أحجمت العديد من شركات الأدوية فى السودان، عن إبرام صفقات جديدة للاستيراد، انتظارا لتحديد الحكومة مصير أسعار المنتجات، بعد أن قفز سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الجنيه السوداني بنحو 60% فور تطبيق آلية جديدة لتحديد سعر الصرف في الدولة، يوم الأحد الماضي، فيما تراكمت طلبيات الصيدليات لدى شركات الأدوية، وفق مصادر عاملة في القطاع.
وصعد سعر الدولار إلى 47.5 جنيها، فور عمل لجنة مستقلة يوم الأحد الماضي، لتحديد سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، بمقتضى سياسات اقتصادية جديدة أقرتها الحكومة يوم الخميس الماضي، بهدف القضاء تدريجيا على السوق السوداء للدولار.
لكن الزيادة الحادة في سعر العملة الأميركية وتهاوي الجنيه السوداني، أربك العديد من القطاعات الإنتاجية والتجارية، وهو ما ظهر جليا في قطاع الأدوية، الذي يتخوف من حدوث نقص في العديد من الأصناف في البلد الذي يشهد بالأساس صعوبات في تلبية متطلبات المرضى والمعيشة.
وناقش المجلس القومي للأدوية والسموم، فى اجتماع عاجل قبل يومين، كيفية تعامل شركات الأدوية مع سعر الصرف الجديد، دون اتخاذ قرار وفق مصادر مطلعة.
وقال رئيس اتحاد الصيادلة صلاح الدين إبراهيم في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه لن يكون بمقدور شركات الأدوية إبرام صفقات جديدة للاستيراد إذا لم يحدد بنك السودان سعراً تأشيريا للدولار بشأن استيراد الأدوية.
وأضاف إبراهيم أن المجلس القومى للأدوية والسموم كان قد حدد في السابق 30 جنيهاً للدولار، لكن لم تصدر حتى الآن أي قرارت جديدة بشأن سعر الصرف المحدد لاستيراد الأدوية.
وفي ظل هذا الارتباك، أحجمت الشركات عن تلبية الطلبيات الجديدة للصيدليات، وفق صيادلة في العاصمة الخرطوم، ما يؤدي إلى ندرة في العديد من الأصناف وارتفاع الأسعار.
وقال محمد الحسن، الذي يعمل مندوبا في إحدى شركات الأدوية في حديث لـ"العربي الجديد" إن معظم الشركات توقفت عن العمل لغياب تسعيرة الدواء إلى حين صدور قرار من المجلس القومي للأدوية والسموم، موضحا أن أسعار الدواء غير ثابتة وغير معروفة، مضيفا: "الشركات أمامها عدد من الطلبيات من الصيدليات بينما لا تتمكن من الوفاء بها في ظل هذه الضبابية".
وقال الصيدلي عز الدين السيد من الخرطوم: "هناك زيادات في الأسعار بالفعل، لكنها متباينة من صيدلية إلى أخرى وتتفاوت بين 30% و50%"، مشيرا إلى أن الوضع أضحى سيئا في ظل ارتباك سعر الصرف.
وأضاف: "لماذا لا تكون هناك سياسات واضحة من البنك المركزي، بشأن تحديد سعر تأشيري للدولار اللازم لاستيراد الأدوية، فالدواء ليس مثل بقية السلع ومن مغبة ترك سعر الدواء تحت رحمة السوق أن يفاقم المشكلة".
لكن مصدرا مسؤولا في البنك المركزي، قال لـ"العربي الجديد" إنه " في ظل سياسة السوق الحرة لا يمكن للدولة دعم سلعة دون أخرى رغم أهمية الدواء"، مضيفا: "إذا بدأنا فى الاستثناءات فإن ذلك يجب أيضا أن ينسحب على السلع الأخرى مثل الوقود والقمح، لكن وفقا للفوائض التى يمكن تحقيقها من النقد الأجنبي في السياسة النقدية الجديدة، يمكننا إعطاء سعر تشجيعي لدعم الأدوية المنقذة للحياة، أما الأدوية المنتجة محلياً فتنسحب عليها أسعار آلية السوق".
لكن رئيس الوزراء معتز موسى قال في زيارة لهيئة الإمدادات الطبية قبل أيام، إن الحكومة لديها منهجية ثابته وقاطعة في وفرة الدواء، مضيفا أن "الحصول على الأدوية حق أساس من حقوق الإنسان، ومن غير الممكن وضع احتمال في أن يذهب الإنسان لدواء ولم يجده، لذلك لابد أن يكون الدواء متوفراً وبسعر مناسب".
وكانت زيادة السعر التأشيري للدولار إلى 30 جنيها والمعمول منذ العام الماضي، قبل الآلية الجديدة، قد رفعت أسعار الأدوية المستوردة بنسبة فاقت 105% وارتفعت أيضا الأصناف المنتجة محليا بنسبة 40% عما كانت عليه في آخر زيادة شهدتها الأسعار العام 2016.
ويستورد السودان سنوياً أدوية تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار، وفق احصائيات صادرة من المجلس القومي للأدوية والسموم، بينما تغطي الصناعة المحلية 40% فقط من حاجة السوق المحلية.
ويبلغ عدد المصانع العاملة في صناعة الأدوية حوالي 27 مصنعا تنتج 232 صنفاً، من بينها أدوية الضغط والسكري والأزمات القلبية، المضادات الحيوية بأنواعها والالتهابات والملاريا ومخفضات الحرارة.
وفي مقابل ما قاله صيادلة إن الشركات توقفت عن تلبية الطلبيات منذ الصعود الأخير للدولار، قال مأمون الطاهر مدير مصانع أميفارما للأدوية لـ"العربي الجديد" إن "المصانع المحلية لم تتوقف عن الإنتاج وظلت تتعامل مع السعر الذى تمت إجازته من المجلس القومي للأدوية والسموم، ونحن كصناعة وطنية ليس لدينا تعديل في الأسعار إلى أن يبت المجلس في الأسعار".
لكن حمزة أبو الياس صاحب إحدى شركات الأدوية قال: "من الطبيعي أن ترتفع أسعار الأدوية في ظل الوضع الحالي"، غير أنه أشار إلى أن الشركات لم تمتنع عن إمداد الصيدليات بالدواء.