سيناء تشغل الشبكات الإسرائيلة بعد قطع الجيش للاتصالات

10 يوليو 2014
الجيش يؤمن سنترال العريش / العربي الجديد
+ الخط -
وأنت تقود سيارتك إلى سيناء، بمجرد عبورك مدينة الشيخ زويد التي تبعد عن حدود مصر وغزة نحو 10 كيلومترات، سوف تصلك رسالة قصيرة على هاتفك من أحد مشغلات الهاتف المحمول "مرحباً بك في إسرائيل" من شبكة "أورنج"، وأخرى من شركتك المصرية تتمنى لك سفراً سعيداً وتعلمك بأسعار التجوال. حينها ستفشل تماماً في استخدام هاتفك المحمول المصري إيذاناً بأنك انتقلت إلى دولة أخرى.

الأجهزة الأمنية عمدت قبل ثورة 25 يناير إلى قطع الاتصالات في مدينة رفح والقرى الحدودية والبالغ تعداد سكانها 400 ألف نسمة منهم نحو 300 ألف يستخدمون الهاتف المحمول، والسبب وفقاً للأجهزة الأمنية التضييق على المشتغلين بالتهريب عبر الأنفاق مع قطاع غزة
وأسباب أخرى تتعلق بالأمن القومي المصري.


الانقطاعات المتكررة دفعت أهالي المنطقة الحدودية إلى استخدام الشبكات الإسرائيلية والفلسطينية بعد قطع المصرية تماماً فضلاً عن سوء جودتها، ولا يتردد أحد سكان المنطقة أن يجيبك عند سؤاله عن رقم هاتفه "ودك الجوال ولا الأورانج؟ هني ما في شبكة مصرية خلاص" إشارة إلى استخدامه لكلا الشبكتين الفلسطينية والإسرائيلية.

خطورة الشبكات الأجنبية تكمن في صعوبة تتبعها أو التجسس عليها، حيث أكد الشيخ إبراهيم المنيعي، أحد شيوخ سيناء أنها سهلت اختراق جهاز الموساد لتجنيد العديد من الشباب المصري مقابل آلاف الدولارات، وهو ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية بعد قبضها على أكثر من شبكة تجسس لمصلحة إسرائيل في سيناء.

لم يتوقف الحراك السيناوي منذ اندلاع ثورة يناير 2011 ، كان أبرزها عام 2012 عندما تظاهر العشرات من أبناء القبائل أمام برج تقوية للجوال بقرية الماسورة برفح رافعين لافتات كتبوا عليها "لا نريد استخدام الشبكة الإسرائيلية بسبب إهمالكم"، وهو ما أوضحه الشيخ إبراهيم المنيعي "أبناء المنطقة الحدودية يحتجون على حرمانهم من حق أصيل لهم وهو التمتع بخدمة الاتصالات عبر شبكات الهواتف المحمولة المصرية، ومن العيب أن يستخدم المصريون الشبكات الإسرائيلية لإنهاء مصالحهم التجارية والتواصل مع أهلهم وذويهم".


بقي الوضع كما هو حتى عزل الرئيس، محمد مرسي، ثم ازدادت الأوضاع  سوءاً ليبلغ انقطاع الاتصالات ذروته بعد انطلاق عملية عسكرية ضد العناصر المسلحة في سيناء بعد استهدافها لمئات من عناصر الجيش والشرطة في سيناء عقب إطاحة الرئيس، محمد مرسي، من المؤسسة العسكرية المصرية.

لم يأبه الجيش المصري بقطع الاتصالات بشكل شبه يومي على معظم أنحاء المحافظة من مدينة رفح شرقاً حتى حدود مدينة بئر العبد غرباً منذ شهر سبتمبر من العام الماضي وحتى تاريخ نشر هذا المقال لمدة قد تزيد عن 12 ساعة يومياً تبدأ من شروق الشمس وتنتهي عند غروبها، وربما تمتد لأكثر من ذلك، وتشمل كل أنواع الاتصالات (الهاتف الأرضي والمحمول وجميع خدمات الانترنت). حيث يبلغ تعداد مستخدمي الانترنت في المنطقة 100 ألف مواطن.

ويصف أحد العاملين في المبنى - طلب عدم نشر اسمه- آلية قطع الخدمة قائلاً " تتوجه إحدى الآليات العسكرية الى السنترال الرئيسي لشمال سيناء في وسط مدينة العريش وتغلق الطرق حول المبنى، ثم تقوم بدخول المبنى وتقطع التيار الكهربائي تماماً عن جميع الأجهزة المسؤولة عن تشغيل الخدمة بأرجاء المحافظة بشكل يومي".

تبدأ معاناة المواطنين جميعاً سواء هؤلاء الذين ترتبط أعمالهم باستخدام الهاتف والانترنت وأولئك الذين يتعاملون بشكل منتظم مع الهيئات والمصالح التي ترتبط بالشبكات والإنترنت كالبنوك والبريد والسجل المدني والتموين، يقول محمد: لا أستطيع السفر خارج سيناء منذ شهور عدة أو التجول بحرية في شوارع المدينة بعد انتهاء صلاحية بطاقة الرقم القومي الخاصة بي وكلما ذهبت الى مصلحة الأحوال المدنية وجدت الشبكة مقطوعة فأضطر الى الانتظار على أمل أن تعمل الشبكة وكل مرة تنتهي مواعيد العمل الرسمية دون جدوى".

