شكر مستحق للرئيس ترامب

09 مايو 2018
+ الخط -
يطرب الملك، أو الرئيس، أو الزعيم، دونما شك، ويتراقص قلبه فرحاً، حين تهدُر ألوف الحناجر، مُعلِنةً استعداد أصحابها، لافتدائه بالروح، والدم، على ما تقول كلمات الهتاف العربي الموغل في تاريخٍ من تقديس الحاكم الفرد، يمتد إلى مئات السنين، ولطالما شهدت حقبٌ طويلة منه تكريس منطق اختزال الأمة وأرضها وتاريخها ومقدراتها في شخص "القائد الضرورة" الذي لا هدف للأعداء والخونة والمتآمرين سوى أن ينالوا منه، فإذا أفلت منهم، حتى وإن لم يستهدفوه أصلاً، فهُم مهزومون، وما على مواطنيه سوى الاحتفال بنصره المؤزّر، دونما التفاتٍ إلى ما نجم عن سياساته الحكيمة، من فقد بعض أرض الوطن، وهدر كرامته، وانتهاك سيادته.
هو، والمقصود هنا كل حاكم عربي رفع نفسه إلى مرتبة أشباه الآلهة، يستطيع أن يرى حجم الكذب في شعارات مؤيديه، حين يستبدلون اسم الوطن باسمه شخصياً، في شعار "بالروح بالدم.."، أو ما يماثلها، وهو يستطيع أن يدرك، كذلك، حتمية سقوطهم جماعياً، لو أنه دعاهم، مثلاً، إلى اختبارٍ يُثبتون فيه صدقية ما يدّعُون، فعلاً، وليس بمجرد الهُتاف، غير أنه يُفَضِّل خيار فتح مكبرات الصوت أمام جوقات الدجل والنفاق، في مقابل تكميم أفواه كل من ينظرون إليه بشرا يخطئ ويصيب.
ليكذبوا، كما شاؤوا، يقول في سريرته، على الأرجح، ما دام ضجيج ثغائهم، يغطي أنين سواهم، ومادام نظامُ حُكمِه يُراكم القوة الغاشمة، لسَوقِهم قُطعاناً، عندما تقتضي الضرورة، نحو ملحمة الدفاع عن كُرسيِّه، وتنفيذ وعد افتدائه، لكن بأرواح ودماء الآخرين من أشقائهم وبني جلدتهم الذين اقترفوا خطيئة الخروج عن طاعته.
وإذا كان حاضر العرب يقدم نماذج بعضها مات مذموماً مدحوراً، وبعضها ما زال حياً، للأسف، على علاقة الفساد المتبادل بين "الراعي والرعية"، فإن كليهما ما زال عاجزاً، في الغالب، عن استيعاب دروس الدم المسفوك على مذابح اختبارات كبرى، منها تخلي مؤيدي الزعيم الليبي المقتول معمر القذافي عنه قبيل بلوغه خط النهاية التراجيدية، تاركين إياه، يواجه مصيره الشنيع، من غير أن يفتدوه، حتى بقلامات أظفارهم، ومنها أيضاً استمرار أنصار الرئيس السوري بشار الأسد، في إطلاق شعارات تقديسه، معتبرين بقاءه على سدة الحكم انتصاراً وطنياً يستحق الاحتفال، على الرغم من إقرار القوى التي تتنازع النفوذ على سورية بأنها هي التي تتوافق على منع وصوله إلى خاتمة تماثل خاتمة "ملك ملوك أفريقيا".
ولا يظنن أحد هنا أن مثل هذا التسامح مع دكتاتور سورية، أو سواه من الطغاة العرب، يأتي عفو الخاطر، أو بلا ثمن؛ "نحن من يتوّجكم، ويطيحكم، أو يبقيكم، ونحن من يحميكم من شعوبكم، أو يتركها لتخوزقكم" قالت التجارب، مراتٍ ومرات، بلسان صانعي الدمى الرئاسية في العالم العربي، فأنكر الموالون والمصفقون والمنافقون والدجالون قولها، زمناً طويلاً، قبل أن يظهر على المسرح رئيس أميركي يُدعى دونالد ترامب، ليعلنها صريحة، دونما مواربة: "ادفعوا لتبقوا".
وحيث رأيناهم، يَدفعون صاغرين، أو يُحلبون، وفق لغة راعي البقر الأميركي، فإن الدفع أو الحلب، لم يقتصر على مئات المليارات من الدولارات التي قدمها ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، عربون إفساح الطريق له كي يتولى عرش بلاده، بل تعدّاه إلى أثمانٍ عينية، ما عاد سيد البيت الأبيض وحلفاؤه في تل أبيب معنيين بإخفائها، وأهمها قبول مكة بتقديم القدس على طبق من الدم العربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتخيير أهلها الفلسطينيين بين أن يصادقوا على الصفقة أو يخرسوا، وفق تعبير الأمير السعودي الشاب أمام زعماء الجالية اليهودية في الولايات المتحدة.
كل الأكاذيب تكشفت، إذن، في لحظةٍ تاريخية واحدة، وبانكشافها يستحق ترامب شكراً صريحاً، لإظهاره طغاة العرب في حجومهم الحقيقية الضئيلة، وطبعا من دون أن يعني ذلك صفحاً عما ارتكب ويرتكب بالاشتراك معهم، من آثام ضد العرب وأوطانهم.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني