سياسة تقبيل أحذية الحكام

22 مارس 2019
المشهد يتكرر في أكثر من دولة عربية (فرانس برس)
+ الخط -

في كل مرة يظنّ فيها العربي أنّ الانحدار وصل إلى أدنى مستوياته، يُجرّ غصباً إلى درجة أكثر انحداراً وإلى مشاهد مقززة نتيجة وجود من يعتقد أنّ قيمة وجوده تساوي تقبيل حذاء الحاكم.

عربياً، يختلط السياسي بالثقافي والاجتماعي والديني لفهم سياقات مشهد سنوات عبادة الحذاء (البوط/البيادة) العسكري، خصوصاً في دمشق والقاهرة. ففي الأولى، قرب السيف الدمشقي في "الأمويين"، وفي الثانية على بعد رمية حجر من "الأزهر"، شهدنا افتراش صورتي بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، حيث سُجد عليهما وسط صرخات هستيرية. وأخيراً، خرج علينا أحدهم من أبو ظبي وهو يقبّل نعال سيده وولي نعمته.

وتعيد كل هذه الأحداث إلى الذاكرة القريبة مشاهد استنطاق المقهورين في سورية، ووجوههم مدماة: "من ربك؟ ... قل كذا وكذا..."، في إشارة إلى "الإله الجديد" بشار... وأخيه ماهر.

مشهد التخاطب بـ"البوط العسكري" و"البيادة"، فوق رؤوس "المواطنين الشرفاء"، بمشاركة "نخب ومفكرين"، بالتأكيد حفظه أرشيف التاريخ. وبوضوح، لا اعتراض هنا على راغبي عبادة "نعال" و"بيادة"، فتلك ليست القصة. ولكن أن يختزل العربي، مشوهاً، في "دين عبادة الحكام"، حد اعتبار "الفضيلة والشرف" ومواطنة "الصراط المستقيم" عند سقف أحذيتهم، فتلك مصيبة تفوق مصائب قيعان التخلّف والاستعباد المراد استدامتهما عربياً.

لم نقرأ مثلاً عن عبادة أدولف هتلر في ألمانيا، وبينيتو موسوليني في إيطاليا، وفرانشيسكو فرانكو في إسبانيا، وأوغستو بينوشيه في تشيلي، وغيرهم... ولا سمعنا عن ذلك بشأن شارل ديغول في فرنسا، ولا حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل... ولا الصحابة والخلفاء الراشدين أولاً، متناسين الدرس الأول في الحرية والحقوق "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

الهبوط إلى مستويات النعال في بعض دول عالمنا العربي، ليس سوى محاولة "استهبال واستغفال" الشعوب، وبمعية مِن مَن يوصفون بـ"الصفوة"، لفرض حكام آلهة ونصف آلهة و"ملهمين ومنزلين"، في وقت يهدد أحدهم شعب الكنانة بمحاسبته في الآخرة... غير حساب الاستبداد الدموي الفاشي الدنيوي.

كل مشاهد التاريخ والحاضر، وخصوصاً أمام مسرح الأراجوزات المُفرح للمتربصين بحالنا المريض، لن تؤدي إلا إلى مزيد من الإصرار على الانتهاء، مرة وللأبد، من "آلهة الحكم العربي"، ليستعيد العربي كرامة تُسحق تحت الأحذية، التي قُبلت وتقبل في الساحات وعلى الشاشات.

المساهمون