برز تطور جديد في مشهد الصراع شمال غربي سورية، يهدد بمزيد من التصعيد في محافظة إدلب ومحيطها، مع رفض فصيل "جيش العزة" التابع للمعارضة المسلحة، نتائج محادثات الجولة الـ12 من مسار أستانة، المتعلقة بتسيير دوريات روسية تركية في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، المقامة وفق اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام صدام مع قوات النظام، التي لطالما هددت باقتحام المنطقة، المعتبرة معقلاً بارزاً للمعارضة السورية، ولـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً). وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "جيش العزة رفع، خلال اليومين الماضيين، سواتر ترابية على العديد من الطرقات في ريف حماة الشمالي، من بينها طريق حماة إدلب، وذلك بهدف منع الدوريات الروسية من التجول في المنطقة".
وبعد يومٍ من تصريح "جيش العزة"، لوسائل إعلام سورية معارضة، عن أنه "لن يسمح لأي عنصر روسي بدخول المناطق الخاضعة للمعارضة السورية"، قال قائد العمليات في "جيش العزة"، العقيد مصطفى البكور، لـ"العربي الجديد"، إن "دخول دوريات روسية في المنطقة منزوعة السلاح يعني دخول قوات النظام"، مشيراً إلى أن فصيله "لا يخشى ردة الفعل الروسية حيال رفضه دخول دوريات عسكرية روسية، إلى المنطقة منزوعة السلاح، لأننا تحت القصف منذ ثماني سنوات". وأضاف أن "المواجهة مهما كانت نتائجها لن تكون أسوأ من قرار التراجع والسماح للروس باستكمال احتلالهم للأرض السورية".
وكانت الجولة الـ12 من مفاوضات أستانة أقرّت، في ختام أعمالها يوم الجمعة الماضي، تسيير دوريات مشتركة روسية - تركية في "المنطقة منزوعة السلاح الثقيل"، مطلع مايو/أيار المقبل، في وقت تتعرض فيه محافظة إدلب وجوارها، منذ مطلع فبراير/شباط الماضي، لقصف جوي ومدفعي من قبل النظام وحلفائه الروس. ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتشريد الآلاف. كما شهد ريف حماة الشمالي، فجر أمس الإثنين، تصعيداً من قبل "هيئة تحرير الشام"، إذ أعلنت شبكة "إباء" الإخبارية التابعة للهيئة مقتل 13 من قوات النظام، بينهم ضابط، في هجوم على حاجز الآثار، شرق مدينة قلعة المضيق، شمال غربي حماة.
وعلى الفور، قصف طيران النظام بالرشاشات، الأحياء السكنية في مدينة قلعة المضيق، وفق مصادر محلية. وجاء هجوم "تحرير الشام" بعد ساعات من خروج المستشفى الجراحي في بلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي عن الخدمة، نتيجة تعرّضه لقصف جوي روسي، بعد يوم واحد من خروج مستشفى تخصصي للنساء والأطفال عن الخدمة في الريف نفسه، بسبب قصف روسي مماثل. ولطالما لوّح النظام بعمل عسكري واسع النطاق ضد محافظة إدلب ومحيطها، ولكن لا يبدو أن الجانب الروسي أعطاه الضوء الأخضر للقيام بذلك، بسبب وجود تفاهمات مع أنقرة، لا تريد موسكو انهيارها، للحيلولة دون انزلاق المنطقة مرة أخرى في أتون صراع ستكون له تبعات سلبية على نحو 4 ملايين مدني يعيشون في المنطقة.
وسيّر الجيش التركي الذي ينشر نقاط مراقبة في محيط محافظة إدلب، دوريات عدة، منذ بداية العام الحالي، في "المنطقة الآمنة"، ولكن ذلك لم يمنع قوات النظام من استمرارها في التصعيد تجاه ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، ومناطق في ريف حلب الجنوبي الغربي. في الجانب المقابل، نشر الجانب الروسي نقاط مراقبة عدة لضمان تنفيذ اتفاق سوتشي، ولم تحل هي الأخرى دون قيام قوات النظام بقصف يستهدف مدنيين في عمق محافظة إدلب.
