سياسة حتى في الزلازل

05 مايو 2015

معبد مدمر من أثر الزلزال في كتمندو (26أبريل/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

الزلزال الذي ضرب، أخيراً، نيبال، وأودى بحياة أكثر من 6500 ضحية و14000 مصاب، هو الأعنف والأدمى في هذا البلد منذ 80 عاماً، إذ بلغت قوته 7.9 درجات على مقياس ريختر، واستمرت مدته دقيقتين و30 ثانية، كانت كافية لتدمير مبان ومنازل ومؤسسات صحية وتربوية وتجارية وسياحية كثيرة، وألحق أضراراً فادحة بثمانية ملايين شخص، من أصل 27 مليون نسمة، هم عداد سكان نيبال، البلد الفقير الذي تحوّل نظامه السياسي من ملكية إلى جمهورية ديمقراطية اتحادية، بدءاً من مايو/ أيار 2008.

ويتوقع عالم الزلازل الفرنسي جان كلود بوي مزيداً من الهزّات الأرضية الخطيرة في المناطق النيبالية نفسها التي أصابتها الكوارث، مستنداً إلى حقيقة علمية جيولوجية، تفيد بأن كلّ زلزال كبير تأتي بعده توابع زلزالية شبه مديدة، وهذه آلاف الهزّات الارتدادية، وستستمر طويلاً، ما يعني أن على النيباليين أن يتوقعوا الأسوأ.

وعلى الرغم من استشعار نظم إنذارات علمية مبكرة الزلازل قبل حدوثها، وهي مجسّات عالية التقنية، مثبتة في قاع البحار، فضلاً عن الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة تراقب سطح المياه، وتعاين أي تغيير غير طبيعي في حراك الأمواج. على الرغم من ذلك كله، لم تزل الفائدة المرجوة من تلك الخطوات العلمية والعملية المثبتة خجولة، ومحدودة للغاية، ما لم تقترن بسياسات دولية فاعلة وملزمة، تفرضها الدول الكبرى مجتمعة، والتي لا يزال بعضها يتهم بعضها الآخر بأنه لا يريد تعميم وتثبيت شبكات نُظم تقنية معنية بكشف الزلازل، براً وبحراً ومن الجو، بداعي إن هذا الطرف الدولي الكبير أو ذاك لا يزال يحتاج مزيداً من إجراء تجارب نووية مبتكرة في قيعان البحار والمحيطات، وحتى في جوف الصحارى. وفي هذا الإطار كانت صحيفة "غازيتا" الروسية قد نقلت، وبُعيد حدوث زلزال هايتي في يناير/كانون ثاني 2010، عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية يقول: "قد تكون الولايات المتحدة المتسبب بهذا الزلزال، نتيجة تجريبها سلاحاً نووياً جديداً، أثّر عميقاً في اهتزاز قشرة الأرض.. فحدث ما حدث".

وثمة من يقول إن تجارب نووية عسكرية فرنسية في قاع المحيط الهندي وراء كارثة تسونامي الرهيب في العام 2004، مزهقاً أرواح أكثر من نصف مليون إنسان، بينهم 300 ألف من أندونيسيا وحدها، وتوزع الباقون على دول آسيوية أخرى، طاولها ذلك الزلزال البحري الذي بلغت قوته 11 درجة على مقياس ريختر.

بغض النظر عن صحة هذه المعلومات أو عدم صحتها، النتيجة المؤسفة واحدة على البشرية برمتها، غياب سياسات دولية جدية وصارمة تختص بالزلازل والكوارث البيئية. وأن ما يسمى "مكتب الحدّ من خطر الكوارث" التابع للأمم المتحدة في جنيف ليس أكثر من مكتب روتيني فولكلوري محدود الفعالية والنتائج، بالمعنيين السياسي والعلمي، وإن أدعى في بيانات كثيرة عكس ذلك.

وكانت الأمم المتحدة قد عقدت، في 2005 في مدينة كوبي اليابانية، مؤتمراً دولياً مختصّاً بالكوارث الزلزالية، شارك فيه 4600 خبير وعالم جيولوجي، تناولوا المستجدات العلمية والتقنية الخاصة بتدارك الزلازل، والتحوّط منها، قبل انفجار كوارثها. وانفرد العلماء الألمان في المؤتمر بعرضهم نظام إنذار مبكر، يتميز بسرعة فائقة في تحليل المعلومات الآتية من أعماق المحيطات، أو من قيعان الوديان والسهول، وحتى بواطن المرتفعات الجبلية. وأفادت وزيرة البحث العلمي الألمانية، إيدلغارد بولمان، في المؤتمر، بأن مركز الأبحاث الجيولوجية في مدينة بوتسدام الألمانية، والذي أعدّ نظام الجهاز المذكور، يُعوّل عليه بالكثير لجهة فعاليته في اكتشاف الزلازل ذات الدرجات القوية (من 7 إلى 11 على مقياس ريختر)، قبل نصف ساعة من حدوثها، وبالتالي، يسهم هذا الجهاز، وبالتأكيد، في إنقاذ كثيرين". وطالبت الوزيرة "بالتنسيق بين مختلف الأنظمة التقنية المتوافرة في المنطقة، واعتبار النظام الألماني مكملاً لها".

