أولويات صحافيّة

31 يناير 2015
+ الخط -

وسط هذا الكم الهائل من الجرائد والمجلات والمطبوعات، تبحث عن الخبر فلا تكاد تجده. يضيع الخبر في ثنايا التفاصيل المكرورة، والبحث اللاهث عن الإثارة ترويجاً وصناعة. ومن المفارقة اللافتة أن الخبر آخذ في التراجع إلى الصف الثاني والثالث، في زمن يسميه الناس "عصر المعلومة".

تدرك عين الخبير أن هذا الكم من المعلومات المتدفقة، لا يقدم أخباراً مستجدة، تحترم معايير الصنعة، إلا من حيث الإشارة العابرة، المخلوطة بالتعليق والتحليل، وإضافة الحاشية المسهبة على المتن المختصر! وعلى الرغم من أن العالم اليوم يحفل بالأحداث المتوالدة، فإن صياغة هذه الأحداث على الورق، أو عبر وسائط الاتصال الأخرى، قلّما تتم في قالب إخباري، يحترم أبجديات الخبر الصحافي، في الصحافة العربية على الأقل!

نتفق، بدايةً، على أن وظيفة الصحافة في المقام الأول هي الإخبار. لا يبحث الناس في الجريدة، مثلاً، عن الترفيه والتثقيف، بقدر ما يبحثون عن المعلومة مصهورة في بوتقة الصيغة الصحافية، أعني الخبر. وتبدو هذه العملية بسيطة ومركّبة في آن: يقدم الصحافي شهادته عن حادث شهده، أو استقى معلومات عنه، ويحكي، ببساطة شديدة، ما رأى وما سمع!

لكن هذه المهمة اليسيرة، هكذا تبدو، محفوفة بالمزالق، فمكمن الخطر يتصل بما أسميه "السلطة التقديرية" التي يحوزها الصحافي، ما أن يرصد حدثاً ويكتب عنه. أعني أن ثمة مهمة أكثر تعقيداً، يتولى إنجازها الصحافي، حين يقسم أطوار القصة، الماثلة تحت سمعه وبصره، إلى "فصول" مهمة، وأخرى أكثر أهمية، وثالثة، يمكن توظيفها، إذا اقتضى سياق الحدث ذلك.

دعك من مفهوم الخط التحريري الذي قد يرغم الصحافي على اختيار أتفه "فصول" الحدث ليسلّط عليه الأضواء، فتلك حكاية أخرى. وهو ليس سبّة على جبين محترف الصحافة، على كل حال، فالصحافي النابه يحرص، ما أمكنه ذلك، على التوفيق بين مقتضيات المهنية وزاوية المعالجة التي يفرضها الخط التحريري للمؤسسة التي يشتغل بها.

على أن السلطة التقديرية التي يقيّم بها الصحافي الحدث ليست "سلطة مطلقة". إنها تخضع، قبل أي شيء، للحدث نفسه ودواعيه وسوابقه ولواحقه وللمشهد العام الذي يتحرك في أرجائه. وهنا، تستنفد المقاربة التقنية أغراضها وينفسح المجال واسعاً لشيء آخر، أكثر عمقاً هو "الخلفية الثقافية".

الصحافي الذي لا يمتلك رصيداً وافياً عن الحدث في امتداداته الزمنية، وعن جذوره ومآلاته، لا يمكن أن يقدم منتوجاً جيداً، وإن امتلك ناصية "تقنيات التحرير"، كما تعلّمها في معاهد الصحافة في بلادنا العربية. أقصد، بكلمة، أن الصحافي الذي لا يقرأ، بالمعنى الواسع للفعل، صحافي فاشل، وإن أجهد الروح والقلب والأعصاب.

602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
602C815A-56D4-493E-A00F-C56E675B9A74
سمير بنحطة (المغرب)
سمير بنحطة (المغرب)