شباب الخليج العربي.. ضباب في أفق المستقبل

18 ديسمبر 2014
تشكل متابعة كرة القدم متنفساً كبيراً للشباب الخليجي (Getty)
+ الخط -
بالعودة إلى كتاب عالم الاجتماع الراحل خلدون النقيب، "الدولة والمجتمع في شبه الجزيرة العربية"، حيث يصنف المراحل التي مر فيها المجتمع والدولة في الجزيرة العربية إلى أربع فترات تاريخية، وتميزت الفترة الأولى بالهيمنة البرتغالية ما بين 1509 ـ 1622، ثم كانت الفترة التاريخية الثانية التي تميزت بالصراع الإمبريالي في المنطقة، والمقاومة الوطنية المحلية له مابين 1630ـ 1839، وثم كانت الفترة التاريخية الثالثة، والتي تميزت بالهيمنة البريطانية ما بين 1839ـ 1920. وأخيراً الفترة التاريخية الرابعة المعاصرة، التي تميزت بالتحول من الدولة الريعية إلى الدولة التسلطية، 1920ـ 1985. كتب خلدون النقيب هذا الكتاب في 1987، استقراءً من ضمن مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي، وكان معنياً بالجزيرة العربية والخليج.

من خلال هذا المدخل التحقيبي للمجتمع والدولة بفترات تاريخية مهمة، ننظر من خلالها للناتج الحالي لتفاعل المجتمع والدولة، لما بعد 1980 تقريباً، والتي هي ناتج تراكم تلك الحقب الزمنية الماضية، ونتيجة التفاعل مع التحديات والأوضاع المستجدة في المنطقة لغاية الوضع الراهن، وكان أبرز ما يعتريها هو:

1ـ الحروب والاستقطاب القاتل: مرت على الشباب الخليجي أحداث كبرى، كان لها أثر كبير داخل مجتمع الخليج والجزيرة العربية، وأيضاً أثر أكبر خارج حدود مجتمعاتهم. من ضمن أهم هذه الأحداث هي الحروب التي تم استقطاب الشباب الخليجي للقتال صفاً إلى صف مع مقاتلي تلك البلدان. وكانت أولى هذه الحروب هي الحرب السوفياتية على أفغانستان، وأيضاً الحرب على الشيشان، والبوسنة والهرسك. مما جلب أثراً سيئاً على مجتمع الجزيرة العربية والخليج، وأثرت عودة بعض العائدين من أراضي الحرب على بلدانهم في دخولهم لخط جديد من القيام بأعمال تفجيرية داخل بلدانهم.

وفي العقد الماضي بعد دخول القوات الأميركية للعراق، حدث نفس الأمر، وهو التحاق أعداد كبيرة من شباب الجزيرة العربية والخليج بالجماعات الجهادية للدخول في مواجهات مسلحة مع القوات الأميركية. أيضاً خلال العامين الماضيين بعد تحول الثورة السورية من سلمية إلى ثورة مسلحة وقيام جماعات قتالية للوقوف مع الجيش السوري الحر ضد المجازر المسلحة التي يقوم بها جيش بشار ضد شعبه، التحق أيضاً عدد من أبناء الخليج والجزيرة العربية، وتطوُّرُ هذه الأحداث قاد إلى نشوء معارك استقطابية من قبل جماعات جهادية متعددة نحو الشباب المندفع للقتال في سورية.

لهذا نرى من خلال هذا التسلسل السريع للزمن، أن الشباب الخليجي كثيراً ما يكون وقوداً للأحداث والمعارك القتالية في أراضي الحروب، وهذا كما أشرنا يؤثر سلباً على المجتمع والدولة.

2 ـ الحياة المدنية التقليدية: على افتراض أن هناك حياة مدنية في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية، كالأندية الأدبية والملتقيات العامة والتثقيفية، والأنشطة والبرامج الرياضية، تبقى هذه الأطُر تقليدية، وذلك لأنها ذات هياكل مؤطرة بنظام حكومي ومُوجَّه، وهذا النمط من الحياة المدنية أو التفاعل المدني لا يجذب الكثير من شرائح الشباب للدخول في محيطها أو الاستفادة منها.

3 ـ التشجيع الرياضي لكرة القدم: المتابع لحالة المناخ الرياضي في دول الخليج يلحظ أن ممارسة رياضة كرة القدم تعتبر متنفساً كبيراً لشرائح شبابية واسعة، لكن التشجيع الرياضي صنع حياة هيسترية لشرائح كبيرة. وهي في تنامٍ وتزايد مستمر سنة بعد أخرى، حيث يلحظ المتابع ارتفاعاً في عدد القنوات والبرامج الرياضية، التي في بعض الأحيان تذكي روح التعصب الرياضي بالإثارة وأخذ القضايا والأحداث كأمر مصيري.

4-السيارات مقبرة الشباب: قضية "تفحيط" السيارات من العوالم المثيرة للتحليل والرصد، حيث أن هذه الظاهرة ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي مجتمع له رموزه ومشاهيره المعروفون في هذا الوسط المتخلف. كثيراً ما يذهب العديد من الشباب ضحايا حوادث السيارات، بسبب الأفعال الانتحارية والجنونية التي يقومون بها استعراضاً بسياراتهم أمام جموع الجماهير. للأسف إن هذه الظاهرة لا تُواجه بحسم من قبل الأجهزة المعنية في مؤسسات الدولة، وهذا ما يجعل الظاهرة تستمر، وأحياناً لا يمكن السيطرة عليها، كما أنها مركز لظواهر وعوالم سيئة أخرى، كالمخدرات وغيرها.

5 ـ الفئة الفاعلة: هي الشريحة المثقفة المتعلمة والمهتمة بقضايا الشأن العام، أو التي تهتم بالقضايا الفكرية، سواء كان من باب الاختصاص أو من باب الثقافة العامة. هذه الشريحة على تنوع اهتماماتها الفكرية والثقافية، لا يوجد لديها حضور في المجتمع الحقيقي، بل حضورها مقتصر على فضاء الإنترنت وشبكات التواصل، هي المجتمع البديل عن الواقع الحقيقي، وذلك لأن المجتمع الحقيقي لا توجد به إمكانيات ومؤسسات تستوعب هذه الشريحة الفاعلة، أو أن يكون لها مساحة حقيقية تعبر وتتفاعل مع غيرها من خلالها.

الابتعاث.. بارقة أمل:

تعتبر برامج الابتعاث في الدول الخليجية تجديداً للثقافة وإحياءً للعلم والمعرفة، حيث الكفاءات المتعلمة العائدة بالشهادات والخبرات تضيف روحاً جديدة ومتنوعة في مجتمع الخليج والجزيرة العربية. وفي حال الاستفادة من الطاقات العائدة بخبرات وتجارب حديثة، التي إنْ تم التفاعل معها وفتح قنوات وفضاءات جديدة لها، من الممكن أن تحدث تغييراً خلال العقود القادمة، وهذا مرهون بالحالة والإمكانيات السياسية المتاحة لدول مجلس التعاون، حيث أن كثيراً من التطلعات الشبابية تصب في صالح تحولات نحو الديمقراطية والحياة المدنية، أي حرية التعبير، وإيجاد المؤسسات المدنية الحرة، والتمثيل الديمقراطي.

المساهمون