سيد القمني "بلبوصا" مجدداً
في زمن الانحطاط الثقافي والانهيار الحضاري الكامل، من الطبيعي أن يوضع مدّعون، من نوعية سيد القمني وإسلام بحيري والشيخ ميزو، في فاترينات الكلام عن حرية الفكر والتعبير، وتجديد الخطاب الديني.
قل ما شئت عن مواقف مائعة للأزهر الشريف، حيال قضايا مهمة، ينبغي أن يكون واضحاً وقاطعاً فيها، وقل ما شئت عن سقوط شيخ الأزهر في حفرة الحكم العسكري، غير أنك، بميزان الفكر الإسلامي، لا يمكن، أبداً، أن تضع أسماء "الموديلز" الثلاثة المذكورين أعلاه في كفة، وفي الأخرى الأزهر بعلمائه.
يعلن سيد القمني أنه يقود جهوداً لإدراج الأزهر الشريف ضمن المنظمات والكيانات الإرهابية، محلقا بأجنحة جهله الدّعي، يريد منا أن نتعامل مع رواياتٍ تاريخيةٍ منحطةٍ عن مدينة الرسول، باعتبارها حقائق لا تقبل التشكيك، حتى وإن بلغت، في سفالتها ووساختها العلمية، الزعم بأن نساء عصر النبوة لم يكنّ يرتدين ما يستر العورات تحت الثوب، لكنه، في الوقت نفسه، يتهم الجميع بالجهل والبلادة والتحجر، إن هم أعطوا أحاديث الرسول، وسنته الشريفة، حقهما ومكانتهما من الجدارة التاريخية والروحية والعلمية.
مطلوب أن نصدّق سفسطة القمني وترهاته، ومونولوجات صبيانه البحيري وميزو، ونشك في مرويات الأئمة الأربعة، وإلا فلن نكون مستنيرين عصريين متحضرين.
يمرح القمني وتابعوه في حقل الفكر الإسلامي فوق دبابة، يظنون أن إرضاء صاحب البيادة هو منتهى العبادة. يحولون هذيان عبد الفتاح السيسي في موضوع الخطاب الديني إلى نظريات وأقانيم مقدسة، ما يمنحهم الجرأة والوقاحة، حين لا يوقفهم عن جهلهم أحد. يسلكون كرجل الشرطة، بأمن من العقوبة، يقتل ويعذب ويغتصب ويسحل، وهو آمن، متدثراً بوعد السيسي الشهير: مضى عهد أن تتم محاكمة ضابط. لديهم تصريح بقتل الوعي، واغتصاب العقيدة الصحيحة، كما أن لدى العسس تصريحاً بقتل المعتقلين والمعتقلات وتعذيبهم واغتصابهم.
في العام 2009، استيقظت مصر على نكتة تقول إن المجلس الأعلى للثقافة منح سيد القمني جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، وشبت نار غضب لدى الأوساط الثقافية ضد هذه الإهانة للفكر وللعلم، فأن تخطئ الجائزة الطريق إلى علماء أفذاذ راسخين، مثل فيلسوف علم الاجتماع الدكتور فؤاد زكريا، مثلاً، وتذهب إلى شخص يختبئ خلف شهادة دكتوراه مزورة، ولم يقدم فكراً يعتد به، فهذا ما عدّه المثقفون مهزلة، وطالبوا بسحب الجائزة من صاحبها الدعي.
في ذلك الوقت، كتبت تحت عنوان "سيد القمني بلبوصا" عن تهديده بالوقوف عارياً إذا سحبوها منه "إذن، سوف يخلع سيد القمني ملابسه ويقف "بلبوصاً" للجميع، إذا ما استقر به المقام خارج مصر مكرهاً.. هكذا توعد القمني خصومه، في حال تم تجريده من جائزة الدولة، وأجبر على الهجرة من مصر، كما قال لمجلة نيوزويك الأميركية (النسخة العربية).
قلت، وقتها، إنه بصرف النظر عن أنه يمكن لأي متابع أن يقدم قائمة بمائة شخصية مصرية على الأقل أجدر من القمني (في هذه اللحظة) بالفوز بالتقديرية في العلوم الاجتماعية، فإن هذه "البلبصة القمنية"، بحد ذاتها، تصلح سبباً وجيهاً ومقنعاً للغاية بأن منح هذا الرجل، صاحب هذا القاموس الراقي من الألفاظ، جائزة في العلوم الاجتماعية، هو جريمة كاملة الأركان في حق العلم وفي حق البلد.
كل من يتصدّى لتخاريف القمني وعصابته، هم بالضرورة إخوان وإرهابيون وأعداء للوطن وتجار للدين. هكذا يصورون الأمر، غير أن التاريخ يقول لنا إن من قاد فريق المطالبين بتجريد سيد القمني من جائزة الدولة واحد من ألد أعداء الإخوان المسلمين، هو المحامي ثروت الخرباوي، الذي يتغذّى وينمو ويسمن على سب الإخوان، ولعنهم والوشاية بهم، والتحريض عليهم.
الخرباوي في تلك الأيام قدم، وعدد من المحامين، بلاغاً ضد وزير الثقافة والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وشيخ الأزهر قالوا فيه إن "جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، وما تمنحه من مقابل مادي مقرّر من أموال الشعب ودافعي الضرائب، وليس مقرراً من قبل أحد رجال الأعمال على سبيل المنحة، وبالتالي، فإن من حق هذا الشعب أن لا تهدر أمواله على من لا يستحقها، بدلاً من انتفاعه بها في صورة خدمات عامة، وما إلى ذلك من أوجه مشروعة".
وبناء على ذلك البلاغ، أصدرت هيئة مفوضي الدولة تقريراً يوصي بسحب الجائزة من القمني. وبالطبع، لم تسحب الجائزة، وصار كل من مقدم البلاغ والمتهم فوق دبابة واحدة، فماذا يمكن أن يقول الخرباوي للقمني الآن؟