سياج لبنان ينضمّ إلى جدران الاحتلال: إسرائيل خائفة

03 فبراير 2018
يعزل الجدار القدس عن محيطها الفلسطيني (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
تستخدم إسرائيل الجدران والأسيجة بشكل كبير لتحقيق سياساتها. وعلى الرغم من أن الأمن والمخاوف من تعرضها إلى هجمات هو السبب الرئيس الذي تتذرع به إسرائيل لإقامة هذه الجدران، وعزل نفسها عن دول الجوار، فإنها تُستخدم في الأراضي المحتلة لسبب آخر، هو زيادة الضغط على الفلسطينيين لترك أرضهم، كمقدمة لقضمها. ووجه المجتمع الدولي انتقادات حادة إلى إسرائيل عندما أقامت جداراً عازلاً يسير ملتوياً في عمق الضفة الغربية، ملتهماً ما يقارب 10 في المائة من مساحتها، ويعزل مدينة القدس الشرقية المحتلة عن محيطها الفلسطيني. واستناداً إلى ورقة حقائق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي أيه)، على موقعها الإلكتروني، فإن طول حدود الضفة الغربية يبلغ 330 كيلومتراً، أما طول حدودها من قطاع غزة فيبلغ 59 كيلومتراً، في حين أن حدودها مع الأردن تبلغ 307 كيلومترات، ومع مصر 208 كيلومترات، ومع لبنان 81 كيلومتراً، ومع سورية 83 كيلومتراً.

الضفة الغربية

أكثر الجدران إثارة لردود الفعل هو الذي أقامته إسرائيل داخل الضفة الغربية، والذي أقرته الحكومة الإسرائيلية، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، أرييل شارون. ففي عام 2002، صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء جدار الفصل العنصري بطول 710 كيلومترات، يمر 85 في المائة منه في عمق الضفة الغربية، والباقي على الخط الأخضر (حدود العام 1967)، بما يؤدي إلى ضم 9.4 في المائة من مساحة الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. والجدار الإسمنتي هو بارتفاع 7 إلى 8 أمتار، تتخلله أبراج مراقبة. وحتى سبتمبر/أيلول 2017، تم استكمال بناء 65 في المائة من الجدار، أي ما يقارب 460 كيلومتراً، فيما هناك 53 كيلومتراً أخرى قيد الإنشاء و200 كيلومتر إضافية لم يتم بناؤها بعد، وذلك بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا".

واستخدمت الحكومة الإسرائيلية آنذاك عمليات أمنية نفذها فلسطينيون داخل إسرائيل لتبرير إقامة الجدار، الذي تبلغ تكلفته مليارا و370 مليون دولار. واستناداً إلى "أوتشا"، فإن الجدار يُبقي 65 مستوطنة من بين 150 مستوطنة مقامة على أراضي الضفة الغربية في الجانب الإسرائيلي. ويشير إلى أن هناك 150 تجمعاً فلسطينياً تشمل أراضي تقع بين الجدار والخط الأخضر. وهناك 81 بوابة في الجدار، محددة كبوابات زراعية، لا تفتح 63 منها إلا خلال موسم قطاف الزيتون، ما يقيد حرية الوصول والزراعة طوال العام، بحسب "أوتشا"، الذي يشير إلى أن 13 حاجزاً إسرائيلياً يتخلل الجدار، لمرور الأفراد والبضائع ضمن قيود. وأصدرت محكمة العدل الدولية، في 9 يوليو/تموز 2004، رأياً استشارياً عن النتائج القانونية المترتبة على بناء الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. وذكرت أن المقاطع من مسار الجدار، التي تمر داخل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، بالإضافة إلى نظام البوابات والتصاريح، تمثل انتهاكاً لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. وطالبت المحكمة إسرائيل بوقف بناء الجدار، بما في ذلك في القدس الشرقية وحولها، وتفكيك المقاطع التي تم بناؤها بالفعل، وأن "تلغي أو تبطل على الفور كل الإجراءات التشريعية، أو التنظيمية، التي ارتبطت بإنشائه".


