شؤون يهودية ... رشوة اشكنازية جديدة للمزراحيم
وكان المبادر للقانون المذكور، شمعون أحايون (ليكود بيتينو)، الذي يرأس "اللوبي من أجل اللاجئين اليهود من الدول العربية" قد قال: "ناس قليلون في إسرائيل والعالم يعرفون الموضوع. على مدى سنوات طويلة، تجاهلوا في إسرائيل تاريخ يهود البلاد العربية وإيران، وأهملوا روايتهم. اليوم، صححنا ظلماً تاريخياً، وابتداء من هذا العام، كل طفل في إسرائيل سيتعلم، ويتعرف على فصل تراجيدي في التاريخ اليهودي".
وزعم أوحايون أن "اليهود تعرضوا لتطهير عرقي، ولملاحقات وتنكيل في العالم العربي. وترك 850 ألف يهودي". بينما قدرت مصادر إسرائيلية أخرى عدد "اللاجئين اليهود" من الدول العربية بـ 865 ألف يهودي، وهو أكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948، والذين يقدر عددهم بـ 730 ألف لاجئ فلسطيني.
ويطلق على اليهود الذين هاجروا من الدول العربية والإسلامية، أي من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، لقب "المزراحيم"، أي الشرقيين. وهو مصطلحٌ عبريّ جامع يُستخدم للتعريف باليهود الشرقيين الذي كانوا في البلاد العربية، وفي بلادٍ أغلبيةُ سكّانها مسلمون. وأصلُ المفردة زرح بمعنى "أشرق"، وهو مصطلحٌ يُطلق عليهم؛ ولكنّ كلّ قسمٍ منهم يعرِّف نفسَه بالبلاد التي أتى منها أصلاً: يهودي ـ مغربي، يهودي ـ جزائري، يهودي ـ سوري، إلخ. وتراجعت نسبة اليهود الشرقيين إلى مجموع سكان إسرائيل، بحسب البلد الأصلي من 42,3% عام 1961 إلى 36,3% عام 1993، أما بحسب مكان الولادة فقد ازدادت من 14,9 %عام 1961 إلى 22,6% عام 1993. ومن حيث النسبة الإجمالية، واستنادا إلى إحصائيات عام 1993، كان اليهود الشرقيون يشكلون نسبة 36,3% أي نحو 1.573.900 نسمة من نحو 4.335.2 مليون نسمة. وهي نسبة قابلة للازدياد لدى إضافة عدد اليهود الشرقيين وأبنائهم الذين ولدوا في فلسطين.
وعانى اليهود الشرقيون من الأمراض الاجتماعية والأخلاقية، وأصبح العنف والإجرام والجهل والتخلف، وغيرهما من الأمراض الاجتماعية، مرادفات ملازمة لهم. وأصبح هذا الواقع الأليم كالشوكة في حلوقهم، أمام ذكرياتهم الطيبة عن حياتهم السابقة، في وطنهم الأول.
وقد أحدثت مثل هذه التجارب الأليمة آثاراً سلبية، منها خلاص زائف وانتحار جماعي، إذ لم تكن موجات الهجرة الجماعية لليهود السفارديم إلى إسرائيل أرض الميعاد، كما يحلو لهم أن يصفوها، إلا عملية انتحار جماعي لأبناء هذه الطوائف، فقدوا خلالها كل نفيس وغال، عندما تحطمت آمالهم وأحلامهم على صخرة الواقع الإسرائيلي المرير في المعسكرات الانتقالية وفي مدن التطوير. كما أحدثت هجرة عكسية، فأمام هذه الأوضاع القاسية، كان من الطبيعي أن تحدث هجرة عكسية من السفارديم والشرقيين عن الكيان الصهيوني، خصوصاً مع إعلان حكومات عربية (مثل المغرب في السبعينات) عن ترحيبها بعودة أبنائها من اليهود، ما مثل دافعا لخروجهم من الجحيم الصهيوني.
وأُخضع اليهود الشرقيون، بمن فيهم يهود الدول العربية، إلى عملية يمكن تسميتها عملية "محو للذاكرة"، من أجل تسهيل دمجهم في مجتمعهم الجديد. وكان هؤلاء، عقب وصولهم إلى إسرائيل، ينقلون إلى مخيمات مؤقتة، حيث تبدأ عملية "تأهيلهم القسري" وقد جرى لتوطين المهاجرين الشرقيين توزيع على الضواحي، وفي المستوطنات التي أنشئت بعيداً عن المدن الكبيرة، لاسيما في الجليل، وعلى طول الحدود الشرقية. وكل ما قدمته لهم الحكومة الإسرائيلية إلحاقهم بما يسمى أعمال الطوارئ "عفودات دحق"، وهي أعمال شاقة مهينة، فضلاً عن أنها مؤقتة، مثل العمل في خدمات الطرق من تعبيد ورصف، وتقطيع الأخشاب والصخور، وغيرها من الأعمال الجسدية الشاقة المرهقة، التي لا تمكنهم من العيش حياة كريمة.
