استمع إلى الملخص
- مبادرات مؤسسة "مثابرون للخير": بدأت حملة التشجير في الموصل عام 2017، وزرعت أكثر من 50 ألف شجرة في نينوى، مع مبادرات مثل "الموصل الخضراء" و"الطريق الأخضر".
- التحديات البيئية وزيادة الوعي الشعبي: يواجه العراق تحديات بيئية كبيرة، لكن الوعي الشعبي والدعم لمبادرات التشجير زاد، مع دور رئيسي للمشاتل الزراعية في توفير شتول بأسعار مخفضة.
تنتشر ثقافة التشجير بين العراقيين بتأثير الحملات والمبادرات التي يدعمها ناشطون بيئيون وزراعيون ومنظمات المجتمع المدني. وتواكب الحكومة بفعّالية هذه النشاطات من خلال توجيهات وبرامج تهدف إلى تعزيز مواجهة البلاد التحديات البيئية والمناخية الكثيرة.
وسبق أن أطلقت الحكومة العديد من المبادرات أهمها في مارس/ آذار 2023 لزرع 5 ملايين شجرة. وقال وزير الزراعة عباس المالكي في يوليو/ تموز الماضي إنه جرى زرع 3 ملايين شجرة حتى الآن ضمن هذه المبادرة.
بدورها نفذت منظمات مدنية وبيئية حملات عدة لتثقيف المواطنين في مجال حماية البيئة ودور الأشجار في تحقيق هذا الهدف.
يقول مدير الموارد البشرية في مؤسسة "مثابرون للخير"، عبد العزيز آل صالح، لـ"العربي الجديد": "بدأت حملة التشجير التي أطلقتها "مثابرون للخير" في الموصل عام 2017 بعد تحرير المدينة من تنظيم داعش الإرهابي. وفي تلك الفترة كانت المدينة قد خرجت للتو من معارك التحرير، وواجهت دماراً كبيراً على مختلف الأصعدة. وركزت المؤسسة في بداية عملها على الجانب الإغاثي ودعم السكان المحليين عبر توفير المستلزمات الغذائية والصحية والإنسانية".
يتابع: "مع بداية عام 2018 توسّع نطاق عمل المؤسسة، وشرعت في تنفيذ مشاريع بيئية بدأت برفع الأنقاض التي خلفتها الحرب. وفي العام نفسه أطلقت المؤسسة مشروع بيئتنا حياتنا الذي هدف إلى خلق بيئة نظيفة حول المراكز الصحية والمدارس. وحتى الآن زرعت المؤسسة أكثر من 50 ألف شجرة في محافظة نينوى، وهي تسعى إلى تحقيق خطتها الطموحة التي تمتد على مدار 14 عاماً وتهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية، ومواجهة تحديات التغيّر المناخي في العراق".
ويوضح أن المشروع البيئي لمؤسسة "مثابرون للخير" تضمن عدة مراحل بدأت بزرع أكثر من 2000 شجرة في خمسة أحياء عام 2018، ثم أكثر من 11 ألف شجرة عام 2021 من خلال مبادرة "الموصل الخضراء" التي حظيت بتقدير كبير أفضى إلى حصولها على جائزة أفضل عمل مناخي تطوعي في العالم العربي التي قدمتها مؤسسة الأمير محمد بن فهد للأعمال الإنسانية".
أيضاً أطلقت "مثابرون للخير" مبادرة "الطريق الأخضر" عام 2022 لتشجير الطرقات الخارجية المؤدية إلى مدينة الموصل وساهمت في زرع 2070 شجرة. أما المشروع الأكثر حداثة فهو "مبادرة شجر" التي أطلقت العام الماضي، وساهمت في زرع 15 ألف شجرة داخل محافظة نينوى.
