27 سبتمبر 2019
سورية وطن الرصاص
قبل أن يتأكّد نجاح محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، أو فشلها، تطاير وابلٌ من الرصاص في اللاذقية، وفي مواقع سوريةٍ كثيرة، ففي قرية مرمريتا شاركت الدبابات في القصف الإبتهاجي، وشهد المواطن السوري الأضواء اللمّاعة للرصاص المتواصل ترسم منحنياتٍ مُضيئةً في السماء، قبل أن تستقر في مكانٍ ما، قد يكون صدر مواطن سوري أو رأسه، فالرصاص الاحتفالي يقتل كما الرصاص المُتعمد. ومات طفل في اللاذقية بسبب الرصاص الاحتفالي بالانقلاب، ضحية الابتهاج بسقوط أردوغان الذي لم يسقط. أصبح الرصاص الحي علامة الحياة في سورية، فهو يُعبر عن كل شيءٍ، عن الفرح والحزن، وعن الأعراس، سواء كانت لزفاف أو أعراس احتفاء بالشهداء (!).
أصبح تعبير الرصاص الحي الأصدق في سورية، كما لو أن الرصاص وحده يملك صفة الحياة، أما حياة المواطن السوري فلا تساوي شيئاً، وحدها حياته لم تطلها أزمة الغلاء الفاحش. ومن ينظر إلى البسطات الممتدة على طول أرصفة اللاذقية، والتي تعرض لعباً للأطفال، يُفاجأ بأن البواريد البلاستيكية مُتقنة الصنع، كأنها حقيقية، وهي اللعب الأكثر مبيعاً. كما لو أن هناك إرادة خفية أن ينشأ الأطفال على صداقة البارودة وعشقها، واعتبارها جزءاً أساسياً من الحياة، فهذا الطفل سوف يتحوّل، بعد سنوات، إلى مقاتلٍ في الجيش العربي السوري، أو ربما في جماعات "جهادية".
ومن ينظر إلى سورية نظرة بانورامية يُصاب بالذهول والذعر، ليس من وابل الرصاص الذي أصبح علامة الوجود والحياة، الأبعد ما تكون عن الحياة، بل من مظاهر عديدة مُخزية، فالاحتفالات في مناسباتٍ عديدةٍ تكون بالدبكة الإلزامية للمسؤولين، مهما كانت رتبهم، وهي ما سمتها يونغ تشانغ في روايتها "بجعات برية" رقصات الولاء الإلزامية التي كان يفرضها ماو تسي تونغ على المسؤولين الصينيين والناس، وغايتها الحط من هيبة الإنسان، وجعله أشبه بالكاراكوز أو البهاليل. وفي المشافي السورية الحكومية، كان المرضى أنفسهم يشاركون في هذه الرقصات الابتهاجية بمناسبة ذكرى الحركة التصحيحية وغيرها.
أي إذلال وتحقير للحياة أكبر من أن يصبح الرصاص الحي لغة مشاعرنا في الحزن والفرح. وثمن الرصاص المهدور في المناسبات الاحتفالية كافٍ لإنشاء محطة توليد للكهرباء، تنير الساحل السوري الذي يذلّه تقنين الكهرباء، لكن الهدر الوجودي أصبح علامة الحياة في سورية، إذ أصبح الموت الطبيعي يثير دهشة الناس، كما لو أنه نوع من الرفاهية (!)، لأن الموت برصاصة ابتهاجية أو قتالية هو السائد في حياة السوري، كل معاني الحياة مشوهة في البلاد، ويكفي أن نُلقي نظرةً على الحواجز الحدودية حال دخول الحدود السورية، حتى نجد عند كل حاجز بوطاً عسكرياً مهترئاً، وقد وضعت داخله وردة! يا لروعة الإبداع الفني الذي لم يخطر ببال أيّ من عظماء الرسامين عبر التاريخ. أي تشويه لذائقة جيل من الأطفال والشبان، حين يجدون أن رمز الوطنية والإبداع بوط عسكري في داخله وردة.
كم من طفلٍ سوريٍّ تشوّهت روحه، وأصبح يتنفس ثقافة الرصاصة والبارودة والبوط العسكري، أي خزي نحسه حين نجد أطفالاً سوريين يطلون عبر شاشات بعض الفضائيات، ويجيب الواحد منهم على سؤال عمّ يريد أن يصير في المستقبل إنه يريد أن يكون شهيداً. أصبح شكل الحياة في سورية تنويعات للموت، كما لو أن الموت علامة الوجود الحقيقية في سورية. ثمّة مبادئ لا أخلاقية، تُزرع في نفوس أطفال سورية وشبابها، حين ينشأ الطفل على ثقافة الرصاصة والبارودة والبوط العسكري، ويتمني الشهادة، حين يحسّ بتناقضٍ يعجز عن تفسيره بين العيش في ظلامٍ بسبب التقنين الشديد للكهرباء، فيدرس على ضوء الشمعة، وحين ينام جائعاً، لأن أهله لم يعد في مقدورهم شراء اللحم والفاكهة، وحتى الحليب، بسبب الغلاء الفاحش، وحين تُشوه مشاعره وردود فعله، فبدل أن ينقم على هذه الظروف، يجد نفسه مُحاصراً، وأنفاسه مقطوعة من الخوف اللاواعي، إذ يُصبح مُسيّراً، عليه الافتتان بالبوط العسكري الذي تنبع من داخله وردة، وعلى الابتهاج من زخّ الرصاص في كل المناسبات.
