شهد الأسبوع السابق، بداية من الأربعاء 7 يناير/ كانون الثاني، مجموعة من أحداث العنف في فرنسا. ابتدأت بالاعتداء على مقر جريدة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، والذي راح ضحيته 12 شخصاً بينهم أربعة فناني كاريكاتير. أحداث عنف متفرقة من البلاد، وخاصة في العاصمة باريس. ما يثير نقاشات واسعة حول لُحمة المجتمع الفرنسي، وإذا كان تماسكه هشاً فيتأثر بالأحداث الإرهابية، أو أن ما وقع لن يُؤثر على تماسكه. خاصة على وجود الفرنسيين من خلفيات عربية ومسلمة، والذين يتجاوز عددهم الخمسة ملايين، حسب تقديرات لم يتم تحديثها منذ 2002.
في الوقت الذي استنارت "عاصمة الأنوار" بأضواء سيارات الشرطة والإسعاف، ومصابيح الطائرات، وضوء الطلقات والقنابل، في سلسلة من حوادث العنف غير الاعتيادية. بدأ الكثير من الشخصيات العمومية الفرنسية في التأكيد على وجوب الحذر من الانزلاق في مواجهة داخلية بين مكونات الشعب الفرنسي. وفي هذا الصدد تأتي تصريحات الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، حيث قال: "يجب أن نؤكد لمواطنينا جميعاً أننا نعيش في دولة الحقوق، والرغبة المتبادلة في العيش المشترك"، في اجتماع مع وزراء حكومته بُعيد الأحداث.
"عشنا أسبوعاً ساخناً، منذ جريمة الاعتداء على مقر الجريدة. لقد أحسست بالخوف أكثر لما كنت في الترام الباريسي قبل يومين، وأطلقت صفارات الإنذار. كان الخوف بادياً على الوجوه، لكن ظهر أن الإنذار كان كاذباً، ما جعل الطمأنينة تعود لنفسي"، تقول رواء، طالبة مغربية في باريس.
أترى وجود جيل العرب الشباب يتأثر بالأحداث الأخيرة؟! سؤال طرحه "جيل العربي الجديد" على مجموعة من الشباب، من بينهم رواء المجدوبي، الطالبة في جامعة باريس للعلوم القانونية، فأجابت أنها كانت قلقة من تغيّر تعامل الفرنسيين معها حين وقوع الأحداث مباشرة، لكن اليومين اللذين مرا بعد الأحداث لم يحملا أي جديد، ما جعلها تطمئن، مؤكدة أنها تنوي العودة إلى المغرب ساعة إتمامها تحصيلها الأكاديمي، وأن الأحداث التي وقعت لا تجعلها تستبدل خططها المستقبلية.
واعتبرت رواء أن السياسة الفرنسية في التعامل مع الفرنسيين المتحدّرين من أصول مغاربية تقوم على التهميش، إذ يسكن معظمهم في أحزمة الفقر والحرمان، ما يمكن أن يؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها، قد يستغلها المتطرفون في أقصى اليمين الفرنسي لمهاجمتهم، يمين يريد أن يُفصّل مفهوم "المواطَنة" في فرنسا حسب مقاسه، وننطلق في سلسلة من العنف والعنف المقابل لا تنتهي.
مقابل رواء، يحس نزار سامي بالقلق على مستقبله في فرنسا: "أحس أن وجودي هنا مهدّد الى حد ما". وعن سؤال ما إذا كان الفرنسيون من أصول عربية سيتضررون عموماً، أجاب أنه يصعب الحسم. ويصف الشاب، الذي يتابع دراسته في إحدى الجامعات الفرنسية، الأجواء في باريس بأنها مشبعة بالتوتر، منذ انطلاق الأحداث الإجرامية، ويقول: "التوتر بادٍ على وجوه الناس في باريس. تجد الخوف والقلق ظاهراً، حتى وإن كان أراحهم قليلاً مقتل المعتدين، لكن الأمور لم تعد إلى حالها المعتاد بعد". وحول إمكانية عودتها للمعتاد فعلاً، يصرح نزار أن ذلك مرتبط بما تحمله الأيام والأشهر المقبلة.
وينظر نزار بعين القلق لفرص المتطرفين من اليمين الفرنسي في استغلال الحادثة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة سنة 2017، مرجحاً أن حظوظهم تبقى أكبر لتحصيل الأصوات في المدن الصغرى، التي يتعرض مواطنوها للبروباغندا الإعلامية، التي تحاول بعض المنابر اتهام المسلمين بالارهاب وتصويرهم على أساس أنهم مسيئين، غير حالة المدن الكبرى التي تحتوي الجاليات المختلفة والتي درج سكانها على التعايش المشترك.
عضو هيئة المحاماة في مدينة مرسيليا، والناشط السياسي عمر بنجلون، يعود ليضع السؤال في سياقه، مميّزاً الفرق بين سياسات الإدماج الفرنسية، وتلك التي تنتهجها دول كبريطانيا وبلجيكا وهولندا، موصّفاً إدماج المهاجرين بفرنسا بأنه دائماً كان حذراً ومراقباً، وتمت مركزتهم في الهوامش، الشيء الذي كان في وقت سابق موضوع جدل سياسي دائم "لكن اليوم مع انحسار قوى اليسار وصعود القوى الفاشية والمتطرفة الفرنسية مقابل تصاعد أسهم المتطرفين الإسلاميين في البلد، تعقدت الأمور، وهذا ما أنتج أخيراً أحداث الأسبوع الماضي".
وعن تأثيرات حدث "شارلي إيبدو" المرتقبة، أكد القانوني بنجلون أن اليمين الفرنسي المتطرف سيحاول تضييق الحريات والحقوق، خاصة في ما يرتبط بقوانين التجنيس بالجنسية الفرنسية، ومعها بقية الحريات الأساسية.
لا شيء قطعي في طريقة تأثير الأحداث الأخيرة في باريس على حياة الفرنسيين من خلفيات عربية أو مسلمة مستقبلاً، وعلى الشباب والطلبة من جنوب المتوسط المقيمين في فرنسا مؤقتاً. إذ لا يمكن التكهن بالطرق التي سيحاول اليمين الفرنسي المتطرف استغلالها. حتى وإن كان مؤكداً أنهم سيحاولون اللعب عليها، ولا إذا ما كانت أحداث القتل قد توقفت فعلاً. ربما علينا أن ننتظر لأشهر لنتأكد من أن الأمور استقرت، وننتظر لسنتين حتى نرى محصّلة المتطرفين في الانتخابات الفرنسية.