أرجأ البرلمان العراقي استحقاق انتخاب رئيس جديد للبلاد إلى الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، المصادف الثلاثاء المقبل، موعداً نهائياً غير قابل للتأجيل مرة أخرى بسبب اتساع رقعة الخلافات داخل البيت الكردي، وفشل التوصل إلى اتفاق حول مرشح توافقي بين القوى والأحزاب الكردية المختلفة. وحتى الآن، بلغ عدد الذين تقدموا بأوراق الترشح لهذا المنصب 30 شخصية سياسية، بينها شخصيات من خارج المكون الكردي، إلا أن أسماء قليلة تعتبر من أبرز المرشحين للمنصب، بينها مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، فيما تطرح أسماء أخرى توصف بأنها توافقية، مثل عديل جلال الطالباني القيادي في الاتحاد الكردستاني، لطيف رشيد، وفاضل ميراني عن الحزب الديمقراطي. وكمؤشر جديد على اتساع الخلافات تقدمت كتل التغيير والجماعة الإسلامية بمرشحين آخرين إلى جانب مرشح واحد عن المكون التركماني.
ولا يترتب على منصب رئيس جمهورية العراق أي صلاحيات تنفيذية، إذ ينص الدستور العام في البلاد على أنه منصب شرفي، إذ إن جميع الصلاحيات التنفيذية في مجال الأمن والدفاع والاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية بيد رئيس الوزراء. وتصاعدت أخيراً أصوات كتل وأحزاب عراقية، شيعية وسنية، حول ضرورة العودة إلى النظام الرئاسي، من خلال تعديل الدستور. وأبرز دعاة هذا الطرح حزب الدعوة الإسلامية، بزعامة نوري المالكي، وقوى سنية مثل "القرار" والحزب الإسلامي. وفي هذا السياق، قال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الحزبين الكرديين، "الديمقراطي" و"الاتحاد"، يريدان تحقيق مكاسب داخل الإقليم والخلاف على منصب الرئاسة يأتي بسبب خلافاتهما الداخلية في الإقليم، مؤكداً أن الملفات الخلافية الحادة بين الطرفين تتمحور حول منصب محافظ كركوك وقائممقام سنجار ورئاسة أركان قوات البيشمركة وتجهيز وتمويل البيشمركة في السليمانية وتلك التي انسحبت من كركوك العام الماضي وتوجد حاليا في السليمانية. وأشار إلى أن "الخلاف سينتهي بالتوصل إلى تسوية، وهناك اتفاق في بغداد بين القوى الشيعية على أنها لن تصطفّ مع أي فريق كردي، لكن قوى وأحزاباً سنية، أبرزها المحور الوطني، بدت مؤيدة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، ومؤيدة لمرشحه فؤاد حسين لمنصب رئاسة الجمهورية".
وتحدثت مصادر كردية مقربة من رئيس حكومة كردستان نيجيرفان البارزاني، لـ"العربي الجديد"، عن رفض الأخير لقاء برهم صالح لتسوية الخلافات والقبول به مرشحاً عن المكون الكردي لرئاسة العراق. وبحسب المصادر، فإن الرفض يأتي لأسباب شخصية وأخرى تتعلق بما سيحصل عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسط مخاوف من تراجع المقاعد التي سيحصل عليها في الانتخابات المحلية لبرلمان الإقليم في 30 سبتمبر/أيلول الحالي. يشار إلى أنه يوجد 30 مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وهو أعلى عدد يتقدم للمنصب منذ العام 2003. وتتهم "حركة التغيير" الكردية المعارضة الحزبين بالتعامل مع المنصب، على أساس اعتبارات ومنطلقات حزبية بحتة. وقال عضو "التغيير"، كاوة محمد: "منصب رئيس الجمهورية من استحقاق الأكراد، والحزبان الحاكمان في إقليم كردستان يتعاملان مع هذا المنصب السيادي المهم من منطلقات حزبية بحتة"، مبيناً، في بيان اطلعت "العربي الجديد" عليه، أن "الحزبين، اللذين فشلا في إدارة الإقليم، يريانه عاملاً لتقوية نفوذهما الحزبي والشخصي على حساب مصالح الشعب".
