في غرفة الشاب، ناهض مسعود، الصغيرة في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، قطعة قماش سوداء، مطرز عليها بخيوط ذهبية كلمات "دير سنيد في قلبي"، في إشارة إلى بلدته الأصلية التي هُجّر منها أجداده قبل أن يحتلها الصهاينة.
اللوحة الفنية نقشتها جدة ناهض، التي عايشت النكبة الفلسطينية وفصولها كاملة من اعتداءات عصابات "الهاجاناة" الصهيونية عليهم في بلدتهم الأصلية، إلى التهجير والمشي على الأقدام يومين كاملين وصولاً إلى غزة، ومن ثم الاستقرار في أكبر مخيم لاجئين في القطاع.
لا يزال ناهض وأسرته، وكل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من ديارهم، يحتفظون بشهادات ميلادهم وشهادات الأراضي التي كانوا يمتلكونها، ويورث الكبار هذه الأوراق أبنائهم وأحفادهم، ويحفظها غالبية اللاجئين في صناديق خشبية مزينة.
يقول ناهض: إنه أقنع جدته بعد طول رجاء أن يأخذ اللوحة ويضعها في صدر غرفته، ليبقى دوماً متعلقاً بقريته، وليستحضر التفاصيل الأليمة التي عصفت بعائلته والفلسطينيين خلال النكبة والتهجير في عام 1948.
وتحفظ ذاكرة الشاب العشريني، قصصاً عن بلدته وعن النكبة والتهجير روتها له جدته، ويتحدث عن أمله في أن ينقلها الى أطفاله والى الأجيال القادمة، لكسر المقولة الإسرائيلية، "الكبار يموتون والصغار ينسون".
ويقول ناهض، لـ"العربي الجديد": كل قصة حكتها لي جدتي أو سمعتها من الجيران في المخيم، تزيدني شوقاً وحرقة الى بلادنا التي ضاعت بتقاعس العرب والتآمر الغربي البريطاني عليها".
لم يزر ناهض، بلدته "دير سنيد" قبل ذلك، حيث لا يسمح الإسرائيليون للفلسطينيين بزيارة قراهم التي هجروا منها في النكبة الفلسطينية، غير أن أمله في العودة إلى الديار "راسخ رسوخ الجبال، فهذا وعد من الله وسنعود يوماً".
أما الشاب الجريح محمد لبد، اللاجئ من مدينة المجدل المحتلة، والذي بترت قدمه وفقد عينه اليسرى في قصف إسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على القطاع، فقد تمكن خلال تنقله للعلاج في الداخل المحتل، من تنسم هواء بلدته العليل.
يتذكر محمد، في حديثه لـ"العربي الجديد" الدقائق التي مرت سريعاً، عندما شاهد مدينته المجدل، وقد تحولت إلى مناطق يسكنها مستوطنون من كل أنحاء العالم، وصلوا إلى الأراضي المحتلة تحت الإغراء المادي.
بكى محمد، بحرقة عندما رأى أشخاصاً غير أصحاب الأرض يسكنونها، وطلب من السائق أن يتوقف قبالة المجدل، وقد حمل معه منها "كومة رمل" يحتفظ بها في زجاجة في منزله في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة.
ويرفض محمد، فكرة التفاوض مع إسرائيل، لأنها وفق رأيه "لن تعيد الحق لأصحابه، بل ستمكن الإسرائيليين من شرعنة احتلالهم للأرض الفلسطينية"، مؤكداً، أن الأجيال الشابة على الرغم من كل ظروفها القاسية، لا تزال متمسكة بالعودة وبحلم الرجوع إلى أرض الآباء والأجداد.
وتمثل حالتا الشابين اللاجئين قصة تمسك الفلسطينيين والأجيال التي لم تر لمرة واحدة أرضها المحتلة، بحقهم في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها ولا يزال الصهاينة يقيمون فيها ويمنعون الفلسطينيين حتى من الوصول إليها بفعل التقسيمات الجغرافية.