سورية.. العلاقة بين اللغة والهوية؟

30 يوليو 2015
اللغة كائن اجتماعي ووسيلة تواصل (فرانس برس)
+ الخط -
"اللغة هي عنوان الوجود والهوية، باعتبارها المستودع الأمين الذي تختزن به مقومات الانتماء، وذاكرة المستقبل، ولا تزول إلا بزوال الأمة، فهي مكنونها ومصدر تحديد الملامح الأساسية المعبرة عن طبيعتها، ومرتبطة بالتراث والماضي والحاضر، وهي تحدد ملامح المستقبل بتطورها مع تطور العلاقات الإنسانية والتقنية".


هذه الكلمات أعلاه هي للدكتور عيسى برهومة أوردها في بحث مطول عن الهوية واللغة، وتحيلنا هذه الكلمات إلى أسئلة تلوح في الأذهان حول هذه العلاقة المتجذرة بين اللغة والهوية، لذا يصبح لزاما ًأن نطرح أسئلة متعددة من قبيل: بعد اندلاع ثورات الربيع العربي والتطورات والهزات التي رافقتها على الصعيدين السياسي والاجتماعي، هل ما زالت اللغة العربية معبرة ًعن الهوية وعنواناً للوجود؟

وهل تنحسر اللغة العربية وبخاصة في ظل الاستخدام المهول لمواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية التي تعتمد بشكل أكبر على لغات أجنبية ولا تتوفر دائماً باللغة العربية؟ وكيف يؤثر ذلك على هوية المستخدمين لها؟

ما هي الأسباب التي تجعل الشباب السوري كغيره من الشباب العربي عازفاً عن استخدام اللغة العربية، وإتقانها بشكل جيد على العكس من محاولاته الحثيثة لتعلم لغات أجنبية أخرى وإتقانها؟

هل من الممكن أن تعود اللغة العربية لغة ً جاذبة للشباب؟ وما هي الوسائل والطرائق التي تؤّمن هذه العودة؟

للبحث والنقاش عن هذه الإجابات تم التوجه بهذه الأسئلة لمجموعة من الشباب لاستطلاع آرائهم حول هذه القضية، والوصول إلى تصورات معينة بخصوص اللغة العربية وهويتنا.

حسن قاسم شاب سوري، مختص في تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية يعلّق في هذا الإطار قائلاً: إلى جانب ثورات الربيع العربي لا نرى معبراً عن الهوية أو عنواناً لوجودها لدى شعوب العالم العربي إلاّ اللغة العربية، حيث شهدت اللغة العربية كرابط ثقافي لهذه الشعوب انتعاشاً مع تصاعد موجة الربيع العربي، وامتدادها من مغربه في تونس مروراٌ بمصر إلى مشرقه في سورية واليمن.

ويرى حسن أنّ مواقع التواصل الاجتماعي منحت مساحة سياسية وثقافية أكبر للهجات العربية الدارجة على حساب العربية الفصحى، لكنها ومن جانب آخر تساهم في التقريب بين اللهجات باتجاه وسيط بينها أولاً، وبين اللهجات والعربية الفصحى ثانياً، واستبدال الأخيرة بفصحى أكثر يومية ومرونة واستجابة لمتطلبات التواصل الحديثة.

وبخصوص عزوف الشباب عن استخدام اللغة العربية وتعلمها فيوضّح حسن رأيه: يتقن الشباب السوري اللغة العربية أكثر من غيره، ونستطيع القول إنّ الشباب العربي يتقن اللغة العربية ويستخدمها، لكنه مقصر -للأسف- في إتقان اللغات الأجنبية واستخدامه لها ضيق النطاق إن في عدد المستخدمين أو في مجالات الاستخدام، عدا عن الأشكال الشوهاء غير المتقنة أو المجدية لاستخدام اللغات الأجنبية.

ويؤكد حسن على أنّ اللغة كائن اجتماعي ووسيلة تواصل، حيويتها وقدرتها على الاستمرار متأتيةً من قدرتها على تلبية حاجات المتكلمين، تحويل الموضوع لقضية لن يجدي شيئاً فيما لو كان مقدراً للغة ما الاضمحلال أو الغياب عن ساحة التواصل اليومي، ألا تعتقد أن محاولات جادة وجهودا كبرى استهدفت حماية اللاتينية وإنقاذها من السقوط عن ألسنة المتكلمين؟

أما طارق شام وهو شاب سوري يحمل إجازة في الأدب العربي كان له رأي أخر: الثورات في المنطقة شملت كل مناحي الحياة تقريبا حتى اللغة، حيث دخلتها مصطلحات وكلمات تعبر عن حيثيات الواقع في البلدان حيث تمت إعادة عدد من الكلمات وتوسيعها مثلا كلمة "بلطجية"، "شبيحة"، "قاشوش" هي إعادة تشكيل لهذه المصطلحات مع ربط اللغة العربية "الجامدة" بالأنظمة العربية، على الأقل وجدانياً نظراً لاعتماد الأنظمة على تلك النمطية في الخطاب، يجب تطويع اللغة لتناسب رمز المرحلة الشعب يريد.

ويرى طارق أنّ المشكلة ليست بالتطبيقات والبرامج، هناك انتشار هائل للصحف الإلكترونية وفيها عدد كبير من الشباب يكتب باللغة العربية عدا عن استخدامها كلغة تعبير عن الواقع اليومي كذلك انتشار المصطلحات والاختصارات (داعش) على طريقة اللغة الإنجليزية تبقى المشكلة تقنين المصطلحات ضمن قواعد اللغة العربية، بعيداً عن خشبية وجمود مجامع اللغة العربية ومصطلحاتها التي غالبا ما كانت ممجوجة.

ويؤكد طارق على إمكانية عودة جزئية للغة العربية كلغة جاذبة، لكنّ قلة العمل على جعلها لغة تعبير عن الواقع وليس لغة انشاء وخطاب ساهم بشكل كبير في عدم انجذاب الناس نحوها، معلقات امرؤ القيس تعبر عن واقع ذلك العصر وليس بالضرورة أن نستخدم نفس الأسلوب لنعبّر عن يومياتنا.

اللغة والهوية، كائنان يتعايشان سويّاً، قد يُصاب أحدهما ببعض العلل والأمراض التي لا تجعله قادراً على التعايش مع صنوه، لكن بمجرد التعافي من هذه العلل يعود الأول لسيرته الأولى، فلا مناص من اشتراكهما ليؤدي كلّ منهما دوره الحيوي والفعّال في الحفاظ على حياة الأخر.

(سورية)
المساهمون