أطفال سورية ضحايا القيم المعادية للحياة في بلدهم، لكنهم لا يملكون، للأسف، أدوات التمسك بالحياة الحقة التي هي الفرح والأمان والطمأنينة. إنهم أبناء الرصاص الحي الذي استأثر، وحده، بمفهوم الحياة.
أصبح تعبير الرصاص الحي الأصدق في سورية، كما لو أن الرصاص وحده يملك صفة الحياة، أما حياة المواطن السوري فلا تساوي شيئاً، وحدها حياته لم تطلها أزمة الغلاء الفاحش. ومن ينظر إلى البسطات الممتدة على طول أرصفة اللاذقية، والتي تعرض لعباً للأطفال، يُفاجأ بأن البواريد البلاستيكية مُتقنة الصنع، كأنها حقيقية، وهي اللعب الأكثر مبيعاً. كما لو أن هناك إرادة خفية أن ينشأ الأطفال على صداقة البارودة وعشقها، واعتبارها جزءاً أساسياً من الحياة، فهذا الطفل سوف يتحوّل، بعد سنوات، إلى مقاتلٍ في الجيش العربي السوري، أو ربما في جماعات "جهادية".
ومن ينظر إلى سورية نظرة بانورامية يُصاب بالذهول والذعر، ليس من وابل الرصاص الذي أصبح علامة الوجود والحياة، الأبعد ما تكون عن الحياة، بل من مظاهر عديدة مُخزية، فالاحتفالات في مناسباتٍ عديدةٍ تكون بالدبكة الإلزامية للمسؤولين، مهما كانت رتبهم، وهي ما سمتها يونغ تشانغ في روايتها "بجعات برية" رقصات الولاء الإلزامية التي كان يفرضها ماو تسي تونغ على المسؤولين الصينيين والناس، وغايتها الحط من هيبة الإنسان، وجعله أشبه بالكاراكوز أو البهاليل. وفي المشافي السورية الحكومية، كان المرضى أنفسهم يشاركون في هذه الرقصات الابتهاجية بمناسبة ذكرى الحركة التصحيحية وغيرها.
أي إذلال وتحقير للحياة أكبر من أن يصبح الرصاص الحي لغة مشاعرنا في الحزن والفرح. وثمن الرصاص المهدور في المناسبات الاحتفالية كافٍ لإنشاء محطة توليد للكهرباء، تنير الساحل السوري الذي يذلّه تقنين الكهرباء، لكن الهدر الوجودي أصبح علامة الحياة في سورية، إذ أصبح الموت الطبيعي يثير دهشة الناس، كما لو أنه نوع من الرفاهية (!)، لأن الموت برصاصة ابتهاجية أو قتالية هو السائد في حياة السوري، كل معاني الحياة مشوهة في البلاد، ويكفي أن نُلقي نظرةً على الحواجز الحدودية حال دخول الحدود السورية، حتى نجد عند كل حاجز بوطاً عسكرياً مهترئاً، وقد وضعت داخله وردة! يا لروعة الإبداع الفني الذي لم يخطر ببال أيّ من عظماء الرسامين عبر التاريخ. أي تشويه لذائقة جيل من الأطفال والشبان، حين يجدون أن رمز الوطنية والإبداع بوط عسكري في داخله وردة.
كم من طفلٍ سوريٍّ تشوّهت روحه، وأصبح يتنفس ثقافة الرصاصة والبارودة والبوط العسكري، أي خزي نحسه حين نجد أطفالاً سوريين يطلون عبر شاشات بعض الفضائيات، ويجيب الواحد منهم على سؤال عمّ يريد أن يصير في المستقبل إنه يريد أن يكون شهيداً. أصبح شكل الحياة في سورية تنويعات للموت، كما لو أن الموت علامة الوجود الحقيقية في سورية. ثمّة مبادئ لا أخلاقية، تُزرع في نفوس أطفال سورية وشبابها، حين ينشأ الطفل على ثقافة الرصاصة والبارودة والبوط العسكري، ويتمني الشهادة، حين يحسّ بتناقضٍ يعجز عن تفسيره بين العيش في ظلامٍ بسبب التقنين الشديد للكهرباء، فيدرس على ضوء الشمعة، وحين ينام جائعاً، لأن أهله لم يعد في مقدورهم شراء اللحم والفاكهة، وحتى الحليب، بسبب الغلاء الفاحش، وحين تُشوه مشاعره وردود فعله، فبدل أن ينقم على هذه الظروف، يجد نفسه مُحاصراً، وأنفاسه مقطوعة من الخوف اللاواعي، إذ يُصبح مُسيّراً، عليه الافتتان بالبوط العسكري الذي تنبع من داخله وردة، وعلى الابتهاج من زخّ الرصاص في كل المناسبات.
أطفال سورية ضحايا القيم المعادية للحياة في بلدهم، لكنهم لا يملكون، للأسف، أدوات التمسك بالحياة الحقة التي هي الفرح والأمان والطمأنينة. إنهم أبناء الرصاص الحي الذي استأثر، وحده، بمفهوم الحياة.