لا يمكن أن تمرَّ كلماتها عبثاً، لا بدَّ أن تؤثر، تهزّ وتحفّز القارئ. لغتُهَا نَسيجٌ من الصّور والعلاقات بين العقل والقلب والذّاكرة، أي منظومة حيويّة ودقيقة يتشابك فيها الألم، بشكلٍ رئيسيٍّ، مع الأحلام المحطّمة، مع الحسرة، الموت، الحزن واليأس، الذكريات والواقع الحالي.
تحمل شاري غوميتا هذه المنظومة معها في تجوالاتها وتضيفُ عليها النّدمَ والتمرّدَ وشيئاً من الأمل والحبِّ الضروريين، كالهواء، لكي يسمحا لنا بـ التفكير في القضايا الهامة التي تعنينا جميعاً: فهم هذا العالم والظلم الموجود فيه.
من هنا لن يستغرب القارئ إرادة الشاعرة الواضحة في اتخاذ موقفٍ جريء أمام مظالم هذا العالم، وتالياً أن تكون قصائدها بمنزلة صرخة توقظ ورجّة تجعل قرّاءها يتماهون معها في الألم، الغضب، العجز، والشجاعة في مواجهة ما تعتبره الشاعرة ظلماً قائماً.
قصائدها بمنزلة صرخة توقظ ورجّة تجعل قرّاءها يتماهون معها في الألم
ضمن هذا السّياق تتحرك غوميتا وتعلن تمرّدها ورفضها لمجتمع مكسيكي ذكوري عنيف مليء بأحداث القتل والجرائم، ولا سيّما العنف ضد النساء. ومن أجل مواجهة هذا العنف كلّه، لا بدَّ من تطوير ذاكرة قويّة وإعادة بناء الجسد وإحضاره بملابس الغياب: الموتى، الأحباء، المهاجرين والمرأة، هذه الحاضر الغائب، دائماً.
هكذا بين الذاكرة والألم، تحاور الشاعرة الموتى، فيحضر الغائبون ويقصّون على الحاضرين حكايا الموت والعنف اليومي في وسائل النقل، في المنازل، في الشوارع، المدارس، وفي المباني الحكومية. من هنا لا بدَّ من فهم كل قصيدة على أنها شكوى وصرخة ضد الظلم وضد السلطة القائمة التي لا تفعل شيئاً من أجل تغيير هذا الواقع العنيف.
شاري غوميتا شاعرة تعرف جيداً كيف توظّف كل قصيدة لها لكي تعلمنا ما لا نراه، أو ما لا نريد أن نراه لأي سبب كان. وهذه هي وظيفة الشعر: تعليم ما لا يراه الآخرون. من هنا، فإننا في كل قصيدة للشاعرة نتعلّم أن نرى ونشعر، أن نتأمّل ونفكّر، عقلاً قلباً وذاكرةً، والأهم من هذا كلّه، هو أننا نتعلّم أن نتحاور مع الآخر المنفي، المهجّر، المختلف والقتيل.