ويقول إسماعيل أحد العاملين في قطاع الحكومة": أتقاضى مرتبي من أحد البنوك وهو ما يستغرق نحو أسبوع كامل من الذهاب مسرعاً إلى ماكينة الصرافة الآلية عقب تشغيل الشبكة في المساء لأجد طابوراً طويلاً فأظل في انتظار دوري حتى ينفد رصيد الماكينة وتتوقف عن العمل، فأعود إلى منزلي لأعاود المحاولة في اليوم التالي"، مضيفاً: هذه المشكلة تم التغلب عليها بتركيب خدمة الانترنت عبر الأقمار الصناعية في أحد البنوك في المدينة، وليس كلها وهو ما يسبب ضغطاً هائلاً أيضاً على البنك ذاته".

عبد الرحمن صاحب مقهى انترنت في مدينة العريش يصف شعوره: أشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب أزمة مالية طاحنة، حيث أسست هذا المشروع للإنفاق على منزلي وأولادي بعد الاقتراض من أحد البنوك، إلا أن قطع الشبكات تسبب في خسارتي فلجأت للاستدانة لسداد القرض وايجار المحل، وأضطر للإبقاء على المقهى مغلقاً حتى عودة الشبكات مساء.

لم يقتصر قطع الشبكات على القطاعات السابقة فحسب، بل طال قطاعات أكثر خطورة على حياة الناس كالاتصال بالإسعاف ومكالمات الطوارئ يقول أحمد: شهدت حادث اصطدام سيارة بدراجة نارية في أحد شوارع العريش وكانت المرة الأولى التي حاولت فيها إجراء مكالمة طوارئ من هاتفي ولكن بلا جدوى، وعندما حاول أحد المارة التوجه بسيارته لمرفق الإسعاف و إبلاغهم شفهيّاً استغرق وقتاً طويلاً قد يكون كافيّاً لوفاة المصابين في بعض الحوادث التي يكون للثانية ثمن في إنقاذ الأرواح"


مدير أحد المراكز التدريبية على علوم الحاسب في مدينة العريش يضيف: كنا ننظم العديد من الدورات التدريبية عبر الانترنت لكنها توقفت تماماً منذ قطع الشبكات، ولدينا مركز لاختبارات الرخصة الدولية لقيادة الحاسب عبر الانترنت وتقدمنا بطلب رسمي لأداء امتحانات شمال سيناء بعد الخامسة مساءً وتمت الموافقة عليه لكن الشبكات قد لا تأتي قبل الثامنة أو تأتي ضعيفة فنفقد الاتصال وفي كل مرة نضطر الى سداد 150 دولاراً قيمة كل امتحان حتى في حالة فقدان الاتصال، مما يسبب عبئاً كبيراً على المركز". 

وتضيف إحدى موظفات المركز: عجز بعض عن الحصول على شهاداتهم عبر الانترنت "كالرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي" أدى الى ازدهار مافيا تزوير الشهادات في شمال سيناء بمبالغ طائلة استغلالاً للظروف الحالية.

  المصادر الأمنية في المحافظة بررت انقطاع الشبكات بأسباب تتعلق بالأمن القومي المصري، حيث يساعد – على حسب قولهم- في إحباط عشرات المحاولات لتفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة عن بعد باستخدام دوائر تفجيرية عبر الهاتف المحمول فضلاً عن الإبلاغ عن تحركات القوات مما قد يسبب في استهدافها أو هرب بعد العناصر عند التحرك للقبض عليهم.

الاعتراض السيناوي على قطع شبكات الاتصال اتخذ أشكالاً عدة، ففي فبراير الماضي نظمت مجموعة من حركة 6 أبريل بشمال سيناء وقفة احتجاجية لرفض الوضع القائم، يقول أحدهم أحدهم "نظمنا وقفة رفعنا فيها لافتات تطالب بتشغيل الشبكات وهتفنا "اقطع شبكة واقفل كوبري .. بكرة أكيد هتحفر قبري".

ودشن آخرون حملة لمقاطعة بعض شركات المحمول ومطالبتها بتعويض أهالي سيناء عن القطع كما حدث أثناء ثورة 25 يناير، يقول محمد. ح  "اتصلت بشركة المحمول التي استخدمها على هاتفي سجلت شكاوى عدة، وجاء الرد أنه لا دخل لنا إطلاقاص بما يحدث في سيناء ونحن لا علم لنا به لأن شبكتنا تقنياً تعمل بشكل كامل وليس هناك أية أعطال من جانبنا وبالتالي فليس هناك أي تقصير كي نقدم لك تعويضاً عليه"

"سيناء خارج التغطية" حملة أطلقها ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي في محاولة واسعة لكسر الحصار الإعلامي على ما يحدث في سيناء بصدد قطع الشبكات ولحكي معاناتهم اليومية طالبوا فيها بمعاملتهم كمصريين فكتب أحدهم على فيسبوك " جرّب كده تقطع شبكات الاتصالات والإنترنت وتعزل الناس عن العالم في محافظة زي الشرقية أو الدقهلية أو السويس مش هقولك القاهرة وإسكندرية .. وشوف رد فعل الناس"

وأضاف آخر بغضب شديد بعد تعرض والديه لحادث خارج سيناء أثناء انقطاع الشبكات "والدي وأمي أصيبا في حادث علي طريق الاسماعلية، الساعة 2 ظهراً، ولأن شبكات الاتصالات كلها كانت لا تعمل،  لم يصلنا الخبر سوى الساعة 7 المغرب. سيناء ليست خارج التغطية فقط، سيناء متخلفة عن عاصمتكم بخمس ساعات".

ورغم تحريم الدستور الحالي مصادرة الحياة الخاصة بما فيها وسائل الاتصال وتعهد الرئيس، عبدالفتاح السيسي، باحترام الدستور والقانون وفقاً للمادة 57 للدستور “للحياة الخاصة حرمة وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك"، إلا أن الواقع في سيناء لا يعرف شيئاً عن تلك المادة لتستمر المعاناة.