سورية: رفض "النصرة" لمخرجات الرياض يواجَه بتأييد عسكري بالجملة

15 ديسمبر 2015
رفض الجولاني هدنة الغوطة (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
توالت ردود الأفعال الإيجابية من مختلف كيانات المعارضة السورية، حول ما تمخّض عنه اجتماع المعارضة السورية في الرياض، الأسبوع الماضي، وانتهى إلى ورقة مبادئ تصوغ تصوّر المعارضة للحلّ السياسي والمرحلة الانتقالية وشكل سورية المستقبلية. لكن موقف قائد "جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في سورية، أبو محمد الجولاني، الذي أعلنه أخيراً في مؤتمره الصحافي قبل أيام، الذي وصف فيه اجتماع المعارضة السورية بالرياض بـ"المؤامرة"، وضع إمكانية نجاح الموقعين على "ورقة الرياض" في تطبيق مخرجات أي مفاوضات مستقبلية، موضع شك.

وأصدرت جماعة "الإخوان المسلمين" في سورية بياناً، أعلنت فيه دعمها مخرجات مؤتمر "الرياض" الموسّع للمعارضة السورية، الذي اختُتم قبل أيام، رغم تسجيلها بعض التحفّظات عليه، وشكرت الجماعة في بيانها، السعودية على جهودها في "دعم الشعب السوري".

وسجّل البيان تحفّظات الجماعة بالقول: "رغم رؤيتنا المختلفة لبعض النقاط حول نسب التمثيل وآليات التعامل مع الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلا أن نجاح المؤتمرين في التوافق على الثوابت الوطنية، والرؤية المستقبلية لحل سياسي، لم يكن ليتم لولا توفيق من الله ودعم لوجستي موفق من السعودية".

وحضر نائب المراقب العام لـ"الإخوان" في سورية، محمد فاروق طيفور، مؤتمر الرياض، ووصف مراقبون دعوة السعودية له بـ"التطور غير المسبوق في تعاطي السعودية مع الإخوان". وبرروا ذلك بـ"سعي الرياض الجدّي لتحقيق توافق بين أكبر طيف ممكن من المعارضة السورية، قبل اجتماع نيويورك الذي سيُعقد يوم الجمعة المقبل، وسيجمع الأطراف التي اجتمعت في العاصمة النمساوية فيينا، تمهيداً لعقد أول جلسة مفاوضات بين ممثلي النظام ولجنة المفاوضات العليا، التي شكلتها المعارضة في الرياض.

كما أصدر فصيلان من المعارضة المسلّحة في حلب، مساء الأحد، بيانين منفصلين، أعلنا فيهما دعمهما الكامل لمخرجات مؤتمر الرياض. وجاء في بيان صادر عن "جيش المجاهدين" التابع لـ"الجيش السوري الحر"، وهو أحد أكبر فصائل المعارضة في مدينة حلب وريفها الغربي، أنه تم الإعلان عن "الدعم الكامل من قيادة جيش المجاهدين وتأييد كافة المخرجات التي اتفق عليها ممثلو فصائل العسكرية والثورية مع أطياف المعارضة السياسية السورية". وكان المُقدم المنشق عن قوات النظام، محمد بكور، الذي يشغل منصب قائد "جيش المجاهدين"، قد مثّل فصائل المعارضة في حلب في مؤتمر "الرياض".

اقرأ أيضاً الجولانيّ: سنفشل مقررات مؤتمر الرياض ولن نسمح بهدنة الغوطة

من جانبها، أكّدت كتائب "الصفوة الإسلامية" التابعة لـ"الجيش الحر"، المتواجدة بقوة في مدينة حلب وريفها الشمالي في بيان أيضاً "موافقتها على مخرجات المؤتمر المتضمنة في معانيها ثوابت الثورة". ولفتت إلى "ضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري، وحصول الشعب السوري على كامل حقوقه المشروعة في الحرية والخلاص من حكم الاستبداد بالطريقة الأقل كلفة". وذكر البيان أن "كتائب الصفوة تعتبر كل من شارك في المؤتمر من قادة الفصائل ممثلاً لها، وتدعو الجميع إلى رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة حتى النصر"، بحسب البيان.