ومنذ عام 2012، وريف حماة الشمالي مسرح صراع متعدد الأوجه بين الجيش السوري الحر وقوات النظام، إذ شهد معارك كر وفر على مدى أعوام. ويقع جزء كبير من ريف حماة الشمالي تحت سيطرة فصائل المعارضة التي تتمترس على بعد نحو 25 كيلومتراً شمال مدينة حماة في وسط البلاد. ويضم هذا الريف الحموي، العديد من المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة المعارضة، أبرزها قلعة المضيق، جبل شحشبو، كفرنبودة، كفر زيتا، اللطامنة، مورك وغيرها. ونزح عشرات آلاف السكان، من ريف حماة الشمالي على دفعات منذ عام 2012، الذي شهد اتساع نطاق المواجهات بين الجيش الحر وقوات النظام، حتى باتت قرى وبلدات شبه خالية من سكانها.
وعلى مدى سنوات الصراع، وجّه الجيش السوري الحر ضربات قاسية لقوات النظام في تلك المنطقة، حتى بات يُطلق على مدينة مورك تسمية "مقبرة دبابات الأسد"، و"مقبرة الأرتال"، إذ تصدى مقاتلو الجيش الحر لعشرات المحاولات من قبل قوات النظام و"حزب الله" لاقتحام المنطقة.
ونوّهت مصادر في المعارضة السورية إلى أن "نحو 74 دبابة تابعة للنظام دُمرت أثناء محاولات اقتحام المدينة عام 2014، إضافة إلى مقتل المئات من هذه القوات التي تكرر فشلها في استعادة المنطقة". وتتمركز في ريف حماة الشمالي العديد من فصائل الجيش الحر، أبرزها "جيش العزة" الذي تأسس عام 2014، من خلال اندماج العديد من الفصائل الفاعلة في ريف حماة الشمالي، إضافة إلى ريف إدلب الجنوبي. ويتولى قيادة "جيش العزة" وتدريب مقاتليه ضباط منشقون عن قوات النظام. وهذا ما يميّز هذا الفصيل عن غيره من فصائل تتبع للجيش السوري الحر ويكسبه ثقة الشارع السوري المعارض.
وكان "جيش العزة" أعلن عدم التزامه بمقررات مسار أستانة في أوقات سابقة، بسبب استهداف الطيران الروسي مقراته، إضافة إلى اقتحام قوات النظام منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق، على الرغم من الوعود الروسية بأنه لن يُسمح لهذه القوات باقتحام المنطقة. ويُصنّف "جيش العزة" في خانة الفصائل "المعتدلة" من قبل الولايات المتحدة.
وإلى جانب "جيش العزة"، هناك "جيش النصر" الذي تأسس مع بداية التدخل الروسي في سورية أواخر عام 2015، ويُعرّف عن نفسه بالقول إنه "تجمّع عسكري ثوري مؤلف من اندماج فصائل مقاتلة تنتمي إلى فكر ومبادئ الجيش السوري الحر، تنتشر في أرياف حماة وريف إدلب وريف اللاذقية وحلب، تمت إعادة هيكلتها وتعبئتها ضمن ألوية وكتائب باسم جيش النصر".
واستطاع الجيشان مع فصائل الجيش الحر، صدّ أكثر من هجوم واسع النطاق من قبل قوات النظام على ريف حماة الشمالي، لعل أبرزها الهجوم الكبير أواخر عام 2015 في بدايات التدخل الروسي في سورية، إذ تقدمت قوات النظام ومليشيات إيرانية تحت غطاء ناري روسي، ولكنها مُنيت بالهزيمة. وهددت فصائل الجيش الحر أكثر من مرة مدينة حماة، أهم معاقل النظام في وسط سورية، ووصل مقاتلوها إلى مسافات قريبة من المدينة بعدما سيطروا على مدن هامة في ريفها الشمالي، منها طيبة الإمام، ولكن اضطروا إلى الانسحاب منها تحت ضربات الطيران الروسي.