داخل سوق الخضروات في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، تتكوم صناديق الحمضيات واللوزيات المكتوب على ظاهرها أسماء شركات الاحتلال الإسرائيلي المصدرة لها، وفي داخلها ملصق على كل حبة يحمل اسم الشركة المنتجة، أو مكان القطاف.
وإلى الخارج قليلاً من السوق، يصطف مزارعون ومزارعات محليون على جانبي الطريق، لعرض بضاعتهم من محاصيلهم الزراعية من الفواكه، التي تعيش أوج موسمها في الأراضي الفلسطينية خلال الوقت الحالي.
وتنتشر أسماء شركات كلها إسرائيلية مثل (جافا، وبركان تريدينج، وإكسبورتريد، وإيفا فروت) بين جنبات محلات الخضار وبسطات البيع المنتشرة في رام الله، وعلى حبات الفواكه، كالبرتقال والبطيخ، والدراق والمشمش.
يقول تجار ومستوردون التقاهم "العربي الجديد"، إن حاجة السوق المحلي من الفواكه سنوياً، تفوق كميات الإنتاج المحلي بأكثر من 20 ضعفاً، ويرى أحد المستوردين الرئيسيين للخضروات والفواكه في الضفة الغربية، ويدعى عبد الحكيم طعمة، أن استيراد الفواكه من الأسواق الأجنبية سيكون أكثر كلفة على المستورد والمستهلك معاً، وقال "إذا كان الأمر وطنياً، على الحكومة أن توفر الأراضي والمياه للمزارعين الفلسطينيين".
وتعاني الأراضي الفلسطينية من تراجع واضح في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، بينما توجه مزارعون إلى قطاعات اقتصادية أخرى، بسبب عدم جدوى الزراعة المحلية التي تفتقر إلى حماية حكومية من تلك المستوردة من جهة، ومقومات نجاح الزراعة كالمياه والسماد من جهة أخرى.
وخلال العام الماضي، بلغ إجمالي الواردات الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي نحو 3.5 مليار دولار، وفق البيانات التجميعية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما لم تحدد الأرقام نسبة الواردات الزراعية من هذا الرقم.
وكانت الضابطة الجمركية وطواقم حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني في الحكومة الفلسطينية، قد أتلفت الاثنين الماضي في محافظة أريحا، طنين من البطيخ القادم من إحدى المستوطنات الإسرائيلية.
أما المزارعون والمزارعات المنتشرون على أرصفة شوارع رام الله، فإن محاصيلهم عادة ما تعاد كمية منها إلى منازلهم آخر اليوم.
وتعزو إحدى بائعات الخضروات، ضعف مبيعاتها هي وزملائها إلى عادات المستهلكين الشرائية، الذين يذهبون إلى المحال التجارية للشراء "كما أن عدم وجود إمكانيات بحوزتنا لتقديم المنتج بشكل مقبول ظاهريا ساهم في بقاء مبيعاتنا عند مستويات متدنية".
ويوجه رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، صلاح هنية، أصابع الاتهام إلى وزارة الاقتصاد الوطني، التي لا تحارب منتجات المستوطنات على الأقل من دخول الأسواق الفلسطينية، "لأن نسبة كبيرة من هذه البضائع آتية من مزارع للاحتلال الإسرائيلي، مقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة".
وأضاف خلال حديث مع مراسل "العربي الجديد"، "في الوقت الذي يدعم فيه المستهلك منتجات مستوطنات الاحتلال، فإن مزارعين فلسطينيين يقفون على بعد أمتار من حسبة (سوق الخضار) رام الله على سبيل المثال، ويمتهنون الزراعة كمصدر رزق رئيسي لهم".
وطالب وزارة الزراعة الفلسطينية، بحماية المنتج الزراعي الوطني، وإعطائه أفضلية على أية منتجات مستوردة، بهدف تشجيع المزارعين على المشاركة في النشاط الزراعي أكثر، والبدء في خلق حالة من التوازن بين الإنتاج والاستهلاك في السوق المحلية.
وشكلت الزراعة الفلسطينية، من الناتج المحلي الإجمالي قبل عشرين عاماً نحو 18 في المئة، قبل أن تتراجع إلى أقل من 5.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي 2013، ما يلخّص الحالة التي أضحت عليها الزراعة في فلسطين.
وتعاني الزراعة الفلسطينية، والتي تتركز في معظمها في مناطق الأغوار على الحدود مع الأردن، من بدائية الوقاية من رياح الشتاء والفيضانات التي تنشأ كل عام في تلك المناطق، وتكبد المزارعين خسائر كبيرة.
وخلال موسم شتاء العام الماضي، ووفق تصريحات سابقة لوزير الزراعة في الحكومة الفلسطينية وليد عساف، فإن إجمالي خسائر القطاع الزراعي في تلك المناطق بلغ 30 مليون شيكل (8.7 مليون دولار) العام الماضي.
وأرجع عساف ضعف الدعم الحكومي للمزارعين، إلى انخفاض حجم الموازنة السنوية التي تحصل عليها وزارة الزراعة من مجمل الموازنة العامة الفلسطينية والتي لا تتجاوز 5% (قرابة 180 مليون دولار).