منذ ثلاثة أشهر، أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية في تقرير رسمي نشرته وسائل الإعلام، في مارس/آذار الماضي، أن الصادرات الأمنية من إسرائيل ارتفعت عام 2016، بنحو 800 مليون دولار، لتصل إلى رقم قياسي هو 6.5 مليارات دولار. لكن هذه الصادرات ومعها صفقات أمنية أخرى للتزود بأسلحة متطورة، وبيع أسلحة أخرى لدول مختلفة تعتبر الهند من أهمها، إلى جانب سوق الحرب في أفريقيا وآسيا، باتت اليوم مهددة، وذلك بفعل الشبهات التي تثار في إسرائيل بشأن صفقة الغواصات والقطع البحرية من ألمانيا، والتي وقعتها حكومة الاحتلال مبدئياً مع شركة أحواض السفن الألمانية "تيسن-كروب".
وتعتبر صفقة الغواصات الألمانية المعروفة إسرائيلياً باسم "القضية 3000"، والتي كشف عنها لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، من أخطر الملفات التي تُثار فيها شبهات تلقي رشى من جهات أجنبية (ألمانية) لضمان تفضيل صناعتها على حساب منافسين آخرين، أي شركات هولندية وفرنسية. واتضح أن الشرطة الإسرائيلية تمكنت من تتبع مسار تحويل أموال للضالعين في القضية، وبضمن ذلك تجميد أرصدة الجنرال مروم في أحد المصارف القبرصية.
ويلفت هرئيل في تقريره إلى أن تجميد أرصدة مروم يشكل في حد ذاته سابقة خطيرة في دولة الاحتلال، إذ لم يتم في الماضي التحقيق مع مسؤول عسكري من مستواه في جيش الاحتلال، بتهم خطيرة كهذه والمتعلقة بتزود إسرائيل بأسلحة استراتيجية، مما قد يثير شكوكاً أن مروم ليس وحيداً في هذه القضية. ومن شأن التحقيقات أن تطاول مجموعة من كبار الجنرالات من الأوساط المحيطة بمروم والمقربة منه، خاصةً أن مروم حاول الضغط على جمعية طالبت، منذ مدة، بالتحقيق في شبهات تتعلق بمدى شفافية القائم بالأعمال السابق لمجلس الأمن القومي، بار يوسف. وقال مروم إن يوسف رجل جيد ومخلص، وفق تعبيره.
ويرى هرئيل أنه في ظل هذه الشبهات والتوقيف والاعتقال المنزلي لجملة من كبار المسؤولين المتورطين في هذه القضية، فإن من شأن الحكومة الألمانية التي كانت تعهدت بتمويل ثمن قسم من الغواصات والسفن الحربية التي تم التعاقد مع شركة "تيسن-كروب" لشرائها، أن تلغي الصفقة وتلغي التمويل الذي كانت تعهدت به. وخطوة كهذه متوقعة لأن مذكرة المبادئ التي وقعتها الحكومة الألمانية مع حكومة الاحتلال، تضمنت بنداً يحرر حكومة ألمانيا من تعهداتها في حال ثبت وجود فساد ما في الصفقة.
لكن التداعيات لن تتوقف عند الصفقة مع ألمانيا، بل قد تطاول الصفقات المستقبلية بين إسرائيل ووزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون. وفي هذا السياق، يتساءل الكاتب الإسرائيلي: "كيف سترد الولايات المتحدة وكيف ستنظر للصفقات المستقبلية مع إسرائيل، لا سيما أن الطرف الأميركي ينظر بخطورة بالغة لكل ما يتعلق بالفساد المرافق لصفقات السلاح، وقد تكون لهذه القضية تداعيات سلبية أخطر بكثير مما قد يبدو حالياً؟". ومع أن هرئيل يشير إلى أن نتنياهو غير مشتبه به رسمياً في هذه القضية، على الرغم من كون المتهم الرئيسي هو على ما يبدو، قريبه ومحاميه الشخصي، إلا أن الفضيحة بدأت تقترب من البيئة المحيطة به. ويشكك هرئيل كآخرين غيره في إسرائيل، في صدقية ادعاء نتنياهو بأنه لم يكن يعلم أن محاميه الشخصي وقريبه، شومرون، يمثل في الوقت ذاته رجل الأعمال، ميكي غنور، أي ممثل شركة "تيسن-كروب" في إسرائيل. ويشار إلى أن شومرون كان من بين من أوصوا بإقالة وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، الذي كان معارضاً للصفقة برمتها.
في المقابل، تتجاهل الصحف الإسرائيلية حقيقة أخرى مهمة تتعلق بنشاط تصدير السلاح من إسرائيل للدول الأجنبية، خاصةً أن رخص التصدير تمنح عادة لجنرالات متقاعدين، برز بينهم عدد من أقطاب اليسار في إسرائيل، بمن فيهم رئيس الحكومة الأسبق الجنرال إيهود باراك، والجنرال دورون ألموغ، وقائد لواء المظليين في الحرب الثانية على لبنان غال هيرش، ومئات من الجنرالات السابقين وأصحاب رتب عسكرية عالية سابقين ممن يعتمدون في نشاطهم على رصيدهم العسكري في جيش الاحتلال. وهم يعملون من خلال شركات تدعي التخصص بحماية الأمن الداخلي، أو شركات لتدريب قوات "كوماندوس" وقوات خاصة في مكافحة الإرهاب. وكان باراك تعرض قبل أكثر من عام إلى اتهامات وجهها له رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، قال فيها إنه سمع من أكثر من جهة، أن باراك اعتاد أن "يأخذ حصة جانبية" له من صفقات السلاح.
وكانت صحيفة "هآرتس" نشرت في السنوات الماضية أكثر من تحقيق عن نشاط تجار السلاح الإسرائيليين، لا سيما في القارة الأفريقية، وفي دول النزاع الدامي، بينها ناميبيا ورواندا، أشارت فيها إلى تورط في صفقات مشبوهة تم إبرامها من خلال دفع رشى لكبار المسؤولين في تلك الدول.