لا يزال النظام السوري يتبع سياسة الكيل بمكيالين تجاه المواطنين. ولعل آخر فصول النظام، بعد اتباعة التجويع حتى التركيع، ملاحقة المصارف الحكومية المعارضين وغض النظر نوعاً ما عن رجال الأعمال المقرّبين من السلطة.
الجميع بات يعلم حجم تعثر سداد القروض، وخاصة أن معظم المقترضين أعلنوا إفلاساتهم وهربوا إلى الخارج بعد تدمير منشآتهم.
بدأت المصارف الحكومية في سورية أخيراً (المصرف الصناعي، المصرف الزراعي، مصرف التسليف الشعبي)، بمطالبة المقترضين المتعثرين، حيث يشكل الصناعيون والتجار النسبة الأكبر منهم، وذلك في محاولة لتحصيل أكثر من 100 مليار ليرة سورية لم تعرف طريقها إلى خزائن تلك المصارف.
في المقابل، تحاول المصارف السورية، ومن أجل استرداد الأموال، بث نوع من الإشاعات الكاذبة، وذلك من خلال الحديث عن تحسن الإيداعات ومعدلات السيولة لديها من جهة، وأن القروض المتعثرة تعود إلى العام 2006، حيث تسبب "شح الأمطار" حينها في إفلاس مشاريع كثيرة في تلك الفترة، أكثر من كونها عائدة إلى الدمار الواسع الذي أحدثه النظام السوري بالبلاد والاقتصاد.
الا أن اللافت في هذا الإطار، أن المصارف الحكومية بدأت تشد الخناق على بعض المتعثرين والذين ينتمون بمعظمهم إلى الفئات المعارضة خصوصاً، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام.
يؤكد مصدر في المنتدى الاقتصادي السوري، لـ"العربي الجديد"، أن الأسباب الرئيسية لأزمة المقترضين المتعثرين ترتبط "بالوضع الاقتصادي البائس الراهن الذي تعيشه سورية. إذ أدت الحرب إلى دمار عشرات آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي نشأت بشكل أساسي وهي تتكئ على القروض، فخسرت كل شيء ولم يعد ممكناً تسديد الأقساط، فضلاً عن المشاريع الكبيرة التي أفلست، أو تلك التي غادرت البلاد. وبحسب المصدر، فإن للأزمة أيضاً أبعاداً سياسية ترتبط بمعارضة بعض رجال الأعمال لنظام الأسد، حيث يمارس النظام عليهم شتى أنواع الضغوط.
مصالح متشابكة
تشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من رجال الأعمال المؤيدين للنظام والمقيمين في الخارج يمتنعون عن سداد القروض التي حصلوا عليها بصورة رئيسية من المصارف العامة، كرجل الأعمال السوري نبيل الكزبري، الذي يرتبط بصداقة حميمة مع رجل الأعمال رامي مخلوف، ما أدى في العام 2011 إلى إدراج اسمه على لائحة العقوبات الأميركية، قبل رفع العقوبات عنه في شهر نيسان/ أبريل من العام الماضي. كذلك هو الحال مع رجل الأعمال البارز ورئيس اتحاد غرف الصناعة السورية سابقاً عماد غريواتي، الذي يمتنع عن تسديد مليارات الليرات إلى المصارف الحكومية والخاصة على السواء.
الحكومة السورية، وفي محاولة منها لمساعدة المصارف الحكومية التي تعاني من أزمة حادة بسبب انخفاض السيولة وتفاقم نسبة القروض المتعثرة، أقرت العام الماضي قانوناً يشجع المقترضين على السداد من خلال إعادة جدولة القروض المتعثرة، بحيث يتم "الإعفاء من كامل فوائد التأخير والغرامات غير المسددة لغاية تاريخ توقيع اتفاق الجدولة".
