يشعر العديد من اللاجئين السوريين بالتضامن مع الحراك الاجتماعي في لبنان، لا سيما أنّهم ضحية القوانين المقيدة وعرضة لعداء بعض فئات الشعب. وبينما يؤيدهم بعض المتظاهرين اللبنانيين يطالب السياسيون برحيلهم
"يسعدني أن أرى الشعب اللبناني معتزاً بهويته. هذا أمر قد يجعلني في المستقبل أتقبل فكرة البقاء في هذا البلد". هذا ما يقوله لنا مجد ، شاب سوري من أصل دمشقي عمره 24 عاماً، التقيناه في إحدى التظاهرات.
استقر مجد في بيروت منذ أكثر من عام، ريثما يستطيع الذهاب إلى ألمانيا، حيث يأمل متابعة دراسته. وكان قد وصل إلى لبنان مع حوالي مليون لاجئ منذ بداية الأحداث في سورية، أي منذ ثماني سنوات تقريباً، وما زالوا جميعاً لاجئين على الأراضي اللبنانية، بحسب السلطات. ولقد استطاع مجد الحصول على إقامة وإجازة عمل في حين أنّ ثلثي مواطنيه يعيشون من دون الأوراق الضرورية، ويعملون بشكل غير رسمي. "أدرك تماماً أنّ حياتي أفضل من غالبية السوريين الذين يعيشون هنا" يقول الشاب "لكنّني أنزل إلى الشارع اليوم من أجلهم أيضاً".
تحشد التظاهرات الجماهيرية، منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعداداً استثنائية من فئات الشعب اللبناني كافة، من الشمال الى الجنوب. وترى تاميراس فاخوري، أستاذة ومديرة معهد العدالة الاجتماعية وحل النزاعات، في الجامعة اللبنانية الأميركية أنّ "المواطنين اللبنانيين استطاعوا أن يظهروا مجدداً على شكل شعب يطالب النخب السياسية بأن تأخذه في الحسبان، بعدما تجاهلته وهمشته وحرمته من حقوقه لعقود من الزمن. ويتهم المحتجون الطبقة السياسية بالفساد وبسوء إدارة الأموال العامة، ما تسبب بأزمة اقتصادية ومالية جسيمة تسببت بنكبة للبنان.
"أهلاً باللاجئين"
تزعم الحكومة، رداً على هذه الاتهامات، أنّ سبب المأزق الاقتصادي هي الحرب في سورية وما نتج عنها من نزوح للسكان ليصبح لبنان البلد الذي يستقبل أكبر عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.
"هذا مجرد تضليل" تقول خديجة بسخط وهي تمسك بالميكروفون. وخديجة ممرضة خمسينية أتت من صور في جنوب لبنان، لتشارك بالتجمعات في العاصمة. على مسافة عشرات الأمتار من الحافلة التي يتناوب فيها المتحدثون أمام الجمهور المحتشد في ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، يهتف عدد من المتظاهرين شعارات على إيقاع أغنية: "حرقوا البحر وجرفوا التل، وحرّضونا عاللاجئين، سرقوا الشغل ونهبوا الوطن، وكبّوها عاللاجئين (رموا اللوم على اللاجئين)". وفيما يتسارع الإيقاع ويعلو الحماس، يصدح المتظاهرون بلازمة الأغنية المثيرة للجدل: "وأهلاً وسهلاً باللاجئين". حتى لو كان العديد من استطلاعات الرأي العام يشير الى تأييد غالبية اللبنانيين لعودة اللاجئين إلى سورية، تؤكد فاخوري من ناحيتها على التعايش السلمي مع المواطنين.
وحتى لو كان مجد قد تعرض لبعض الاعتداءات العنصرية والمعادية للأجانب فهو يشاطر المتحدثة رأيها مؤكداً: "اللبنانيون ليسوا عنصريين، بل الدولة هي العنصرية". ويتفهم مجد أن ينظر بعض العمال اللبنانيين المؤقتين إلى السوريين على أنّهم يشكلون تهديداً للقمة عيشهم. فمع نسبة بطالة تصل إلى 25 في المائة من السكان الناشطين اقتصادياً، يفضل العديد من أصحاب الأعمال استخدام العمال السوريين، المستعدين للقبول بأجور متدنية وشروط عمل أقل حماية للعامل.
"شهد وضع العمال السوريين في لبنان كثيراً من التقلبات" تقول فاخوري، مشيرةً إلى خطة مكافحة العمالة الأجنبية غير المشروعة التي وضعها وزير العمل كميل أبو سليمان في يونيو/ حزيران 2019. منذ ذلك الحين بات أصحاب العمل يترددون بتشغيل العمال السوريين خوفاً من الاضطرار لدفع غرامة قد تبلغ 2.5 مليون ليرة لبنانية أي ما يساوي 1500 يورو إذا ما انكشف أمرهم في عملية تفتيش.
