سيف مسلّط على رأس لغتنا

29 يوليو 2015
هذه الوجهة تهدد اللغة العربية أكثر من العولمة (Getty)
+ الخط -
لا شكّ في أنّ اللغة العربية تواجه احتمالات بالغة الخطورة إذا ما استمرت الأوضاع على حالها في المنطقة. لغة تخرج تباعاً من شتى مجالات النشاط البشري بما فيها أشكال التواصل اليومي التي يمارسها الأفراد في حياتهم العادية.

والحقيقة أنه لن تكون هناك لغة عربية إذا ما خسرت المجتمعات التي انطلقت منها. ولو ظلت حاضرة لدى المؤمنين بالإسلام ديناً في مشارق الأرض ومغاربها. هؤلاء المؤمنون سيظلون محدودي الطموح بتلاوة النص القرآني والأحاديث النبوية. كذلك لدى أفراد من المستشرقين الذين ينكبون على دراسة كنوز هذا الفكر وما أطلقه من وهج حضاري. مع ذلك، تبدو المنطقة العربية وكأنها تعيش على حدّي سيف مسلّط على رأسها. أحد الحدّين يمثله خطر العولمة التي لا مناص من مجاراتها بعدما بات من المتعذر الخروج على أحكامها، مع ما يرتبط بها من آليات التغريب الثقافي المندلع من دون هوادة. وهو الذي يدفع بفئات شبابية متزايدة الى بناء ثقافات هجينة مفتوحة على خسارة الموروث الغني للحضارة العربية، والذي صاغته على امتداد قرون وساهم فيه أجدادنا من أبناء شعوب عربية أو تعرّبت بالدين والثقافة.

وثاني الحدّين هو واقع اللغة المستنسخة من جانب الجماعات التكفيرية التي تعيث في المنطقة، فتدمر ما راكمته من حضارة وعمران وثقافات تعددية متنوعة. تستحضر هذه الجماعات كلمات ومسميات ومصطلحات ومقولات تخرج بها من بطون المصادر التاريخية حيث كان أجدادنا العظماء يصيغون مجتمعاتهم ومعارفهم. هذه الوجهة التي ترفض ربط اللغة بالإنسان والمجتمعات تهدد اللغة العربية أكثر مما تتهددها العولمة الثقافية الكاسحة. فاللغة ليست مجرد قواعد وحركات إعرابية واشتقاقية ومبان وتراكيب ومقتطفات من نصوص مقدسة أو غير مقدسة. اللغة أعقد وأغنى من ذلك. اللغة هي الحياة ، عندما تزخر الحياة تتطور اللغة، وعندما تتضاءل وتضعف تتلاشى اللغة وتنقرض. وعليه ليس صدفة أن تصبح الإنجليزية لغة العالم والعلوم.

ما تعانيه العربية ليس منفصلاً عن بنية تفكيرية تقليدية سائدة لدى الشعوب العربية. وعندما تصدمنا الوقائع نهرب من اللحظة الى الأزمان الغابرة. المعضلة الفعلية في غياب العربية هو غياب أصحابها عن صخب المرحلة بما تطلقه من موجات اختراعات وعلم ثمرة الجهد البشري المبدع. ثم إنّ معضلة العالم العربي كما تتبدى اليوم ليست في نقص التراث، بل في نقص الحداثة، ورفض التنوع والإبداع وإطلاق العقول. وهذا لا يمكن له أن يتحقق من دون ديمقراطية وعدالة اجتماعية. ويبقى السؤال: ما العمل؟

(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)

إقرأ أيضاً: لغتنا الجميلة
المساهمون