شركات النفط تخوض "معركة بقاء" بخفض الإنفاق

11 يوليو 2015
عمال نفط في حقول بحر الشمال البريطانية (Getty)
+ الخط -
منذ تدهور أسعار النفط من مستوياته المرتفعة فوق 100 دولار للبرميل، في يونيو/حزيران من العام الماضي، إلى تأرجحه حول 65 دولاراً للبرميل، أجرت شركات الطاقة عمليات خفض كبرى لعمليات التشغيل وخفض النفقات، عبر خفض العمالة وتعليق مشاريع النفط "عالي الكلفة" في المياه العميقة وبعض آبار النفط الصخري، حتى تتمكن من البقاء والتأقلم مع البيئة السعرية الجديدة للطاقة.
وفي تقريرها الأخير الصادر الشهر الماضي، حذرت شركة جيفريز للأبحاث الأميركية، الشركات النفطية من أن دخلها ربما ينخفض بنسبة 30%، خلال العام الجاري، عن التوقعات السابقة. وهذا يعني أن على الشركات النفطية أن تجري المزيد من الخفض على الكلف التشغيلية في معركة "كسر العظم" التي تفرضها تخمة المعروض على الصناعة النفطية.
ورغم التحسن الطفيف الذي شهدته أسعار النفط في الشهرين الأخيرين، فإن هنالك مخاوف من تراجع الأسعار خلال الشهور المقبلة، بسبب انهيار أسعار الأسهم الصينية، وتداعيات أزمة اليونان على النمو الاقتصادي في منطقة اليورو.
وربما يقود انهيار أسعار الأسهم الصينية الجاري إلى خفض معدل النمو الاقتصادي الصيني، ويؤدي تلقائياً إلى تصحيح في توقعات الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري. وفي حال فشل سيطرة الحكومة الصينية على انهيار أسواقها المالية التي خسرت حتى الآن قرابة 2.5 تريليون دولار، فإن ذلك سيسبب كارثة في أسعار النفط، حيث يعتمد الطلب العالمي على النفط بدرجة كبيرة على الاقتصادات الصينية والأميركية والأوروبية.
وحسب تقارير نفطية متخصصة، نفذت شركات النفط الكبرى عمليات خفض إنفاقي وتعليق مشروعات تفوق قيمتها 114 مليار دولار منذ تراجع أسعار النفط وحتى الآن. وربما تتمكن هذه الشركات، عبر خفض الإنفاق وتعليق بعض المشروعات النفطية، الإفلات من شرَك الإفلاس. ولكن خبراء في الصناعة النفطية يحذرون من تداعيات هذا الخفض وتعليق الكشوفات والتطوير على المعروض النفطي العالمي مستقبلاً، حينما تعود إلى الاقتصاد العالمي صحته.
ووفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز"، فإن شركات النفط العالمية مثل "رويال دويتش شل" و"بريتش بتروليوم - بي بي" و"كونوكو فيليبس" و"شتات أويل"، نفذت إجراءات خفض من أجل الحد من الإنفاق الرأسمالي على 26 مشروعاً رئيسياً حول العالم.

وفيما طالبت شركات النفط العاملة في حقول بحر الشمال في اسكتلندا، الحكومة البريطانية بخفض الضرائب، خفضت شركة "بريتش بتروليوم" حوالى 300 موظف من عمالها في بحر الشمال. وهنالك توقعات في "حي المال" بأن شركة النفط البريطانية الكبرى ربما تتعرض لصفقة شراء خلال العام الجاري، وسط الضائقة المالية التي تعانيها منذ أزمة التلوث البيئي. ولم تتحقق حتى الآن عمليات الاستحواذ والدمج الكبرى التي كانت متوقعة في أعقاب شراء شركة شل مجموعة "بريتش غاز". وهي عمليات تعول عليها الصناعة النفطية في خفض النفقات التشغيلية.
وتركزت عمليات الخفض في مناطق استخراج النفط ذات الكلفة العالية، حيث تم تأجيل 9 مشروعات رمال نفطية كندية تتراوح النفقات المقدرة لكل منها بين مليار وعشرة مليارات دولار.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي قد توقع تعليق المصارف لتمويل مشروعات طاقة تقدر قيمتها بحوالى 970 مليار دولار خلال السنوات حتى عام 2020، بسبب فقدان هذه المشروعات دراسة الجدوى. وقد تمت دراسة الجدوى لمعظم هذه المشاريع على أساس أسعار للنفط تتراوح بين 70 و90 دولاراً للبرميل، ومع انخفاض أسعار النفط تحت 60دولاراً لخام غرب تكساس، و65 دولاراً لخام برنت، فقد فقدت هذه المشاريع جدوى الإنتاج.
ويقول محللون في مؤسسة جيفريز للأبحاث، إن شركات النفط الكبرى تحتاج إلى سعر نفط يبلغ في المتوسط 78 دولارًا للبرميل، لتغطية تكاليف الاستثمارات وتوزيعات أرباح الأسهم من التدفقات النقدية. ومن الواضح أن الظروف الاقتصادية الحالية لا تساعد أسعار النفط حتى على التماسك فوق 63 دولاراً للبرميل.
ولم يقتصر خفض النفقات على شركات الطاقة العالمية فحسب، ولكنه يمتد كذلك إلى الدول النفطية التي تجد نفسها في ضائقة مالية، وعدم قدرة على تنفيذ مشاريع خططت لها، مع إحجام المصارف العالمية عن تمويل مشاريع الطاقة المكلفة في الوقت الراهن.
وحسب الخبير النفطي، ميشيل ديلا فيجنا، من مصرف غولدمان ساكس، فإن 17 دولة، من بينها أنجولا ونيجيريا وأستراليا والجزائر، ربما تشهد تراجعاً في الاستثمار في مشروعات بأكثر من 50% بين العام الجاري 2015 وحتى عام 2020، مع افتراض بقاء الأسعار منخفضة.