وتلفت فاخوري الانتباه إلى تشديد الرقابة على دخول السوريين إلى الأراضي اللبنانية، فقد وضعت السلطات منذ 2014 حداً لسياسة "الأبواب المفتوحة" وفرضت قيوداً على الحدود وعلى تسجيل مزيد من اللاجئين من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتسارعت عملية الإغلاق هذه مع جملة من التدابير اتخذها منذ 2016 وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، وهو صهر الرئيس ميشال عون والمؤيد لعودة اللاجئين إلى سورية.
وجبران باسيل الذي تعرض لانتقادات شديدة سبقت موجة الاحتجاجات بسبب مواقفه التي يعتبرها العديد من الناس عنصرية، كان هدفاً للعديد من الشعارات التي سمعت خلال التظاهرات. كذلك، يحتل جبران باسيل صدارة الصحف ونشرات الأخبار بسبب مشاريع القوانين التي يقترحها والتصريحات المثيرة للجدل التي يدلي بها وكان آخرها، وأكثرها شهرة، ما قاله في 17 أكتوبر الماضي: "كلّ أجنبي متواجد على الأرض اللبنانية هو محتلّ، أياً كان البلد الذي أتى منه".
حذر متجذر في النفوس
التحفظ تجاه الوجود السوري في لبنان له جذور تاريخية، تمتد إلى الحرب الأهلية حين خضع بلد الأرز للاحتلال العسكري السوري حتى عام 2005، وكان انسحاب الجيش السوري الذي حض عليه القرار 1559 للأمم المتحدة قد تمّ تحت تأثير التعبئة الشعبية الواسعة إثر مقتل رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، في 14 فبراير/ شباط 2005، وتوجيه أصابع الاتهام في اغتياله إلى سورية، من دون إجراء محاكمة.
"يمكن تشبيه ما يحدث في سورية اليوم بما حدث وقتها في لبنان بعد الحرب الأهلية، حين تدخلت القوى الخارجية عبر اتفاق الطائف لتقرر مصير لبنان مكان اللبنانيين أنفسهم" هذا ما يقوله محمود، الآتي من ضواحي حلب، والخارج إلى المنفى منذ عام 2012 بعد فترة أمضاها في السجن بسبب معارضته نظام بشار الأسد. ويضيف هذا المناضل"يسعدني أن أساند اللبنانيين ضد من دمر البلد مدعياً إعادة إعماره."
القلق يساور بعض السوريين
بعد عدة أسابيع من التظاهرات يستحيل تقدير أعداد السوريين الذين شاركوا مع الجماهير. تقول سارة إنّها لم تتحرك من بيتها إطلاقاً منذ بداية الحراك: "أتيت إلى لبنان بعد سبع سنوات من الحرب، وها هي الأوضاع نفسها تتكرر". تضيف بسخط :"أين سأهرب هذه المرة، إن تدهورت الأوضاع؟".
ليست سارة وحدها في هذه الحال. رامي يعمل في مطعم أغلق أبوابه منذ بداية التظاهرات. ولم يعد لديه بصيص أمل. من ناحيته لا يفهم لماذا يتعين على السوريين أن يدافعوا عن حقوق اللبنانيين "في حين ليس لدينا نحن أدنى حق في هذا البلد، فالسوريون الذين لم يموتوا كالكلاب في سورية يعاملون هنا كالجرذان".
بدورها، تقول فاخوري: "قد تتحسن هذه الأوضاع، فإذا بلغت حركة الاحتجاج هدفها قد يُنظر عندها إلى السوريين على أنّهم مواطنون لهم حقوق ويتم التعامل معهم بحسب مبادئ القانون الدولي". لكنّها تحذر من سيناريو آخر محتمل، على ضوء خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر الماضي إذ ذكر مرتين أنّ عودة اللاجئين إلى سورية قضية أساسية بالنسبة للبنان. فهذه العودة كانت موضع تحفظ من قبل جزء من المجتمع الدولي، علماً أنّ الحكومة اللبنانية تعتمد على المجتمع الدولي لترسيخ شرعيتها في سياق الأزمة السياسية والاقتصادية الصارخة. وتعتبر فاخوري أنّه ليس من مصلحة الحكومة إجبار السوريين على العودة، وهي تسعى جاهدة لحضّهم على العودة "الطوعية" المزعومة، عبر تعقيد حياة اللاجئين السوريين لدفعهم الى البحث عن آفاق جديدة.
ومع الهجمة التركية على شمال شرق سورية، التي بدأت في 9 أكتوبر وتسببت بنزوح أكثر من 100 ألف شخص في أقل من أسبوعين، يبدو الأفق مظلماً بالنسبة للسوريين الذين لجأوا إلى بلاد الأرز، حيث المستقبل مجهول أيضاً.
(ينشر بالتزامن مع orientxxi.info)