يسود في تونس غموض أمني وسياسي، أخيراً، نتيجة عودة الحديث عن سلسلة الاغتيالات السابقة التي عانت منها البلاد وأخرى محتملة قد تحصل قريباً. وجاءت حادثة محاولة اغتيال النائب عن حزب "نداء تونس"، رئيس نادي النجم الساحلي، رضا شرف الدين، يوم الخميس، على الرغم من رفع حالة الطوارئ، لتغذي حالة القلق العام، وتطرح مزيداً من التساؤلات حول هوية الأطراف الهادفة إلى زعزعة استقرار البلاد وإغراقها في برك الدم من جديد.
وكان الإعلامي معز بن غربية، قد فاجأ الجميع، عندما أعلن من سويسرا أنّه يملك معلومات عن أهم الجرائم المدفونة في الصندوق الأسود، ومن بينها تصفية كل من زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين، شكري بلعيد والنائب عن حزب "التيار الشعبي"، محمد البراهمي، مؤكداً، في الوقت نفسه أنه كان مستهدفاً خلال الأيام الأخيرة.
وانتقد بن غربية الحكومة ووزارة الداخلية اللتين لم تأخذا كلامه على محمل الجدّ، إذ تمّ إطلاق سراح الأشخاص الليبيين الثلاثة الذين توجّهت إليهم شكوك بن غربية.
لكن بعد وابل الرصاص الذي استهدف سيارة شرف الدين، والذي يعتبر أحد أهم الشركاء في قناة "التاسعة" التلفزيونية، بالإضافة إلى مسؤولياته الرياضية والسياسية، أصبح من الضروري مراجعة الحسابات والفرضيات، والتعامل مع هذا الملف بطريقة مختلفة. وأُصيب العاملون في قناة "التاسعة" بالذعر، بعد هذه الحادثة، وخصوصاً أنّ شرف الدين لا خصوم في السياسة له، ويتمتع باحترام جميع الأطراف.
أمام هذه التطورات، لم يستبعد موقع "مارد" الإلكتروني، احتمال اغتيال الإعلامي سمير الوافي، والذي تم اعتقاله قبل أشهر قليلة، وحكم عليه بالسجن بتهمة الابتزاز، ثم أُطلق سراحه في ما بعد. وعلى الرغم من الشبهات التي تحوم حول هذا الموقع، إلّا أنّه سبق أن وفّر معطيات عن عمليات اغتيال محتملة حدثت بالفعل، وهو ما زاد من حدة المخاوف.
اقرأ أيضاً تونس: إدانة واسعة لمحاولة اغتيال النائب رضا شرف الدين
وما زاد من حدّة الصراع بين الوافي وبن غريبة، عندما اعتبر الأخير، عبر شريط مصوّر نشره على الإنترنت، أنّ الوافي يشكّل "الحلقة الأضعف من عصابة أكبر"، كذلك أثارت تصريحات بن غربية تداعيات سياسية واسعة، إذ عادت "الجبهة الشعبية" إلى اتهام "حركة النهضة" بالضلوع في اغتيال زعيمها بلعيد. وقد اتهمت زوجة البراهمي الأجهزة الأمنية بعدم الجدية في الكشف عن الحقيقة الكاملة وراء تصفية زوجها. وأعلن والد الضابط في الحرس الوطني، سقراط الشارني، أنّه يملك معلومات خطيرة وجديدة حول الدوافع "الحقيقية" لمقتل ابنه، وعادت بعض الوجوه البارزة في أوساط النقابات الأمنية، لتؤكد من جهتها، أن الأجواء السائدة تدعم توقعاتها، باحتمال عودة سلسلة الاغتيالات إلى تونس.
ويأتي كل ذلك، وسط تصاعد حدة الصراعات داخل حزب "نداء تونس" وتبادل الاتهامات بين جناحيه الرئيسيين. كما جاءت استقالة الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب، لزهر العكرمي، لتزيد من حدّة الأجواء السائدة. ولا يعود ذلك فقط إلى الحديث عن انتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة، وإنما الكشف أيضاً عن عدم رضا جزء من قيادات الحزب الحاكم، عن أداء حكومة الحبيب الصيد وتحركها الآن من أجل إسقاطها واستبدالها بحكومة أخرى تكون سياسية وبقيادة شخصية حزبية تنتمي إلى "نداء تونس".
لكن هذا الأمر لقي اعتراضاً من رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، والذي عبّر أكثر من مرّة عن ضرورة الاكتفاء بتعديل وزاري محدود. أما رئيس الوزراء، فلا يزال متمسكاً بحكومته كاملة، على الرغم من إقراره بوجود بعض "التعثرات" في بعض الوزارات.
وينعكس الاضطراب الشديد داخل السلطة التنفيذية سلباً على المناخ العام، ويخشى أن تكون له تداعيات خطيرة على الصعيد الأمني، على الرغم من الجهود المكثّفة لتطويق ما خلّفته حادثتا متحف باردو وسوسة. وتأتي محاولة اغتيال شرف الدين، والتي حصلت في مدينة سوسة، أيضاً، لتؤكّد أن تونس لا تزال عرضة للهزّات الأمنية، في ظلّ وجود أطراف، تكمن مصلحتها في أن يبقى البلد يعيش حالة من عدم الاستقرار إلى أن تتحقق أهداف مجهولة، لا علاقة لها بأولويات مرحلة الانتقال السياسي ولا بالمصالح الوطنية.
اقرأ أيضاً: إعلامي تونسي يُهدد بالكشف عن حقائق في اغتيال بلعيد