ووفقاً للبيانات التي أعلنت عنها شركات الطاقة الكبرى، فإن شركات "إكسون موبيل كورب" الأميركية و"رويال داتش شل" البريطانية و"توتال" الفرنسية، خفضت إنفاقها الرأسمالي لعام 2015 بنسب تتراوح بين 10 و15%، ولكن خبراء في مجموعة جيفريز الاستثمارية يتوقعون أن تجري هذه الشركات المزيد من الخفض إذا تراجعت أسعار النفط عن مستوياتها الحالية.
وخفضت شركة إكسون، أكبر شركة نفط مدرجة في العالم، إنفاقها الرأسمالي إلى 34 مليار دولار. وقال الرئيس التنفيذي، ركس تيلرسون، في مؤتمر سيراويك في هيوسيتون في يناير/كانون الثاني الماضي: "سنرى خلال العام هل سيبقى الإنفاق الرأسمالي كما هو أم لا.. ونحن نشهد الكثير من التدابير الرامية إلى تحقيق كفاءة التكاليف".
وقالت شركة "إتش.إس.بي.سي" في مذكرة بحثية: "نعتقد أن تخفيضات الإنفاق الرأسمالي التي نشهدها هذا العام ليست على الأرجح سوى البداية". وعبر هذه التخفيضات تمكنت هذه الشركات من تحسين ميزانياتها، ولكن لا يزال أمامها مشوار طويل إذا انخفضت الأسعار عن مستوياتها الحالية. ويلاحظ أن شركات النفط العالمية أصبحت لاعباً كبيراً في سوق الأسهم، وبالتالي فإنها تحرص على مكاسبها في سوق الأسهم أكثر من عمليات الكشوفات والتنقيب.
وكانت "شتات أويل" التي تعود 67% من ملكيتها إلى الدولة، قد خفضت 8% من موظفيها في العام الماضي، ليصل إجمالي القوى العاملة لديها إلى 22.5 ألف شخص.
ويأتي قرار الشركة النرويجية بخفض عدد العاملين لديها في إطار برنامج يقضي بتقليص النفقات السنوية بنحو 1.7 مليار دولار في عام 2016. كما كانت "شتات أويل" قد أعلنت، في شهر فبراير/شباط الماضي، نيتها خفض الإنفاق الاستثماري بنسبة 10% في العام الجاري.

أزمة الأخوات السبع

وحسب الخبير النفطي البروفسور ليونارد موغيري من جامعة هارفارد، فإن شركات النفط الكبرى في العالم، والتي تعرف اصطلاحاً بـ"الأخوات السبع"، والتي بعد اندماجها صارت إكسون موبيل، شل، شيفرون، بريتش بتروليوم، والتي حكمت العالم نفطياً لفترات طويلة، أصبحت تعاني منذ مدة أربع مشاكل رئيسية.

ولاحظ البروفسور موغيري، خبير الطاقة بمعهد "بلفور إنستيتيوت" التابع لجامعة هارفارد الأميركية، في بحث بهذا الصدد، أن هذه المشاكل تتمثل في ركود الأرباح، وقلة كشوفاتها النفطية، وفقدان مهاراتها، كما أنها أصبحت تعمل في مجال الغاز الطبيعي أكثر من عملها في مجال النفط. ومعروف أن مجال الغاز أقل ربحية، مقارنة بمجالات النفط. وذلك لأن الغاز الطبيعي يحتاج إلى تسييل ومنشآت تصدير ونقل.
وعلى صعيد الإيرادات الصافية أو الأرباح، يقول البروفسور موغيري، في تحليله لأرباح هذه الشركات في العقد الأخير، إن الأرباح الصافية لهذه الشركات، ظلت راكدة منذ نحو عشر سنوات تقريباً. وأشار إلى أن الأرباح الصافية لكل من إكسون موبيل وبريتش بتروليوم وشل لم تحقق ارتفاعاً يذكر. ويقول في هذا الصدد إن الأرباح الصافية لشركة إكسون موبيل مثلاً بلغت 44.9 مليار دولار في عام 2012.
وهذه الأرباح الصافية حدثت في ظروف كانت فيها أسعار النفط تبلغ مائة دولار للبرميل. وبمقارنة هذه الأرباح بالأرباح المتحققة في عام 2005 والبالغة 36.13 مليار دولار، أو ما يعادل نحو 42 مليار دولار بحساب "القيمة الشرائية للدولار في عام 2013"، تكاد تكون قد ارتفعت بأقل من ملياري دولار خلال ثماني سنوات.
ويذكر أن سعر النفط في عام 2005 كان يبلغ نحو 55 دولاراً في المتوسط، مقارنة بسعر مائة دولار في عام 2012.
وفي المقابل، فإن أرباح شركة شل بلغت في عام 2012 نحو 27 مليار دولار، مقارنة بأرباح قدرها 26.3 مليار دولار في عام 2005. وهذا يعني أن أزمة هذه الشركات بدأت تستفحل مع التدهور الأخير في أسعار النفط، مما اضطرها إلى مزيد من الخفض في كلف التشغيل.
وخفضت هذه الشركات المهارات عالية الخبرة في مجالات هندسة النفط، خلال السنوات الأخيرة، كما فقدت هذه الشركات العقود الفنية التي كانت تقوم بها في مجال الكشوفات والحفريات والإنتاج لمصلحة شركات النفط الوطنية التي تملكها الدول النفطية، مثل شركات أرامكو وأدنوك وشركة النفط الكويتية.
المساهمون