في هذا السياق، يؤكّد مصدر قضائي في وزارة العدل المصرية، أنّ "جميع قيادات لجنة استرداد الأموال، وفي مقدمتهم النائب العام، ومساعد وزير العدل للتعاون الدولي، أصبحوا يضربون أخماساً في أسداس، لأن كلام المسؤول السويسري أغلق الباب عملياً أمام استعادة ملّيم واحد". ويدحض كلام المصدر القضائي البيانات الرسمية التي خرجت من الجانبين تتحدث عن "الاتفاق على تجديد المحادثات والحرص على ردّ الأموال واستغلال الأحكام القضائية الأخيرة التي صدرت ضد مبارك ونجليه".
ويشرح المصدر في وزارة العدل ذلك لـ"العربي الجديد" قائلاً، إنّ "النائب العام السويسري أبلغنا بشكل صريح أن جميع التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة منذ فبراير/شباط 2011، وقضاة التحقيق في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن أموال مبارك ورموز نظامه، تركّزت على الجرائم التي ارتكبت بهذه الأموال، وليس الجرائم التي ارتكبها هؤلاء ليحصلوا عليها. أي أن التحقيقات تعاملت مع الأموال الخاصة بهؤلاء، كحقيقة واقعة ليست محل تحقيق، بما في ذلك قضية القصور الرئاسية التي صدر فيها حكم ضد مبارك ونجلَيه بالسجن وردّ نحو 150 مليون جنيه".
ويضيف المصدر ذاته، "أخبرنا لوبير أنّ القانون الجديد الساري في بلاده يشترط لرد الأموال المودعة في البنوك السويسرية، أن يكون أصحابها متهمين أو مدانين في جرائم مالية، تحصّلوا من خلالها على هذه الأموال، كالاختلاس، والتزوير، وغسل الأموال، وتجارة المخدرات والأسلحة، أو منخرطين في تشكيل عصابي لسرقة الأموال أو الإرهاب أو الاختلاس من أموال الدولة". ويذكر المصدر القضائي، أنّ "القضيتَين الوحيدتَين اللتَين ينطبق عليهما وصف النائب العام السويسري هما، قضية التلاعب بالبورصة التي لا تزال متداولة أمام محكمة الجنايات، والمتهم فيها كل من علاء وجمال مبارك وآخرون، وقضية التلاعب بأسعار الحديد واحتكاره التي صدر فيها حكم البراءة لرجل الأعمال أحمد عز".
ويؤكد هذا المصدر، أنّه "بناء على هذا الواقع الجديد، فإن جميع الأحكام التي صدرت أو ستصدر بحق مبارك ونجلَيه ورموز نظامه في قضايا أخرى، لن تردّ الأموال المهرّبة إلى سويسرا. ويبقى الأمل معلّقاً فقط على القضايا المكدّسة في أدراج جهاز الكسب غير المشروع، ضد جميع المسؤولين في نظام مبارك سواء كانوا في الحكومة أو الحزب الوطني المنحل، وهي جميعها قضايا مجمّدة، لم تتحرك قضائياً إلاّ لعدد ضئيل من المسؤولين، ولم تصدر في أي من هذا العدد أحكام بالإدانة".
مصر: تأجيل محاكمة مبارك في قضية قتل المتظاهرين
ويشير مراقبون، إلى أنّه "أمام هذا الواقع، أصبحت القضية معقّدة وتهدّد بفقدان أموال الشعب المصري التي هرّبها نظام مبارك إلى الأبد. فجهاز الكسب غير المشروع، وهو الوحيد المختص حالياً بالتحقيق في أصول الأموال المهربة، أصبح على رأسه أحد القضاة الذين أشرفوا على التحقيقات المعيبة التي لم تسفر عن شيء طوال 5 سنوات، وهو عادل السعيد، المقرّب من وزير العدل أحمد الزند، والذي كان مساعداً للنائب العام الأسبق عبدالمجيد محمود".
وما يزيد الأمر سوءًا، أنّ قانون الكسب غير المشروع الجديد الذي أصدره الرئيس المصري الحالي، عبدالفتاح السيسي يتيح التصالح أمام جميع المتهمين بمجرد رد الأموال محل التحقيق، أثناء التحقيقات. كما يتيح لهم ردها بالإضافة إلى غرامة مخفّضة في الفترة الفاصلة بين انتهاء التحقيقات وبدء محاكمتهم. الأمر الذي يجعل من المستحيل عملياً توجيه الاتهام لأي مسؤول سابق بالكسب غير المشروع، لأنه سيخرج من القضية بريئاً تماماً بمجرد رده المبلغ المالي محل التحقيق، حتى وإنْ كان أقل بكثير من الأموال التي زادت ونمت في البنوك المصرية أو السويسرية أو في أي مشروع آخر حول العالم، بحسب هؤلاء المراقبين.
ويتبين من ذلك، أن النظام المصري الجديد بتشريعاته المتصالحة مع رجال الأعمال الفاسدين، ورموز نظام مبارك، بالإضافة إلى ضعف التحقيقات القضائية نتيجة لأخطاء أو سوء نية، قد أنهى تقريباً أي أمل لاستعادة الأموال المهرّبة، على الرغم من المخصصات المالية الكبيرة التي تحصّلت عليها لجان الحكومة والقضاة لاسترداد هذه الأموال.
وأصدر السيسي صيف 2015، قراراً بقانون لإنشاء لجنة قومية جديدة لاسترداد الأموال المهرّبة، وجعل رئيسها النائب العام. وقدّمت اللجنة الجديدة 10 طلبات لاسترداد الأموال من سويسرا. وأكّد الجانب السويسري مراراً، أنّ الأموال المتحفّظ عليها تخصّ 14 شخصاً من رموز نظام مبارك، لكنها لن تُسلّم إلى مصر بسبب عدم وجود أحكام قضائية باتة ضدهم.
وكان باعتقاد الوسط القضائي، أن الأحكام القضائية المطلوبة هي بشأن إدانة هؤلاء المسؤولين بأية جريمة، وذلك حتى أوضح النائب العام السويسري الشروط القانونية المطلوبة في هذه الأحكام خلال زيارته الأخيرة.
اقرأ أيضاً عودة برلمان مبارك: الكل يوافق