وبحسب التصريحات الرسمية، تقدّر قيمة القروض المتعثرة في "المصرف الصناعي" بنحو 20 مليار ليرة. أما القروض المتعثرة في "المصرف الزراعي"، فهي الأكبر وتقدّر بأكثر من 71 مليار ليرة. وتعيد رواية المصرف الزراعي السبب في ذلك إلى "موجة الاحتباس المطري"، التي جففت نسبة كبيرة من المحاصيل في الفترة الممتدة بين 2004-2007. أما المصارف الخاصة، فيقدّر خبراء مصرفيون نسبة القروض المتعثرة لديها بنحو 10% من إجمالي قروضها، أي ما يقارب 250 مليار ليرة سورية.
فقاعات إعلامية
نقلت صحف حكومية أخيراً عن مصادر في مصرف سورية المركزي، أن معدل سيولة المصارف قد شهد تحسّناً مستمراً مع ارتفاع معدل الإيداعات لديها، وأن عمليات تحصيل القروض المتعثرة تحقق تقدماً ملحوظاً. وهو ما استدعى الحديث عن دراسة عودة منح "القروض التشغيلية للقطاعات الإنتاجية" من قبل المصارف العامة، حيث كان الإقراض عبر تلك المصارف، فضلاً عن أن الإقراض من قبل المصارف الخاصة قد توقف تماماً بعد اندلاع الثورة بنحو عام.
لكن المصدر في المنتدى الاقتصادي السوري يضع التصريحات الحكومية في خانة "الفقاعات الإعلامية"، ويؤكد على أن الحكومة "مقيّدة بصورة كبيرة، في ما يخص السياسة النقدية والمالية، ولا يمكنها القفز فوق الواقع كما تفعل من خلال التصريحات". وفيما تشير تقارير إلى الحاجة الملحة للمصارف السورية لكي تعاود منح القروض من أجل تحقيق الأرباح بدلاً من الاكتفاء بقبول إيداعات ودفع فوائد كبيرة عنها.
يؤكد الخبير المصرفي آدم يوسف، لـ"العربي الجديد"، على أن "ارتفاع أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية وضع ورقة رابحة جداً في أيدي المصارف وهي "إعادة تقييم القطع البنيوي"، والذي يسمح للمصارف بتقييم ما تحوزه من وحدات السحب من العملات الصعبة والأجنبية بالسعر المقابل له في السوق الحالي. هكذا تحقق المصارف أرباحها من خلال القطع الأجنبي الذي تملكه وليس من عملياتها التشغيلية المرتبطة بالائتمان والإقراض".
يؤكد يوسف تلك الحقيقة المرتبطة بعمل المصارف من خلال إبراز بعض بيانات أحد المصارف العاملة في سورية. وتوضح البيانات أن أحد المصارف حقق في العام 2012 أرباحاً من إعادة تقييم القطع الأجنبي تفوق ما حققه في العام 2011 بنحو 2.5 مرة، وذلك بسبب تذبذب أسعار صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.
ويشير يوسف إلى أن بيئة العمل المصرفي "لها خصوصية وحساسية عالية تجاه المخاطر الائتمانية والمالية، سواء كانت الأزمة هي أزمة ديون لدى القطاعات المصرفية، أو أزمة سياسية، كما هو الحال في سورية اليوم، وهو ما يجعل حدوث انتعاش اقتصادي في هذا القطاع مستبعداً".
من جهتها، تحاول الحكومة السورية إنعاش الآمال بتحسن المستقبل الاقتصادي للبلاد وتعافي القطاع المالي والنقدي الذي تلقى ضربة قوية بعد الانهيار الاقتصادي في ظل الحرب، لكنها تصطدم بحقائق عديدة. ومن تلك الحقائق التي أعلن عنها أخيراً، والتي تؤكد حجم أزمة الديون المتعثرة هي أن المصرف الصناعي، وفي محاولة لتحصيل قروضه، تقدم بنحو 11 ألف دعوى قضائية بحق الملاحقين لسداد القروض المترتبة عليهم، وإن المرسوم الحكومي الأخير، الذي يشجع المقترضين على تسوية ديونهم، قد ساهم في تسوية نحو 390 قرضاً للمصرف الصناعي بقيمة تقارب 1.5 مليار ليرة فقط من أصل 20 مليار ليرة سورية.
