10 يناير 2017
شكراً سميرة المسالمة
في مقالتها "في المسألة الكردية... ليس ردّاًعلى رد" في "العربي الجديد" (13 يوليو/ تموز 2016)، وضعت شريكتنا في المصير الوطني، الكاتبة العربية المعارضة، سميرة المسالمة، نقاطاً عديدة على الحروف، بشجاعةٍ نادرةٍ وصراحةٍ كاملةٍ، من دون رتوش حول موضوعٍ كان، ومازال، محاطاً بخطوطٍ حمر، أرادت له ذلك الأنظمة والحكومات المستبدّة المتعاقبة على سدة الحكم في بلادنا، واعتبرته مسألة غريبة، لا وطنية، وقد اعتبرها الصديق الراحل جمال أتاسي "قضية ليست وطنية فحسب، بل عربية بامتياز"، بمعنى مسؤولية العرب في سورية وخارجها، ومن موقع الصداقة والعيش المشترك في إيجاد الحل السلمي الديمقراطي لها.
فبالإضافة إلى نجاح الكاتبة فيما ذهبت إليه "أن أثير النقاش بشأن المسألة الكردية المطموسة في سورية، سواء في خطابات النظام، أو في خطابات المعارضة، وكتبت أنني سأحاول أن أتحدّث من خارج الرؤى النمطية، أو الصناديق المغلقة التي تعوّدنا عليها .."، فإنها فعلاً توسّعت في تشخيص الحالة الكردية السورية وتقييمها، بصورة موضوعية، وانفردت في وضع الإصبع على الجرح، على الأقل في مرحلتنا الراهنة، وما تحمل من مخاطر على مستقبل الوحدة الوطنية بين المكوّنات السورية، وعلى النسيج الزاهي المتنوع في حقيقتنا السورية، وعلاقة ذلك بمخططات نظام الاستبداد ومشروع ثورة التغيير، وصولاً إلى سورية جديدة متعدّدة تشاركية، بل أثارت الكاتبة مسائل جوهرية، كانت، وما زالت، محط خلافٍ واختلافٍ، ليس في الساحة الوطنية فحسب، بل بين صفوف الحركة القومية الكردية أيضاً، ومنها:
أولاً، إقرار المسالمة (واعترافها) بوجود خللٍ في التعاطي مع القضية الكردية، وكذلك التقصير في طرحها. وخلافاً لكل المفاهيم الخاطئة، الرائجة منذ عقود، بين أوساط النظام والمعارضة والتيار اليميني القومي الكردي، الموالي تاريخياً، للنظم السائدة، فإنها مع "حق الكرد المشروع، ليس في المواطنة وحسب، وإنما في تقرير المصير كجماعة قومية أيضاً، وإن ما أطلبه لي، أو لشعبي، أطلبه للكرد أيضاً، وللشعب الكردي"، أي الاعتراف الصريح بوجود شعبٍ من السكان الأصليين، يعيش على أرض الآباء والأجداد، ضمن الوطن السوري، وليس لاجئاً أو متسللاً. ولم تشأ الخلط بين الحق القومي وحق المواطنة، حيث يدأب بعضهم على التهرّب من استحقاقات الكرد القومية، باللجوء إلى مقولة الحل (المواطني) المثير للريبة والجدل.
ثانياً، المسألة المهمة الثانية التي أثارتها الكاتبة سميرة المسالمة، والتي ذكرت السطور السابقة،
أنها مطروحة للنقاش الفكري – السياسي منذ أمد بعيد، داخل الوسط الكردي الثقافي، وهي العلاقة بين الوطني والقومي في الحركة الكردية السورية، ومدى حقيقة التوازن بين الانتمائين (الكردي والسوري)، وتأثير ذلك على وحدة البلاد والمصير الكردي راهناً، وفي المستقبلين القريب والبعيد. وسيلحظ كل من يتابع الأدبيات السياسية الكردية القدر الكبير من الاهتمام بهذه القضية المفصلية في الحياة السياسية الكردية، منذ ظهور حركة خويبون في ثلاثينيات القرن الماضي، مروراً بانبثاق الحزب الكردي، المنظم الأول في أواسط الخمسينيات، وانتهاء بالكونفرانس الخامس محطةً أساسيةً للتحولات الفكرية ووضوح الرؤى، أواسط الستينيات، حيث تضمنت وثائقه إجابة مباشرةً ومفصلةً حول هذه المسألة بالذات.
