سورية وقبول الوصاية

13 سبتمبر 2016
+ الخط -
كمن باع كرمه ليشتري معصرة، قَبِلَ كل من النظام والمعارضة السوريين هدنة الثماني والأربعين ساعة التي وفرها مهندسا الحلول الجزئية، الوزيران الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف. ليست المرة الأولى التي تُكثف فيها اللقاءات الدولية قبل مناسبات الأعياد، لاجتراح وقف نيرانٍ يعطي لمن أنهكتهم الحرب قليلاً من السلام.
تعوّل المعارضة على الدبلوماسية الأميركية، مع بعض مكاسب ميدانية حققتها بمساعدة المدفعية التركية، لاقتناص حل سياسي، ستنفَّذ بموجبه خطة انتقالية تُخرج بشار الأسد من اللعبة، فيما خيار الأسد الوحيد هو الاطمئنان بأن حلفيه الروسي لن يتخلى عنه.
لا يُفهم الغرض من منح يومين للقوى المتقاتلة على الأرض السورية قبل سريان الهدنة إلا توفير فرصة لمزيد من الموت والتدمير، ومحاولات تمدّد، قد لا تدير لها الدول راعية الاتفاق بالاً. قبل ذلك، وبما يشبه جولات المصارعة الرومانية، حيث الضربُ المباشر غير مسموح، استعاد النظام "الحلبة"، ودخل الراموسة وكليات المدفعية مجدّداً، لكنه أُجبر وفق الاتفاق، أخيراً، على جعل طريق الكاستيلو سالكاً للبضائع والسكان، ومُنِعَ من استخدام السلاح فوقه، ما يغيِّب هاجس تجدّد الحصار على الحلبيين الموجودين ضمن البقعة الشرقية المسوّرة بمليشيات الأسد، فيما يتم تجاهل نكبات مناطق أقلّ تسلحاً في حي الوعر وبلدة المعضمية.
يمرّر كيري، كلما أوتي له، عبارات من قبيل "الخطة الانتقالية" و"اتفاقات جنيف"، ويتغاضى لافروف عن الأمر، لكنه يحذّر من "المزايدات" على الوضع السوري، ويذكِّر بأن العمل المشترك هدفه القضاء على الإرهابيين، بعد فصلهم عن أولئك المعتدلين.
وفيما يخص النزاع الذي استمر سنين حول فكرة المنطقة الآمنة، فقد حسمته تركيا حين استخلصت، في الوقت الضائع الذي يسبق التفاهمات الكبرى، رقعة جغرافية واسعة بالقرب من حدودها، لتكون مأوى للاجئين السوريين الحاليين أو المحتملُ لجوءهم في قادم الأيام، خصوصاً وأن تلك المنطقة قريبة من الميدان الأكثر حيوية في الصراع، وهو حلب.
أُعلن، من جنيف، عن قبول طرفَي النزاع السوري الهدنة، جاء الخبر على لسان كل من كيري ولافروف، وفق حالةٍ بالغة الغرابة، تستدعي التساؤل عن مستوى سلطة واشنطن وموسكو التي لا تشبه بحال أسلوب الوساطات الدولية المعتمدة خلال النزاعات.
في عام 1990، كان هناك وجود فعال لوزيري شَطْرَي ألمانيا في أثناء خطة توحيدهما، إلى جانب ممثلين عن فرنسا وبريطانيا وأميركا والاتحاد السوفيتي، وعلى الرغم من أن قسمي ألمانيا كانا واقعين تحت ما يشبه الاحتلال آنذاك، إلا أن إصرار الألمان أَجبر رئيسة وزراء بريطانيا والرئيس السوفييتي، مارغريت تاتشر وميخائيل غورباتشوف، غير المتحمسين لوحدة ألمانيا، على إقراره. بخلاف ذلك، فرض الجنرال التركي مصطفى كمال أتاتورك وجودَه، ممثلاً وحيداً لتركيا، على المجتمعين في لوزان السويسرية، حين حضر الاتفاقية التي قضت بتسليمه حكم بلاده كاملاً. أما في حالة الاتفاق الراهن، فقد تنازل السوريون عن حقهم، الشكلي ربما، بالوجود. وأبدوا رضىً واعياً عن مشهد كولونيالي وقح، تمارسه الدول الكبرى في سورية، بحيث تقر وتحدّد، "من دون نشر وثائق"، ما سيتولى السوريون تنفيذَه، والأمر مفهوم، فالواقع لا يفرض حلاً سياسياً إلا من خلال سياسيين، لا تمتلكهم سورية، أو أنهم غُيِّبُوا قسراً، ليحل محلهم زعماء دول وصيةٍ، يرتجى منهم إنجاز خلاص للسوريين!
لا تريح حالة التفاهمات المرجوة من معظم السوريين كرسي بشار الأسد الذي ارتكزت قوائمه منذ بدايات الثورة على الفوضى التي أحدثها التداخل العسكري، ومن ثم الدولي، على أرض سورية، ما يعني للأسد أن سياق التفاهمات والهدن ربما سيجعل هذا الكرسي بمثابة الكبش المطلوب لإنجازها على اعتبار وجود الأسد في السلطة "غير شرعي" وتدعمه، أو تتعامل معه، مليشيات يملأ اسمها قوائم الإرهاب في العالم.
في المقابل، حال المعارضة كالقط الجائع الذي يجهد لاقتناص فراشةٍ لا تسمن ولا تغني، فقبلت هدنة يومين فقط، من دون تزويدها بمعلومات عن موعد البدء بالحل الشامل الذي سينقل سورية إلى السلام والديمقراطية.