من الأعلى إلى الأسفل، فوائد كثيرة، أهمها توليد الكهرباء عبر ما يعرف بالتوربينات، التي تحول الطاقة الحركية إلى كهربائية، كما الاستثمار السياحي". وعن أنواع الشلالات في تركيا، يضيف بولوط لـ"العربي الجديد" أنّ الشلالات بتركيا تتنوع ما بين "شلالات الحافة، والشلالات المتكتلة، والشلالات المتتابعة، والشلالات المروحية. وفي تركيا أيضاً الشلالات المتجمدة"، ويتأثر بعضها بفصول السنة، خصوصاً تلك المتشكلة من هطول الأمطار، ففي موسم الشتاء وذوبان الثلوج، تكون أكثر غزارة وتدفقاً. وحول نقاء مياه الشلالات وصلاحيتها للشرب، يضيف أستاذ الجغرافيا: "عادة ما تكون مياه الشلالات نقية وصالحة للشرب، فهي تأتي من الأنهار أو الينابيع، لكن تتعرض للعديد من أنواع التلوث، الكيميائي والميكروبي، نظراً لمرورها عبر مسطحات تحوي ربما طحالب وفطريات ومخلفات طيور وحيوانات".

المساهمون