وتشير معلومات، أصدرها معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" (غير حكومي)، إلى أن 90 في المائة من جدار الفصل العنصري في الضفة عبارة عن سياج، و10 في المائة فقط منه هي قواطع إسمنتية. ويقول مدير المعهد، سهيل خليلية، إن "القواطع الإسمنتية تشكل خطراً أقل من السياج، فالقواطع الإسمنتية تبنى مع شارع أمني من جهة واحدة منها، وتأخذ مسافة تتراوح من 10 و15 متراً، بينما السياج يصادر من 30 إلى 40 متراً حوله بالعرض، وبالتالي يدمر مساحات أكبر من الأراضي، خصوصاً الأراضي الزراعية". وبحسب خليلية فإن الجدار سيعزل خلفه 705 كيلومترات مربعة، من مساحة الضفة في حال اكتماله، وهو ما يشكّل 12.5 في المائة من مساحة الضفة، بما فيها القدس الشرقية. ويشير إلى أن 47 في المائة من المساحة المعزولة هي أراضٍ زراعية، و32 في المائة غابات ومناطق مفتوحة، فيما 17 في المائة هي مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية (يقطن فيها 87 في المائة من مستوطني الضفة)، و4 في المائة هي مناطق سكنية فلسطينية. ويضيف "بالتالي، فإن رسم الجدار، هو رسم تكتيكي، يهدف للاستيلاء على مساحات فارغة، ويجعل أكبر عدد من المستوطنات تحت يد إسرائيل في حال أعلنت باتفاق نهائي أن الجدار يرسم حدودها، وبذلك تخسر أقل عدد من المستوطنات من الجهة الشرقية للجدار، أي من جهة الضفة".

قطاع غزة

شرع جيش الاحتلال نهاية عام 2016 بتنفيذ قرار الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، إقامة جدار ضخم على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل. وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، أن الجدار الإسمنتي هذا سيكون مختلفاً عن باقي الجدران التي أقامتها إسرائيل، لأنه سيكون في جزء كبير منه أسفل الأرض، ويمتد إلى الأعلى. ورجّح استكمال بناء الجدار نهاية العام الحالي. وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية أشارت سابقاً إلى أن الجدار سيكون بطول 60 كيلومتراً، وبتكلفة تصل إلى 570 مليون دولار أميركي. وذكرت أن الجدار، في جزئه أسفل الأرض سيتضمن مجسّات متطورة يكون بإمكانها اكتشاف حفر أنفاق  على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل. ويعمل الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة، باستثناء عطلة السبت، من أجل استكمال بناء الجدار. وحتى الآن هناك سياج حديدي يحيط بقطاع غزة، لكنه يتضمن العديد من الخروقات للقانون الدولي.

وقال مكتب "أوتشا" إن ثمة "منطقة ممنوع الدخول إليها تبعد ما بين صفر إلى 500 متر عن السياج، داخل قطاع غزة". وأضاف "ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات توغل في هذه المنطقة عدة مرات أسبوعياً، يتم خلالها تنفيذ عمليات تجريف للأراضي وتدمير أي ممتلكات توجد هناك". وأشار إلى أن هناك "منطقة عالية الخطورة" تمتد ما بين 500 إلى 1000 متر عن السياج، ويتم إطلاق النار على الأشخاص الذين يدخلون هذه المنطقة، بالإضافة إلى أن تجريف الأراضي وتدمير الممتلكات تعتبر من الممارسات الشائعة فيها، إلا أن هذه الممارسات تنفذ بصورة غير منتظمة وغير متوقعة. وتابع "تقدر الأراضي المقيد الوصول إليها، بما فيها المناطق الممنوع دخولها والمناطق عالية الخطورة، بما يقارب 62.6 كيلومترا مربعا، أي ما يمثل 17 في المائة من المساحة الكلية لأراضي قطاع غزة (365 كيلومتراً مربعاً)".


حدود مصر

في يناير/كانون الثاني 2010، قررت الحكومة الإسرائيلية، برئاسة نتنياهو، إقامة سياج على طول حدودها مع مصر، وتم الشروع بإقامته في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته. وكانت إسرائيل بررت آنذاك إقامة السياج الحديدي، الذي تتخلله مجسات إلكترونية وكاميرات وأبراج مراقبة، بوقف تسلل المهاجرين الأفارقة إليها. ولاحقاً، اعتبرت أن من شأنه منع تسلل مسلحين من سيناء. واستناداً إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن السياج يمتد من رفح إلى إيلات على البحر الأحمر، بطول 245 كيلومتراً وبارتفاع 6 أمتار، وبتكلفة تصل إلى 450 مليون دولار أميركي. وتم استكمال إقامته في العام 2013.