ويقول آل صالح إن "مؤسسة مثابرون للخير تتطلع إلى تنفيذ مزيد من المبادرات البيئية، والدافع وراء التركيز على هذا الجانب هو المشاركة في احتواء التأثيرات السلبية المتزايدة لتغيّر المناخ في العراق الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة، وانتشار الملوّثات في الهواء".
وحلّ العراق في المركز الثاني ضمن قائمة أكثر دول العالم تلوّثاً لعام 2023، وفق دراسة أجرتها شركة "أي كيو إير" السويسرية المعنية بقضايا تنقية الهواء. وسجل العراق تلوّثاً بمقدار 80.1 ميكروغراماً في المتر المكعب.
وارتفعت درجات الحرارة إلى أرقام قياسية خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين. وقررت الحكومة العراقية في يونيو/ حزيران الماضي تقليص ساعات العمل في المؤسسات الحكومية بواقع ساعة واحدة، وترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية.
ويلفت آل صالح إلى أنه "رغم أن التجاوب مع جهودنا كان محدوداً في البداية، شهدت الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في الوعي والدعم الشعبي لمبادراتنا البيئية، وبدأت الناس تزرع أشجاراً وترسل لنا صورها".
ويُظهر مهندسون زراعيون ومتخصصون بيئيون اهتماماً أكبر بدعم التشجير وإطلاق الحملات، وتشجيع السكان على زراعة الأشجار، وذلك عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول المهندس الزراعي علاء حسن لـ"العربي الجديد": "أهتم مع العديد من زملائي بتوعية السكان بضرورة التشجير، ونقدم نصائح بما يجب زرعه من أشجار تتناسب مع أجواء العراق، ويظهر السكان تجاوباً كبيراً مع دعوات التشجير".
ويتحدث عن أن "فوائد حملات التشجير ستظهر خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سيؤكد نجاح الجهود الحكومية والمجتمعية في نشر ثقافة التشجير بصورة أكبر بين الناس. وحينها سنشهد القضاء بنسب جيدة على التصحّر الذي قلّص المناطق الزراعية، وستتحسن نسبة الهواء النقي وتنخفض درجات الحرارة، كما ستتحقق منافع بيئية واقتصادية أخرى بسبب تكثيف التشجير".
ويُلاحظ تزايد الاهتمام الشعبي بالتشجير من خلال زرع العديد من الشتول في منازل وأرصفة محاذية لها ومساحات فارغة في مناطق عدة.
وتلعب المشاتل الزراعية دوراً رئيساً في حملات التشجير التي يشهدها العراق من خلال توفير شتول بأسعار مخفضة، والمساهمة في نشر ثقافة الزراعة والتشجير بين المواطنين.
نشر ثقافة التشجير
يؤكد كريم الكرعاوي الذي يدير مشتلاً لزرع وبيع مختلف أنواع الشتول والنباتات والزهور، لـ"العربي الجديد"، تزايد الطلب على الأشجار والشتلات من السكان، "ما يعني أن ثقافة التشجير تنتشر داخل المجتمع، وأن العراقيين بدؤوا يدركون أن الأشجار والنباتات توفر جمالية، وأن فوائدها البيئية والصحية كبيرة جداً".
يتابع: "تقدم كل المشاتل خدمات مختلفة لمحاولة نشر ثقافة التشجير، وبيع الأشجار والشتول ومختلف النباتات عمل مربح بالنسبة لنا، لكنه عمل إنساني أيضاً، فنحن نقدم الاستشارات والنصائح النظرية والعملية للزراعة من دون مقابل، ونوفر حسومات لأنواع أشجار سريعة النمو ودائمة الاخضرار وتلائم الأجواء المحلية. وسنواصل المساهمة في حملات التشجير من خلال إهداء شتول وخفض أسعار الأشجار والأسمدة والتطوّع في زرعها، فالهدف وطني أولاً قبل كل شيء، وكل المشاتل استعدت بكل طاقتها للمشاركة في حملة التشجير الكبرى التي ستنطلق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل بدعوة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.