سوليمه..

16 مايو 2014
+ الخط -
قد نكون الشعب الوحيد في العالم الذي يلحن في تهجية كلمة سينما. تتحول هذه الكلمة العابرة للغات في اللسان المغربي "سوليمه". يقول بعضنا إنها اللكنة المغربية، مثل حروف في برنامج تعليمي شهير، تدخل على الكلمات فتمسخ ما تشاء إلى ما تريد. والحق أن اللحن يهون، حين يمس اللفظ فحسب، أعني، حين يتسرب إلى اللغة المنطوقة. لكنه يصير أشد خطراً، حين يتسرب إلى اللغة السينمائية ذاتها، أي حين يصيب الفيلم في شكله السينمائي، وبنائه الدرامي في مقتل! كنت أتساءل منذ زمن بعيد عن السر (الإبداعي) الكامن وراء عشق مخرجينا الغموض المبهم غير المبرر فنياً، وولعهم بالنهايات غير المكتملة، وتوظيفهم الإضاءة الخافتة والموسيقى الرتيبة في أفلامٍ كثيرة، أنتجت قبل منتصف التسعينات من القرن الماضي. ثم صرت أضرب الأخماس في الأسداس، لعلني أفهم لِمَ صارت أفلامنا تطرح، في السنوات الأخيرة، مواضيع مستهلكة، وفق تصوراتٍ إخراجية، تتوسل، بأدواتٍ فنيةٍ، ينقلها اللاحقون عن السابقين. سمها خلطة سينمائية، لا تتغير سوى من حيث مقادير الواقعية المغرقة في السوداوية والحوارات العامرة بالكلمات النابية والمشاهد الجريئة. 
ولن تعدم، بعد ذلك، الوسائل لتسلط أضواء كاميراتك على الهامشي والفلكلوري والنشاز في حياتنا، ثم تصدح ملء الشاشة أن ما تقدم سينما تعكس الواقع. وستجد، بلا ريب، من يصفق لما تقوم به من (نسخ) للواقع و(لصق) له على الشاشة، من دون أي لمسةٍ إبداعيةٍ خاصة، تضفي بها على حكاية النسخ واللصق تلك، لوناً ونكهةً ومذاقاً. تضفي بها نكهتك وتضيف إليها ذاتك.. تبدع حين تفعل ذلك، وإلا فإن المحاكاة الحرفية للواقع أقرب إلى الفوتوغرافيا منها إلى السينما. والواقعية ذاتها لا تعني عرض الواقع على الشاشة على طريقة النسخ واللصق.. إنها تعني استيعاب هذا الواقع، ومعالجته سينمائياً. وهي، في جميع الأحوال، لا تعدو أن تكون ذاك الإحساس الذي ينخلق في أعماقك، ويخبرك أن ما تشاهد يعنيك بشكل ما، ويستحق المشاهدة تبعاً لذلك.
ثمّة مقولة تتكرر كثيراً، حين يثار النقاش بشأن السينما. يقولون إن السينما المغربية ينبغي أن تؤدي دور المرآة، حتى يرى فيها المغربي وجهه وعيوبه. وفي هذا الرأي وجاهة، غير أن المرآة حين لا تكون صقيلة بما يكفي لا تعكس الصورة الحقيقية، بل ما يشبه (ويشوه أحياناً) هذه الصورة. والفيلم السينمائي، حين تعوزه الفنية الجمالية، يصبح كل شيء، إلا أن يكون فيلماً سينمائياً. وما أكثر من يتصدون لهذا الفن، شأن فنون كثيرة غيره، ممن لا يربطهم به سوى الخير والإحسان. وتلك معضلة أخرى من معضلات السينما في المغرب. وذلك، بلا ريب، من أسباب كساد سوق النقد السينمائي عندنا. يزيد من بوارها، للأسف الشديد، أن نقاداً لا يتورعون عن تسمية أغلب المكتوبات حول الأفلام المغربية انطباعات، لا نقداً، وخواطر ذاتية، لا تمحيصاً فنيا للفيلم. سمّها عقدة، بلا مواربة ولا التواء، فإن بعض نقادنا يزعمون أنهم يمتلكون (السر المكنون المخفي عن عوام الناس) للنقد السينمائي وأدواته. ثم اضحك، بعدها، إن طاوعك الضحك، من انشغالنا بالسفاسف وصغائر الأمور، فيما يبدع الآخرون، ويزاحمون بالأكتاف في المهرجانات السينمائية، ذات الصيت العالمي.     
    
    
     
 
   
   
   


 

602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
سمير بنحطة (المغرب)
سمير بنحطة (المغرب)