هاتان المسألتان المفصليتان في فهم القضية الكردية السورية، واللتان تصدّت لهما المسالمة، بموضوعيةٍ ومبدئيةٍ، كانتا من ضمن قضايا الخلاف بين الجناحين، القومي الديمقراطي اليساري واليميني القومي، منذ نشوء الحركة الكردية، وتحديداً منذ حوالي نصف قرن، فالجناح اليساري كان يطرح مسلّمة وجود شعبٍ يتمتع بعلائمه القومية، في إطار مبدأ حق تقرير المصير وحل قضيته سلمياً في إطار سورية الديمقراطية الواحدة، حسب صيغةٍ متوافق عليها، وعبر التعاون والتفاهم مع القوى الوطنية السورية، وليس عبر الأنظمة المستبدة (كنت كأحد قياديي اليسار قد نشرت حينها بحثاً بعنوان "أقلية أم شعب؟")، وكان طرحه هذا يحظى برضا قلةٍ من شركائنا. أما الجناح اليميني فكان ينطلق من وجود أقليةٍ كرديةٍ مهاجرةٍ، ليس لها أي حق قومي، ويدعو إلى التعاون مع السلطات الحاكمة، وكان يحظى بدعم الأنظمة وتيارات قومية شوفينية، ما زال بعض بقاياها معششاً في المعارضة.
أما الثانية، أو مسألة القومي والوطني، فقد وقف عليها الجناح اليساري، بكل مسؤوليةٍ، ووضع لها الأسس النظرية، على قاعدة ازدواجية الانتماء، فمن جهةٍ، كرد سورية جزء من أمةٍ كرديةٍ، تمتد إلى العراق وتركيا وإيران. ومن جهة أخرى، يشكلون واقعياً مكوناً وطنياً سورياً، وتصدّى اليسار القومي لمسألة ضرورة التوازن بين الجانبين، وعدم الإخلال بقواعدهما. وفي العصر الراهن، وكما أرى، فإن السمة العامة لحل القضية الكردية تميل إلى الحل الوطني الديمقراطي في كل جزء، وليس الحل القومي الكردستاني دفعةً واحدةً. وكنموذج أقرب، فإن فيدرالية كردستان العراق جاءت حلاً وطنياً عراقياً، بتوافق كردي عربي. ويشعر الكردي السوري، في الوقت الراهن، بأن مصيره مرتبط أكثر بشركائه العرب في الوطن وبالثورة وبالتغيير الديمقراطي، أكثر من ارتباطه بحزب قومي مغامر خارجي، مثل حزب العمال الكردستاني.
وأختم تعقيبي هذا بالتأكيد على ما ذهبت اليه الكاتبة سميرة المسالمة: "الأجدى أن نبحث عن تعميق المشترك، فهذا هو الأفضل والأصوب".