ويُذكر أن العلماء الألمان يطّلعون بشبكة تضم 50 محطة قياس للزلازل في المحيط الهادئ، ويتحدثون باستمرار عن ضرورة مضاعفتها لتصبح 100 محطة عاملة، ما يجعل، استطراداً، وظائفها العلمية أكثر دقة وتصويباً في رصد المعلومات الزلزالية، وتحديد توقيت حدوثها وأقيستها. وتمتلك أستراليا مئات من نظم الإنذار المبكرة للزلازل، أيضاً، ويقال إنها، بفعاليتها العلمية العالية، جعلت أحد علماء الجيولوجيا فيها، البروفسور كيومينس، يتحدث بثقة في المؤتمر أنه "حدس علمياً" بمدّ تسونامي الذي ضرب سواحل المحيط الهندي قبل أوانه بعام تقريباً، نتيجة رصده العلمي المتتابع وشديد الدقة لحراك طبقات الأرض وتصدّعاتها الكبرى تحت قيعان المحيط المذكور. لكن، ليست هذه المحطات العلمية وحدها كافية لتحدث النتائج السريعة المطلوبة منها، قبيل حدوث أي انفجار زلزالي كبير. وكان كيومينس يهدف، من تصريحاته، حثّ المجتمع الدولي للضغط أكثر فأكثر على حكوماته القادرة، بغية إنشاء آلاف من نظم الإنذارات المبكرة للزلازل في قيعان المحيط الهندي، وغيره من محيطات العالم وبحاره، فكل ما هو مزروع من مجسّات علمية لا يكفي لهذا الهدف النبيل.

ويوافق العالم الجيولوجي الكندي من أصل لبناني، جوزيف إبراهيم نادر، (شارك في مؤتمر كوبي) في حديث مع كاتب هذه السطور، على ما قاله العالم الأسترالي، مردفاً "أن كيومينس كان يدرك أن المؤتمرات العلمية الدولية حول الزلازل، وغيرها من الكوارث الطبيعية، لا تكفي وحدها لإنتاج المطلوب منها، مهما نجحت في تقديم معادلات علمية تقنية أكثر تطوراً في مجالها. فالأمر سياسي، أولاً وأخيراً، والسياسة تسبق العلم في ذلك مهما ادُّعي، مع الأسف غير ذلك"... ولكن، ألا تخدم السياسة نفسها وبلادها، حين تجعل العلم يتقدم على مصالحها هنا؟ قاطعنا كلام الدكتور نادر بهذا السؤال، فأجاب: "حبّذا لو كان الأمر كذلك، إن اختراعات واكتشافات علمية كثيرة مفيدة للبشرية في وسعها أن تفعل المعجزات، إذا ما أتاحتها السياسات العليا المتحكمة، مع الأسف، في كل شيء. نعم حتى في الإبداع العلمي. فهذا الإبداع ينبغي أن يمر عبر مطهر السياسة والقرار السياسي في المقام الأول والأخير".

أتريدنا أن نقتنع، إذن، أن ثمة سياسات كبرى تعيق انتشار العلم لإنقاذ البشرية، حتى من قلب غضب الطبيعة قبل أوانها؟ أجابنا: "بالتأكيد.. بالتأكيد، عليك أن تعلم أن في مركز المحيط الهادئ للزلازل، والكائن في عاصمة جزر هاواي الأميركية، هونولولو، أكثر من 200 محطة مراقبة للزلازل، تتجمع معلوماتها الخاصة بالتحذير من التسوناميات، تستفيد منها 27 دولة فقط، ليس بينها أي من دول جنوب شرق آسيا، وهذه حقيقة مؤسفة للغاية. نعم أقول لك وللجميع، هناك سياسة في كل شيء، خصوصا في مسألة الزلازل التي يفترض أن تجمع عليها كل السياسات المتناقضة، بدل أن تسهم في مزيد من نفارها وتباعدها".

ويلحظ المراقب للنشاط الزلزالي على سطح كوكبنا الأزرق أنه، غالباً، ما يتركّز في أحزمة رئيسة، تمتد مسافات طويلة عبر القارات والبحار، أقواها وأشهرها الذي يمتد بطول الساحل الشرقي للمحيط الهادئ، ويشكّل شريطاً طويلاً يحاذي غرب الأميركيتين واليابان والفلبين، امتداداً إلى أستراليا ونيوزيلندا، مشكّلاً نحو 68% من زلازل العالم، ومنها التي حدثت في آلاسكا العام 1964 والبيرو العام 1970 وتشيلي العام 1985 واليابان العام 2011، مخلفة ملايين القتلى والجرحى والخسائر المادية التي تقدّر بمليارات الدولارات. وثمة حزام زلزالي ثانٍ يمتد على طول الساحل الغربي للمحيط الهادئ، بدءاً بجزر اليابان حتى أندونيسيا جنوباً، مروراً بقوس جزر تايوان، وتتكرر هزات هذا الحزام بإيقاعات سريعة، في البحر والبر.

أخيراً، نتساءل إلى متى سيظل لسان القوة أبلغ لسان، خصوصاً على مستوى سياسات العلم، والتي هي أخطر من غيرها بالتأكيد؟

A2AFC18A-C47E-45F2-A2B6-46AD641EA497
أحمد فرحات

كاتب وشاعر لبناني، عمل في عدد من الصحف اليومية اللبنانية والعربية، وفي مجلات ودوريات فكرية عربية.