وتطرح على الساحة عدة سيناريوهات حول نهاية أزمة انتخاب الرئيس الجديد، التي ستكون بداية لأزمة أخرى لم تحسم، وهي انتخاب رئيس الحكومة، ومنها أن يتم حسم الخلاف على الاتفاق حول اسم واحد يدخل به البرلمان العراقي في 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعد يومين من انتهاء انتخابات برلمان إقليم كردستان وظهور النتائج الأولية، بمعنى أن الخلافات الداخلية ستتحرك نحو الحل أو التعقيد وفقاً لنتائج ما سيحصل عليه كل حزب. وفي حال لم يتحقق الاتفاق، فإنه سيكون هناك عدة مرشحين للمنصب، ليتكرر سيناريو جلسة انتخاب رئيس البرلمان بعدة مرشحين لرئاسة الجمهورية، يتم اختيار أحدهم ضمن جولة أولى وثانية داخل البرلمان. أما السيناريو الثالث، فهو الاتجاه إلى رفع جلسة الثلاثاء المقبل وجعلها مفتوحة ضمن مسعى لعدم إحداث خرق دستوري في توقيتات اختيار الرئاسات الثلاث.
وتوقع عضو تحالف "سائرون"، رامي السكيني، أن يذهب الخلاف نحو الحسم من خلال البرلمان، عبر تنافس عدة مرشحين على منصب رئاسة الجمهورية، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "اكتمال استحقاق منصب رئاسة الجمهورية يعني التوجه مباشرة نحو رئاسة الحكومة، ولا تمكن حتى الآن معرفة طبيعة هذه الحكومة أو شكلها، فالمفاوضات مستمرة". وفي السياق ذاته، ظهرت التوافقات السياسية والمحاصصة والمصالح الحزبية في طريقة توزيع المناصب الفرعية في البرلمان العراقي، خلال جلسته الثانية التي عقدت أمس الثلاثاء، بالاعتماد على أعراف غير مسنودة إلى الدستور. ففي الساعة الأولى من بدء انعقاد الجلسة، باشر النواب الجدد تسجيل أسمائهم لغرض توزيعها على اللجان النيابية التي من المفترض أن تتسلم الملفات بحسب اختصاصها، وذلك بحسب النظام الداخلي للبرلمان. لكن التسجيل على اللجان، لم يشهد الحديث عن رؤساء اللجان، الذين سيتم توزيعهم بطريقة الاستحقاقات الانتخابية والتدخلات الحزبية. وقال عضو في مجلس النواب، إن "جدول أعمال جلسة البرلمان تضمّن استضافة وزراء مختصين في الخدمات، بينهم الصحة والإعمار والإسكان، لمناقشة أزمة البصرة، فضلاً عن أهم التطورات الحاصلة فيها، بالإضافة إلى مناقشة تشكيل اللجان النيابية الدائمة دون الحديث عن مرشح لرئاسة الجمهورية"، مبيناً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الساعة الأولى من الجلسة شهدت المباشرة بتسجيل النواب أسماءهم للانضمام إلى اللجان بحسب الاختصاص". وأشار إلى أن "النواب سجلوا أسماءهم، لكن العرف السياسي يقضي بعدم اختيار رؤساء هذه اللجان، فلا يمكن لأي حزب أن يكون لديه رئيس لجنة في البرلمان، ووزير من نفس الاختصاص يمسك وزارة أو منصباً سيادياً. فعلى سبيل الافتراض، فإن حزب الدعوة لا يمكن أن يكون رئيس اللجنة المالية النيابية في البرلمان، ويكون وزير المالية في الحكومة من نفس الحزب".
من جهته، قال عضو تحالف "سائرون"، رائد فهمي، إن "عدم اختيار رؤساء اللجان في البرلمان الجديد، على اعتبار أنها تخالف العرف السياسي في العراق، أمر يمثل عودة إلى الطرق الملتوية للحصول على المناصب، ومنهج المصالح السياسية التي لم توفر للعراقيين غير الشقاء وعدم الثقة بالحكومة"، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "سائرون لديه منهاج سياسي سيسير عليه خلال الدورة البرلمانية الحالية، هو مكافحة ومحاربة المحاصصة، وسنعمل على تحجيمها في السنوات المقبلة". وخلال الجلسة، حدد رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، الثاني من الشهر المقبل موعداً نهائياً لاختيار رئيس الجمهورية، منعاً للدخول في خرق دستوري جديد. كما حدد الجلسة المقبلة لاختيار مقرري المجلس، في حين صوّت أعضاء البرلمان على تشكيل لجنة برئاسة النائب الأول، حسن الكعبي، لوضع التعديلات اللازمة على النظام الداخلي للبرلمان خلال مدة 15 يوماً، بالإضافة إلى مناقشة توفير الخدمات في محافظة البصرة بحضور وزراء الصحة والإسكان والإعمار والبلديات العامة، والموارد المائية.