شباب تونس أمام تحدي الأميّة والفراغ

07 مايو 2015
+ الخط -

كشف معهد الإحصاء في تونس، في تقاريره الأخيرة، عن نسب الأمية في بلد مهد الثورات العربية، أنها 18.8 بالمائة، مقارنة بـ23.3 بالمائة لسنة 2003، حيث حصدت الإناث في تونس 25 بالمائة مقابل 12.4 بالمائة للذكور، وترتفع هذه النسب في الأرياف بنسبة 32.2 بالمائة مقابل 12.5 في الأوساط البلدية التونسية.

وتعتبر هذه الأرقام بمثابة جرس إنذار علينا إطلاقه عن واقع التعليم التونسي بجميع قطاعاته. فقد احتلت تونس سنة 2003 المراتب الأخيرة من بين 65 دولة مشاركة في تقييم دولي يتعلق بقياس كفاءة النظم التعليمية للبلدان. عاش الشباب التونسي ما قبل الثورة تصحّراً فكرياً، وقمعاً وإقصاءاً عن مختلف مناهل المعرفة وكل ما يسمح له بتطوير منظومته الفكرية والمعرفية، وكان الهدف بالأساس يرمي إلى تغييب وعي الشباب سياسياً وثقافياً، لما لهذا الجانب من تبعات خطرة على نظام الدكتاتورية والفساد.

ولا يجب أن نغتر، أو أن نقع ضحية الأرقام، عندما يأتي الحديث عن نسب الشباب الحاصل على شهادات عليا في تونس، فهي لا تنمّ عن ثقافة أو تكوين محكم، بل تنذر بأبشع واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي وديني، دون أن ننسى العلمي. فقد بدأ تراجع الاهتمام بالعلم منذ عقود، وكذلك تراجع الاهتمام بالتكوين الثقافي للشباب، دون تبرئة الصراعات الإيديولوجية بين الأطراف التونسية خارج منظومة الحكم ما قبل الثورة، والصراعات الوهمية التي أشعلها النظام السابق بين العديد من المكونات السياسية والاجتماعية، والتي انتهت بخسران الكفاءات التونسية واندثار الطبقة المثقفة، حتى كاد المشهد ينبئ بعدم وجودها.

وتلعب الأوساط الاجتماعية دوراً كبيراً في تردي مستوى المعرفة والثقافة العامة والتعليم في تونس، ولا يجب إغفال ارتفاع نسب الفقر وكذلك سياسات الخصخصة في رفع منسوب الرداءة، وخفض منسوب الثقافة، وهو ما أثر بشكل مباشر على تدني المستوى الثقافي العام، هذا إلى جانب تفشي العديد من الظواهر التي يمكن تصنيفها بالآفات. فقد أظهرت دراسة ميدانية حديثة أصدرتها خلية علوم الإجرام في مركز الدراسات القضائية الحكومي، أن نسبة المتعاطين للمخدرات بمختلف أنواعها بين المراهقين والشباب تبلغ 60% بين الفئة العمرية 13 و18 سنة، بينما تقل هذه النسبة تدريجياً بين الفئات الأكبر سنّاً، حيث تعد 36.2% بين 18 و25 سنة.

وترتفع هذه النسبة، وفقاً للدراسة ذاتها، في صفوف الطالبات لتبلغ 40% حالياً، مقابل 10% فقط قبل الثورة. كما لاحظت الدراسة أن مادة القنب الهندي، ("الزطلة")، هي أكثر المواد المخدرة استهلاكاً، بنسبة 92%. وبيّنت إحصائيات حديثة أجرتها وزارة الصحة في المعاهد التونسية أن 12 تلميذاً من بين 30 تلميذاً يتعاطون المخدرات. فغياب الرقابة على الحدود التونسية والمؤسساتية في تونس الثورة ساهمت في انتشار هذه الظواهر، والتي تمكنت من تحويل وجهة الشباب من طالبي معرفة وثقافة وحرية، إلى طالبي مواد مخدرة، نتيجة الإحباط الذي يعتريهم من فكرة انسداد الأفق وعدم وضوح في المستقبل وتقلّص فرص العمل ومشقة العيش بكرامة.

وقد عاشت الساحة الإعلامية في تونس تحت وطأة القيود والدكتاتورية طويلاً، ما جعلها تنفجر بعد الثورة ثأراً لصمت عقود، فأصبحت هذه المؤسسات تعمل تحت صخب برامج التوك شو وبرامج البحث عن الإثارة، متناسية أنّ هناك شرائح واسعة تتابع هذه المنتوجات، فترنح الشباب ما بين ضجيج الإعلام وجنون مواقع التواصل الاجتماعي والأغاني والمسلسلات الهابطة التي لم تعد تعالج واقعاً اجتماعياً ولا قضايا المجتمع، بل ترتكز على الانفلات والترفيه الخفيف.

من يشاهد هذه الفضائيات ويرصد تحولاتها، سوف يكتشف أننا أمام جرائم أخلاقية ومهنية، بل ووطنية. فغياب البرامج التثقيفية والتوعوية، وخصوصاً الدينية منها، يسبب خللاً منهجياً أمام سطوة الفساد على القيم والأخلاق واغتصاب الثقافة. فالإعلام الآن هو حلبة صراع بين مصالح لا تضع اعتباراً لوطن يعيش محنة وشعب تمزقه الرداءة و شباب يعاني الفراغ.


(تونس)

المساهمون