سيرة التسلح في مكان يدعى غزة

23 ابريل 2015
+ الخط -

ارتبطت مظاهر التسلح في قطاع غزة بالعمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي بشكل أساسي، لكن هذه المظاهر لها جذور في المجتمع العربي والفلسطيني، باعتبارها عادة اجتماعية وثقافة عشائرية قديمة.

مرت هذه الظاهرة في السنوات الماضية بمراحل ومنعطفات عدة، أبرزها الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 وسيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، وباتت هذه المظاهر قليلة في غزة بالنسبة لما كانت عليه قبل سنوات، كما اختفت تبعات حمل السلاح من القطاع، الذي عانى خلال السنوات السابقة من تسلح واشتباكات العائلات والفلتان الأمني، وانعدام القانون بسبب عدم وجود رقابة على السلاح وسهولة استخدامه علنياً، نظراً لانعدام قوة تتحكم في القطاع من ناحية أمنية.

ظهر السلاح بالشكل العلني في غزة بعد توقيع اتفاقية أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية قبل نحو عقدين من الزمن، فكان للسلاح مهمة معينة بعد تشكيل مؤسسات السلطة، واقتصر حمله بشكل كبير على أفراد الأجهزة الأمنية آنذاك، حيث كانت السلطة تحاول فرض سيطرتها بشكل كبير على الشارع لضبطه حسب سياسات عملية التسوية.

بعدها بدأت العائلات في غزة بالتسلح كثقافة عشائرية احتياطيا في أغلب الأحيان، خوفاً من نشوب خلافات مع عائلات أخرى، وكعادة اجتماعية مرتبطة بشكل وثقل العائلة أمام العائلات الأخرى، خاصة في ظل عمل بعض مراكز القوى في الأجهزة الأمنية لمصلحة عائلات أو لحسابات معينة.

أما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، في سبتمبر/أيلول من عام 2000، ازدادت مظاهر تسلح الشباب في ظل المواجهة المباشرة مع الاحتلال.

وفي الكثير من الحالات كان السلاح بمثابة زينة بحتة، يتم تعليقه على جدران المنازل وفي ديوان العائلة ويوضع في السيارات وعلى وسط الرجال ويلوّح به في الأفراح، يظهر ذلك بشكل واضح في التراث الفلسطيني من الأغاني الشعبية والأهازيج، حيث تتغنى النساء بالشاب المسلح الحامي لعائلته، وقد يمر العديد من السنوات على هذا السلاح دون أن يطلق منه رصاصة واحدة.

مثّل انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، حقبة جديدة لمظاهر التسلح في غزة، حيث أنتج تراجع الاشتباك والتماس المباشر مع الاحتلال وضعف مؤسسات السلطة وصراع الأجهزة الأمنية في غزة، زيادة في العرض والطلب على الأسلحة الخفيفة التي كان أغلبها رشاشات من نوع كلاشنكوف AK47، ليتواكب مع هذه الزيادة في التسلح ارتفاع في وتيرة الفلتان الأمني الذي أدى لقتل العشرات من المارة في مناطق الاشتباكات، ومواطنين في منازلهم ومهنئين في الأعراس، وطلاب ثانوية عامة أثناء احتفالهم بنجاحهم نتيجة رصاصة طائشة من مسلح لا يطلق الرصاص إلا في مناسبات مشابهة.

واستمرت الظروف في صناعة بيئة مناسبة للفلتان الأمني في غزة، ما أجبر الكثير من العائلات في غزة على شراء أسلحة بهدف الحماية الشخصية، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في تلك الآونة، إلى أن بدأت حقبة جديدة بسيطرة حركة حماس على القطاع في صيف2007 بعد سقوط الأجهزة الأمنية ومؤسسات السلطة.

بدأت حركة حماس والأجهزة الأمنية التي شكلتها في فرض قوة كبيرة في الشارع، ونجحت إلى حد كبير في إنهاء ظاهرة الفلتان الأمني، كما أنها صادرت كافة أنواع الأسلحة من جميع فئات الشعب كعائلات وأفراد أجهزة السلطة سابقا، وسمحت فقط لبعض الكتائب المسلحة العاملة ضد الاحتلال بحمل السلاح، وباتت غزة مجتمعا مسلحا بشكل مضبوط، بالرغم من القيمة الاعتبارية للسلاح في الثقافة الاجتماعية، حيث يطلق الرصاص في الأفراح وجنازات الشهداء.


(فلسطين)

المساهمون