ويعتبر مراقبون أن البيانين الصادرين عن فصائل المعارضة بحلب، ليسا إلا ردا من قبل هذه الفصائل على تصريحات الجولاني، الذي وصف مؤتمر المعارضة بـ"المؤامرة"، قائلاً "يرتبط مؤتمر الرياض ارتباطاً وثيقاً بمؤتمر فيينا، ويعدّ الخطوة الأولى والتنفيذية لتثبيت بنوده التي لا تصبّ بصالح الشعب السوري، من إبقاء رئيس النظام بشار الأسد، ودمج المعارضة مع النظام، وقتالهما للنصرة وفرض هدنة على أهل البلاد". وأوضح أنّ "التمثيل الأكبر في المؤتمر هو للائتلاف الوطنيّ، على الرغم من أنّه لا يسيطر على شيء في الواقع، إلى جانب وجود هيئة التنسيق المعارضة التابعة للنظام، بينما تحظى الفصائل المسلحة بتمثيل ضعيف جداً وتتعرض للضغط". واعتبر أنّ "هذا المؤتمر خيانة لدماء الشهداء ومؤامرة ستلتف على أهل الشام، ويجب العمل على إفشال هذه الاجتماعات لأجل أكثر من مليون قتيل على أرض الشام وملايين المنازل التي هدمت".

ولاقت تهديدات الجولاني بإفشال مخرجات مؤتمر الرياض وأي لقاء تفاوضي بين النظام والمعارضة مستقبلاً، استنكاراً واسعاً بين النشطاء المعارضين للنظام، ورأوا فيها أن "تصريحات الجولاني ليست إلا تجسيدا صريحا للوصاية، التي تسعى جبهة النصرة لفرضها على الثورة والمعارضة".

واعتبر البعض تنويه الجولاني في سياق حديثه إلى أن "قادة فصائل المعارضة المسلحة المشاركين في الرياض لا يملكون السيطرة على عناصرهم، ليس إلا تحريضا منه لعناصر الفصائل على قادتهم، الذين وقّعوا على ورقة الرياض، ووافقوا على المشاركة في اللجنة العليا للمفاوضات التي سيناط بها عقد جلسات تفاوضية مع النظام. ويُجسّد كل ذلك مدى تمادي تصريحات الجولاني في التدخل بقرار فصائل المعارضة، بل ومحاولة مصادرة قرارها خصوصاً مع تأكيده على أن النصرة هي من أعاقت تنفيذ هدنة بين قوات النظام والمعارضة في غوطة دمشق الشرقية". وأكد على أن "النصرة ستقوم بعرقلة الهدنة في غوطة دمشق ولن تسمح بتنفيذها ما دامت هناك".

يرفع كل ذلك من احتمال اندلاع صدام شامل بين المعارضة بمختلف فصائلها، التي شاركت جميعاً بممثلين عنها في اجتماع المعارضة بالرياض مع "جبهة النصرة"، وذلك حتى قبل إعلان وقف إطلاق نار بين قوات النظام والمعارضة، وربما قبل عقد جلسة مفاوضات بين ممثلي الطرفين. الأمر الذي قد يستثمره النظام سياسياً بتوجيه رسالة مفادها، أن المعارضة غير قادرة على ضبط جبهاتها في حال الاتفاق على وقف شامل بين الطرفين لإطلاق النار.

ويرى البعض أن "وضع جبهة النصرة يُشكّل عقدة جديدة تُضاف إلى المفاوضات المنتظرة، بين ممثل المعارضة والنظام، خصوصاً مع تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مراراً على عدم شمل التنظيمات الإرهابية بوقف إطلاق النار المزمع الاتفاق عليه وتطبيقه".

وتضاف هذه العقدة إلى عقدة مصير الأسد، التي ستكون من دون شك العائق الأكبر أمام التوصل لحل سياسي في سورية، وعقدة غياب ممثلي قوات "حماية الشعب" الكردية وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي عن لجنة المفاوضات العليا التابعة للمعارضة. وبالتالي أصبحت هذه القوات طرفاً ثالثاً بين النظام والمعارضة، الأمر الذي سيجعل من مصير المناطق التي تسيطر عليها شمال سورية حالياً ملتبساً، في ظل التغاضي المستمر من الأطراف المعنية بالحل السياسي في سورية، عن بحث وضع هذه المناطق.

اقرأ أيضاً بوتين ورواية محاربة "الجهاديين" سورياً: الخطر اﻷكبر داخل روسيا