إقرأ أيضا: إجماع عربي: الشهادات الجامعية لا تصلح لشيء
بدأت المصارف الحكومية في سورية أخيراً (المصرف الصناعي، المصرف الزراعي، مصرف التسليف الشعبي)، بمطالبة المقترضين المتعثرين، حيث يشكل الصناعيون والتجار النسبة الأكبر منهم، وذلك في محاولة لتحصيل أكثر من 100 مليار ليرة سورية لم تعرف طريقها إلى خزائن تلك المصارف.
في المقابل، تحاول المصارف السورية، ومن أجل استرداد الأموال، بث نوع من الإشاعات الكاذبة، وذلك من خلال الحديث عن تحسن الإيداعات ومعدلات السيولة لديها من جهة، وأن القروض المتعثرة تعود إلى العام 2006، حيث تسبب "شح الأمطار" حينها في إفلاس مشاريع كثيرة في تلك الفترة، أكثر من كونها عائدة إلى الدمار الواسع الذي أحدثه النظام السوري بالبلاد والاقتصاد.
الا أن اللافت في هذا الإطار، أن المصارف الحكومية بدأت تشد الخناق على بعض المتعثرين والذين ينتمون بمعظمهم إلى الفئات المعارضة خصوصاً، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام.
يؤكد مصدر في المنتدى الاقتصادي السوري، لـ"العربي الجديد"، أن الأسباب الرئيسية لأزمة المقترضين المتعثرين ترتبط "بالوضع الاقتصادي البائس الراهن الذي تعيشه سورية. إذ أدت الحرب إلى دمار عشرات آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي نشأت بشكل أساسي وهي تتكئ على القروض، فخسرت كل شيء ولم يعد ممكناً تسديد الأقساط، فضلاً عن المشاريع الكبيرة التي أفلست، أو تلك التي غادرت البلاد. وبحسب المصدر، فإن للأزمة أيضاً أبعاداً سياسية ترتبط بمعارضة بعض رجال الأعمال لنظام الأسد، حيث يمارس النظام عليهم شتى أنواع الضغوط.
مصالح متشابكة
تشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من رجال الأعمال المؤيدين للنظام والمقيمين في الخارج يمتنعون عن سداد القروض التي حصلوا عليها بصورة رئيسية من المصارف العامة، كرجل الأعمال السوري نبيل الكزبري، الذي يرتبط بصداقة حميمة مع رجل الأعمال رامي مخلوف، ما أدى في العام 2011 إلى إدراج اسمه على لائحة العقوبات الأميركية، قبل رفع العقوبات عنه في شهر نيسان/ أبريل من العام الماضي. كذلك هو الحال مع رجل الأعمال البارز ورئيس اتحاد غرف الصناعة السورية سابقاً عماد غريواتي، الذي يمتنع عن تسديد مليارات الليرات إلى المصارف الحكومية والخاصة على السواء.
الحكومة السورية، وفي محاولة منها لمساعدة المصارف الحكومية التي تعاني من أزمة حادة بسبب انخفاض السيولة وتفاقم نسبة القروض المتعثرة، أقرت العام الماضي قانوناً يشجع المقترضين على السداد من خلال إعادة جدولة القروض المتعثرة، بحيث يتم "الإعفاء من كامل فوائد التأخير والغرامات غير المسددة لغاية تاريخ توقيع اتفاق الجدولة".
وبحسب التصريحات الرسمية، تقدّر قيمة القروض المتعثرة في "المصرف الصناعي" بنحو 20 مليار ليرة. أما القروض المتعثرة في "المصرف الزراعي"، فهي الأكبر وتقدّر بأكثر من 71 مليار ليرة. وتعيد رواية المصرف الزراعي السبب في ذلك إلى "موجة الاحتباس المطري"، التي جففت نسبة كبيرة من المحاصيل في الفترة الممتدة بين 2004-2007. أما المصارف الخاصة، فيقدّر خبراء مصرفيون نسبة القروض المتعثرة لديها بنحو 10% من إجمالي قروضها، أي ما يقارب 250 مليار ليرة سورية.