فبالإضافة إلى نجاح الكاتبة فيما ذهبت إليه "أن أثير النقاش بشأن المسألة الكردية المطموسة في سورية، سواء في خطابات النظام، أو في خطابات المعارضة، وكتبت أنني سأحاول أن أتحدّث من خارج الرؤى النمطية، أو الصناديق المغلقة التي تعوّدنا عليها .."، فإنها فعلاً توسّعت في تشخيص الحالة الكردية السورية وتقييمها، بصورة موضوعية، وانفردت في وضع الإصبع على الجرح، على الأقل في مرحلتنا الراهنة، وما تحمل من مخاطر على مستقبل الوحدة الوطنية بين المكوّنات السورية، وعلى النسيج الزاهي المتنوع في حقيقتنا السورية، وعلاقة ذلك بمخططات نظام الاستبداد ومشروع ثورة التغيير، وصولاً إلى سورية جديدة متعدّدة تشاركية، بل أثارت الكاتبة مسائل جوهرية، كانت، وما زالت، محط خلافٍ واختلافٍ، ليس في الساحة الوطنية فحسب، بل بين صفوف الحركة القومية الكردية أيضاً، ومنها:
أولاً، إقرار المسالمة (واعترافها) بوجود خللٍ في التعاطي مع القضية الكردية، وكذلك التقصير في طرحها. وخلافاً لكل المفاهيم الخاطئة، الرائجة منذ عقود، بين أوساط النظام والمعارضة والتيار اليميني القومي الكردي، الموالي تاريخياً، للنظم السائدة، فإنها مع "حق الكرد المشروع، ليس في المواطنة وحسب، وإنما في تقرير المصير كجماعة قومية أيضاً، وإن ما أطلبه لي، أو لشعبي، أطلبه للكرد أيضاً، وللشعب الكردي"، أي الاعتراف الصريح بوجود شعبٍ من السكان الأصليين، يعيش على أرض الآباء والأجداد، ضمن الوطن السوري، وليس لاجئاً أو متسللاً. ولم تشأ الخلط بين الحق القومي وحق المواطنة، حيث يدأب بعضهم على التهرّب من استحقاقات الكرد القومية، باللجوء إلى مقولة الحل (المواطني) المثير للريبة والجدل.
ثانياً، المسألة المهمة الثانية التي أثارتها الكاتبة سميرة المسالمة، والتي ذكرت السطور السابقة،
هاتان المسألتان المفصليتان في فهم القضية الكردية السورية، واللتان تصدّت لهما المسالمة، بموضوعيةٍ ومبدئيةٍ، كانتا من ضمن قضايا الخلاف بين الجناحين، القومي الديمقراطي اليساري واليميني القومي، منذ نشوء الحركة الكردية، وتحديداً منذ حوالي نصف قرن، فالجناح اليساري كان يطرح مسلّمة وجود شعبٍ يتمتع بعلائمه القومية، في إطار مبدأ حق تقرير المصير وحل قضيته سلمياً في إطار سورية الديمقراطية الواحدة، حسب صيغةٍ متوافق عليها، وعبر التعاون والتفاهم مع القوى الوطنية السورية، وليس عبر الأنظمة المستبدة (كنت كأحد قياديي اليسار قد نشرت حينها بحثاً بعنوان "أقلية أم شعب؟")، وكان طرحه هذا يحظى برضا قلةٍ من شركائنا. أما الجناح اليميني فكان ينطلق من وجود أقليةٍ كرديةٍ مهاجرةٍ، ليس لها أي حق قومي، ويدعو إلى التعاون مع السلطات الحاكمة، وكان يحظى بدعم الأنظمة وتيارات قومية شوفينية، ما زال بعض بقاياها معششاً في المعارضة.
أما الثانية، أو مسألة القومي والوطني، فقد وقف عليها الجناح اليساري، بكل مسؤوليةٍ، ووضع لها الأسس النظرية، على قاعدة ازدواجية الانتماء، فمن جهةٍ، كرد سورية جزء من أمةٍ كرديةٍ، تمتد إلى العراق وتركيا وإيران. ومن جهة أخرى، يشكلون واقعياً مكوناً وطنياً سورياً، وتصدّى اليسار القومي لمسألة ضرورة التوازن بين الجانبين، وعدم الإخلال بقواعدهما. وفي العصر الراهن، وكما أرى، فإن السمة العامة لحل القضية الكردية تميل إلى الحل الوطني الديمقراطي في كل جزء، وليس الحل القومي الكردستاني دفعةً واحدةً. وكنموذج أقرب، فإن فيدرالية كردستان العراق جاءت حلاً وطنياً عراقياً، بتوافق كردي عربي. ويشعر الكردي السوري، في الوقت الراهن، بأن مصيره مرتبط أكثر بشركائه العرب في الوطن وبالثورة وبالتغيير الديمقراطي، أكثر من ارتباطه بحزب قومي مغامر خارجي، مثل حزب العمال الكردستاني.
وأختم تعقيبي هذا بالتأكيد على ما ذهبت اليه الكاتبة سميرة المسالمة: "الأجدى أن نبحث عن تعميق المشترك، فهذا هو الأفضل والأصوب".