حدود الأردن

شرعت إسرائيل بإقامة سياج حديدي على الحدود مع الأردن، في سبتمبر/أيلول 2015. وذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن السياج على الحدود الجنوبية الشرقية مع الأردن هو بطول 30 كيلومتراً، قرب إيلات حيث يجري بناء مطار، مشيرة إلى أن الهدف من السياج هو حماية المطار. وذكرت أن السياج يشمل أبراج مراقبة ومعدات متقدمة بتكلفة تصل إلى 85 مليون دولار أميركي. ويتضمن سياجاً ضخماً بارتفاع 30 متراً لمسافة 4.5 كيلومترات لحماية المطار.

حدود لبنان
في مايو/أيار 2017 شرع الاحتلال في إقامة سياج بارتفاع 6 أمتار في المنطقة الممتدة من رأس الناقورة وحتى إصبع الجليل على الحدود مع لبنان. وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" آنذاك أن السياج يمتد لعدة كيلومترات، وبتكلفة تصل إلى 29 مليون دولار أميركي، موضحة أن السياج الجديد هو تطوير لسياج تمت إقامته في ثمانينيات القرن الماضي. وبررت إسرائيل إقامة السياج بالدوافع الأمنية لمنع عمليات تسلل من لبنان. وكان إدرعي قال، مؤخراً، "بدأنا بإقامة الجدار الجديد على حدود لبنان وسيتم استكماله. لا أدري إذا ما كان سيتم ذلك في 2018، لكنه سيُستكمل في الفترة المقبلة". وانتقد لبنان القرار، إذ قرر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، أخيراً، "اتخاذ كل الإجراءات لمنع إسرائيل من إقامة جدار فاصل في مناطق يتحفظ عليها لبنان على حدوده الجنوبية". وذكر المجلس، في بيان، أن الجدار، الذي تنوي إسرائيل إقامته على الحدود عند النقاط الـ 13 التي يتحفظ لبنان عليها، "خرق للقرار الأممي 1701".

سورية
تعهد نتنياهو في يناير/كانون الثاني 2013 بإقامة سياج ما بين سورية ومرتفعات الجولان المحتلة، مشيراً إلى أن السياج سيكون بارتفاع 5 أمتار. وأعلن نتنياهو، في سبتمبر/أيلول 2015، أن حكومته شرعت بالفعل في إقامة السياج، من دون تقديم مزيد من التفاصيل عن تكاليفه.

الدوافع والوضع القانوني

وأرجع مدير مركز أبحاث الأراضي (غير حكومي)، جمال العملة، بناء إسرائيل لتلك الجدران والأسيجة الأمنية إلى هاجس الخوف الذي يسيطر عليها. وقال "الإسرائيليون يعيشون أزمة داخلية وحالة رعب أمني، والقيادة الإسرائيلية، تسعى دائماً لوضع الإسرائيليين تحت هاجس أمني بأنهم مستهدفون دائماً من الفلسطينيين، ولتثبت نفسها كقيادة تحاول أن تحميهم بشتى الوسائل". وأضاف "ليس ثمة أي قانون يسمح لدولة الاحتلال، أو أي نظام حاكم في أي دولة، أن يبني جدراناً لفصل السكان عن بعضهم. الجدران توصل لحالة فصل عنصري، وعلى أرض الواقع إسرائيل نظام عنصري". ورأى أن الجدران التي تبنيها إسرائيل، ستسبب توتراً بالعلاقات مع الدول المحيطة بها، لا سيّما الأردن. وأشار إلى أن الحدود والجدران التي تبنيها إسرائيل "تشعل مزيجاً من الخلافات والأحقاد في المنطقة، وتثبت أن هذا الكيان الموجود بالعالم العربي، هو جسم غريب ويريد أن يبقى غريباً، ولا يرغب بالسلام والاندماج". واستبعد العملة أن ترسّم إسرائيل حدودها بهذه الجدران. وقال "إسرائيل قائمة على التوسع والأطماع، ومهمتها تفتيت الدول العربية المجاورة، لذلك تظل بلا حدود". وأشار إلى أن "إسرائيل هي الدولة الوحيدة بالعالم التي ليس لها حدود، ولا تملك دستوراً، لأن الدستور يتطلب تحديد الشعب والحدود، لكنها حتى الآن لا تعلم من هم شعبها ولا ما هي حدودها". وتابع "إسرائيل دولة أطماع تستهدف المنطقة العربية برمتها".

(الأناضول)

المساهمون