فقاعات إعلامية
نقلت صحف حكومية أخيراً عن مصادر في مصرف سورية المركزي، أن معدل سيولة المصارف قد شهد تحسّناً مستمراً مع ارتفاع معدل الإيداعات لديها، وأن عمليات تحصيل القروض المتعثرة تحقق تقدماً ملحوظاً. وهو ما استدعى الحديث عن دراسة عودة منح "القروض التشغيلية للقطاعات الإنتاجية" من قبل المصارف العامة، حيث كان الإقراض عبر تلك المصارف، فضلاً عن أن الإقراض من قبل المصارف الخاصة قد توقف تماماً بعد اندلاع الثورة بنحو عام.
لكن المصدر في المنتدى الاقتصادي السوري يضع التصريحات الحكومية في خانة "الفقاعات الإعلامية"، ويؤكد على أن الحكومة "مقيّدة بصورة كبيرة، في ما يخص السياسة النقدية والمالية، ولا يمكنها القفز فوق الواقع كما تفعل من خلال التصريحات". وفيما تشير تقارير إلى الحاجة الملحة للمصارف السورية لكي تعاود منح القروض من أجل تحقيق الأرباح بدلاً من الاكتفاء بقبول إيداعات ودفع فوائد كبيرة عنها.
يؤكد الخبير المصرفي آدم يوسف، لـ"العربي الجديد"، على أن "ارتفاع أسعار صرف الدولار أمام الليرة السورية وضع ورقة رابحة جداً في أيدي المصارف وهي "إعادة تقييم القطع البنيوي"، والذي يسمح للمصارف بتقييم ما تحوزه من وحدات السحب من العملات الصعبة والأجنبية بالسعر المقابل له في السوق الحالي. هكذا تحقق المصارف أرباحها من خلال القطع الأجنبي الذي تملكه وليس من عملياتها التشغيلية المرتبطة بالائتمان والإقراض".
يؤكد يوسف تلك الحقيقة المرتبطة بعمل المصارف من خلال إبراز بعض بيانات أحد المصارف العاملة في سورية. وتوضح البيانات أن أحد المصارف حقق في العام 2012 أرباحاً من إعادة تقييم القطع الأجنبي تفوق ما حققه في العام 2011 بنحو 2.5 مرة، وذلك بسبب تذبذب أسعار صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.
ويشير يوسف إلى أن بيئة العمل المصرفي "لها خصوصية وحساسية عالية تجاه المخاطر الائتمانية والمالية، سواء كانت الأزمة هي أزمة ديون لدى القطاعات المصرفية، أو أزمة سياسية، كما هو الحال في سورية اليوم، وهو ما يجعل حدوث انتعاش اقتصادي في هذا القطاع مستبعداً".
من جهتها، تحاول الحكومة السورية إنعاش الآمال بتحسن المستقبل الاقتصادي للبلاد وتعافي القطاع المالي والنقدي الذي تلقى ضربة قوية بعد الانهيار الاقتصادي في ظل الحرب، لكنها تصطدم بحقائق عديدة. ومن تلك الحقائق التي أعلن عنها أخيراً، والتي تؤكد حجم أزمة الديون المتعثرة هي أن المصرف الصناعي، وفي محاولة لتحصيل قروضه، تقدم بنحو 11 ألف دعوى قضائية بحق الملاحقين لسداد القروض المترتبة عليهم، وإن المرسوم الحكومي الأخير، الذي يشجع المقترضين على تسوية ديونهم، قد ساهم في تسوية نحو 390 قرضاً للمصرف الصناعي بقيمة تقارب 1.5 مليار ليرة فقط من أصل 20 مليار ليرة سورية.
إقرأ أيضا: إجماع عربي: الشهادات الجامعية لا تصلح لشيء