سورية في "الحرب" ضد داعش

26 سبتمبر 2014

تظاهرة ضد داعش أمام مكتب الاتحاد الأوروبي في بيروت(24سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

تمتد داعش من غرب العراق إلى شرق سورية، تسيطر على مناطق فيها فقط، لكن، حين تقرر أميركا الحرب على داعش في العراق، لا بد من طرح السؤال حول سورية، فداعش هي داعش هناك وهنا. تدخلت أميركا في العراق، وهي تقوم بضربات جوية ضد "داعش" (أضعها هنا بين مزدوجين، لأن من سيطر على مناطق الغرب العراقي ليس داعش، التي سيطرت على بعضها فقط)، وتحقق على الأرض تغييراً في بنية السلطة العراقية، بعد أن سيطرت إيران عليها، عبر ديكتاتورية نوري المالكي. هل سينجح هذا التغيير لمصلحتها؟ ربما، وليس شكل الحكومة الوحيد الذي يعطي الصورة التي تؤشّر إلى ذلك، حيث يمكن أن يعود حيدر العبادي إلى الهيمنة، كما فعل المالكي، إذا لم يتحقق ما هو أبعد من ذلك.

لكن، تشكيل "دولة العراق والشام" يجعل كل حرب ضد داعش توصل إلى سورية، حيث ستعتبر أميركا أن وجودها في سورية "القاعدة الخلفية" لدورها في العراق، وستقول إنها ستضرب تلك القاعدة الخلفية لكي "تتخلص" من داعش في العراق. لا شك في أن سورية مطروحة في الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي تستهدف "تحجيم" داعش، أو ملاحقتها سنوات، كما أشار أكثر من مسؤول.

ولهذا معنىً، أن الهدف ليس "داعش" بالضبط بل "شيء آخر"، هذا يتعلق بالنظم القائمة، كما حدث في العراق التي خضعت لضغط أميركي شديد، من أجل فرض تغيير مهم في "العملية السياسية"، يضعف سيطرة إيران (أو على الأقل يحاول ذلك). لهذا، يُطرح السؤال عن  سورية، ما الذي يمكن أن تفعله أميركا في سورية؟

ستوجه ضربات جوية؟ أظن أن هذا مؤكد، لكن، وفق أي استراتيجية؟ هل تريد إسقاط النظام؟ هي تقول لا، بل تؤكد على الحل السياسي، وتعيد إلى مبادئ جنيف1. وهي لا تريد التحالف مع نظام الأسد في الحرب ضد الإرهاب، لكنها ترى أن وجود النظام ضروري لهزيمته، وأيضاً، تصرّ على دور الكتائب المسلحة "المعتدلة"، ولقد قررت تسليحها، بعد مماطلة ومراوغة طويلة، كما أنها لا تريد أن تسيطر قوات النظام على المناطق التي سوف تقصف داعش فيها (أي في الشمال والشرق). من كل هذا "الكوكتيل" ماذا يمكن أن نستنتج؟ هل المشكلة هي داعش، أم أن أميركا سوف تتدخل عبر الضغط من أجل تحقيق ما لم يحققه الروس في جنيف2، أي تشكيل هيئة تقود مرحلة انتقالية؟

ما يمكن تأكيده، هنا، أن السلطة السورية التي لعبت بجبهة النصرة ثم داعش (عبر العلاقة مع إيران)، سوف تجد أن لعبتها وقد انقلبت عليها. فقد عملت بعد عام من الثورة على أن تنشر "الجهاديين" بعد أن أطلقتهم من سجونها، وأن تدفع بهم للسيطرة على المناطق التي قررت الانسحاب منها أواسط سنة 2012 نتيجة قوة الثورة والاحتقان الذي اخترق الجيش، وجعلها عاجزة عن تحريكه كله.

وبهذا فرضت أن تواجه مناطق الثورة بقوى أصولية، حيث بات الصدام واضحاً بين تلك القوى، منذ تشكيل جبهة النصرة والكتائب المسلحة وكل الناشطين في مختلف المجالات. وكان واضحاً أن السلاح الذي تمتلكه تلك القوى هو من السلطة، وأن تدخل هؤلاء كان يأتي من أجل إنقاذ المناطق التي تحاصرها الثورة، فقد قتلوا خيرة قيادات الكتائب المسلحة والناشطين في الإعلام والإغاثة، والتظاهر، وفرضوا سلطة قروسطية، كما نشاهد في الرقة، ونظام متشدد يتأسس على القمع الشديد للناس.

هذا ما جعل الكتائب المسلحة تخوض الصراع ضدهم منذ أكثر من سنة، وتطرد داعش من الشمال السوري، قبل أن تعود بتغطية جوية من السلطة، ولكي تواجه بنشاط من تلك الكتائب لطردها من جديد. وكان ذلك يربك الثورة، لأنها باتت تخوض الصراع على جبهتين في الآن ذاته، ضد السلطة التي تستخدم كل العنف الممكن (وغير الممكن)، وضد داعش وحتى النصرة. بالتالي، وجدنا أن داعش والنصرة توظفان في الصراع ضد الثورة، من أجل إضعافها وتشويهها. لكن، كانت السلطة تسعى، كذلك، إلى إظهار الثورة بأنها هي تلك القوى "الجهادية"، من أجل كسب الدول الإمبريالية التي تقول إنها تحارب الإرهاب.

لقد عملت لأن تظهر الثورة كقوى إرهابية، من أجل كسب دعم عالمي، خصوصاً من أميركا، في مواجهة الثورة، ومن أجل تدمير الثورة. الآن، ينقلب الوضع، وتصبح داعش مدخل أميركا للتدخل في سورية، ولكي تصبح قوة التأثير في تكوين "الوضع الجديد".

طبعاً، تقول كل المؤشرات إن أميركا سوف تضرب مواقع داعش في سورية، على الرغم من "تهديد" السلطة الذي بدا بلا معنى، وهي تطالب بأن تكون جزءاً من التحالف المطروح ضد داعش. وربما تكون سيطرة داعش على مدن كردية هي الشكل المكرر لما حدث في العراق، حيث تدخلت أميركا فقط حين تقدمت داعش نحو أربيل. لهذا، لا بد من التفكير بما تريده أميركا، التي لا يسرّها انتصار ثورات، أو تقرير الشعوب مصيرها.

في هذا السياق، يمكن أن نشير إلى احتمالين، الأول يتعلق بتحقيق مكسب فوري، ويقوم على أن يقود التهديد بالتدخل، ومن ثم توجيه ضربات لداعش ودعم "الجيش الحر"، إلى أن يتحقق ما عجز الروس عن تحقيقه، والمتعلق بإزاحة بشار الأسد من طرف عن السلطة، وفتح الطريق إلى حل سياسي يؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية، تشارك في الحرب ضد داعش. لكن، يكون وضع السلطة قد حُسم بما يؤدي إلى تشكيل وضع جديد، في سورية والمنطقة.

ويتعلق الثاني بضرب مواقع لداعش وتمكين بعض قطاعات "الجيش الحر" من السيطرة على الشمال والشرق السوريين، ما سوف يُظهر سورية مقسمة، وغارقة في "صراع طويل"، ينهي ما بقي منها. وخلال ذلك، ستستنزف إيران، ويستنزف حزب الله في صراعٍ يقود إلى تغيير جوهري في وضع لبنان وإيران.