وتسود في المجتمع الصهيوني شائعات وخرافات بالنسبة لأبناء الطوائف الشرقية، ومكانتهم السياسية في السياسية الإسرائيلية، حددها الباحث سامي سموحا بالخرافات التالية: "الخرافة الأولى تتمثل في أن الطائفة آخذة في الضعف، وأن مشاعر الحرمان الطائفية آخذة بالتلاشي. والثانية عدم وجود ظلم طائفي. والثالثة وجود تحالف إيديولوجي بين الشرقيين والليكود الذي يقوم بجذبهم، ليس فقط كخصم "العمل" الذين يكرهونه، وإنما أيضا كمعبر عن طموحاتهم الوطنية وتقاليدهم الدينية، والتزامهم بفكرة إسرائيل. وتتمثل الخرافة الرابعة في القول بانتهاء العصر الاشكنازي في السياسة الإسرائيلية".
أشكال التمييز
ثمة معطيات كثيرة، تشهد على حالة التمييز والتهميش التي يتعرض لها الشرقيون في المجتمع الإسرائيلي. ويصوِّر تجمع الفئات الإثنية اليهودية في إسرائيل في آداب إسرائيلية كثيرة، بلغة صورية وخيالية، على أنه "جمع المشردين"، أو "عودة أولاد إسرائيل إلى وطن التوراة". وتحت شعار "شعب واحد". وتثير هذه العبارات اللغوية التصور، وكأن تجمع هذه الفئات الإثنية ما هو إلا تجدد اللقاء، وتجمع من تشردوا لأسباب تاريخية عبر العالم فوق وطن قومي، يقوم على أساس الوحدة والمساواة بين كل اليهود، ومن دون إعطاء الفوارق الإثنية أي اعتبار. لكن، الحقيقة تبقى بعيدة جداً عن الصور اللغوية، فقضية انضمام اليهود الشرقيين إلى مجتمع الدولة اليهودية، واستيعابهم في هذا المجتمع قد تعامل معها أصحاب القرار، والقيادة السياسية، والمسؤولون عن قضايا الاستيطان (وكلهم إشكنازيم) على أنها مواجهة مع حالة من التخلف الحضاري، مواجهة الحداثة والتطور الاشكنازي والبدائية والتقليدية السفارادية.
ويُعتقد أن الاضطهاد الذي مورس، وما زال يمارس على اليهود الشرقيين، وبالتالي، استمرار مكانتهم الاجتماعية المتدنية أسقط شعار وأسطورة "الشعب الواحد".
ومن الجدير ذكره أن الأحياء الفقيرة في المدن تعتبر بؤراً لسخط أبناء الطوائف الشرقية أكثر مما هو عليه الحال في قرى التطوير، أو المستوطنات الزراعية. ذلك أن هذه الأحياء تقع قرب الضواحي الغنية والجميلة التي تستوعب المهاجرين الغربيين الجدد، فيبدو التناقض واضحاً: أحياء تكاد تكون معتمة، يسكنها اليهود الشرقيون، وأحياء تعج بالأضواء من نصيب اليهود الغربيين. ذلك أن أكثر ما يشكو منه الشرقيون هو أن المهاجرين الجدد القادمين من الغرب يحصلون على مساكن حكومية، فور وصولهم إلى إسرائيل، في حين أن يهود المغرب مثلاً ما زالوا يعيشون في الأحياء الفقيرة منذ سنوات.
وتتمتع بأولوية أكثر في اهتمام الحركات الرافضة التي تعبر عن مطالب اليهود الشرقيين، وهو ما يعكسه أول منشور صدر عن الفهود السود في 2/3/ 1971، فورد فيه: " كفى بطالة، كفى لنوم عشرة في كل غرفة، كفى أن نرى بيوتاً تبنى للمهاجرين الجدد".
وواجه أبناء المهاجرين من اليهود الشرقيين صعوبات كبيرة في الاندماج مع المنهج التعليمي الإسرائيلي الذي يعتمد الطرق والمعايير الأوروبية التي وضعها مؤسسو الدولة من الأشكناز، والذي كان هدفه إيجاد مجتمع جديد على الطراز الاشتراكي، بخلاف المجتمع التقليدي الذي عرفه الشرقيون.
ويضاف إلى ذلك أن أبناء الشرقيين ينتمون إلى عائلات كثيرة الأولاد، ذات مستوى اقتصادي متدن، الأمر الذي جمع بين الفقر والتخلف، وجعل المدرسة، وحدها، مسؤولة عن تعليم هؤلاء الأبناء وتوجيه تقدمهم الدراسي. ولعل الأمر المهم جداً أن يهود الدول العربية في إسرائيل لا يستحقون صفة لاجئين، فقد أصبحوا محتلين، نهبوا ممتلكات الفلسطينيين الذين طردتهم العصابات الصهيونية المسلحة، وتنكّرت غالبيتهم العظمى لبلدان المولد.