سورية البعث و"مسرحيات" الانتخابات... التجديد بالدم

13 مايو 2014
اختلفت أشكال التصويت بالدم (جوزيف عيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

تمكن الرئيس السوري، بشار الأسد، مرحلياً على الأقل، من اجتياز مراحل عصيبة، كادت تودي بحكم البعث وإرث السلطة الذي ورثه عن أبيه، ليدخل في هذه الأيام، مع بدء حملة الرئاسة الانتخابية، مرحلة جديدة، تعدت حتى حدود المسرحية والصدمة في آن.

وبحسب المحكمة الدستورية العليا في دمشق، تم يوم الأحد، رفض تظلمات خمسة مرشحين تم إقصاءهم عن مسرحية الانتخابات لعدم تحقيقهم الشروط الدستورية. وأعلنت المحكمة عن القائمة النهائية للمقبول ترشحهم ماهر حجار، حسان النوري، وبشار الأسد.

وما يحقق أحد أركان "مسرحية" الانتخابات، هو وجود أكثر من مرشح، بعدما سرت العادة، منذ وصول الأسد الأب للحكم عام 1970، بأن يتم تجديد البيعة أو تدوير الأسد عبر الاستفتاء، وهو ما توارثه الابن، فيما سميّ استفتاء تجديد الولاية عام 2007.

مأساة المرشح الأوحد، تزامنت مع وصول حزب البعث للسلطة، وهو ما يحمّل شباب الثورة اليوم وزرها على آبائهم وأسلافهم؛ فمنذ رئاسة أمين الحافظ، عام 1963، ومرض الاستبداد يسري في الجسد السوري، ليكتمل المشهد الديكتاتوري، مطعماً بالعسكرتاريا خلال انقلاب نور الدين الأتاسي، على أمين الحافظ، في الثالث عشر من فبراير/شباط 1966، حين حكم من وراء الستارة رئيس شعبة شؤون الضباط، الأمين العام المساعد لحزب البعث، صلاح جديد، قبل أن يظهر الخلاف بعد "أيلول الأسود"، ومعارضة وزير الدفاع، حافظ الأسد، للأتاسي وجديد معاً، لإرسال قوات سورية إلى الأردن، ما دفع الأتاسي الذي أمضى بعدها 22 عاماً في سجن انفرادي، للاستقالة.

وجاءت استقالة الأتاسي عام 1970 لتترك فراغاً لمنصب الأمين العام للحزب ورئيس الدولة، فتم عقد المؤتمر العاشر الاستثنائي لحزب البعث، الذي تقرر خلاله فصل وزير الدفاع، حافظ الأسد، ورئيس الأركان، مصطفى طلاس، من منصبهما، ما دفع بالمفصولين بالتنسيق مع ضباط الجيش وتغطية إقليمية ودولية، للقيام بالانقلاب في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، ليسمى لاحقاً بالحركة التصحيحية.

سوّق حافظ الأسد، نفسه للجيش والشعب، بعد سجن صلاح جديد، واغتيال الضابط الأبرز، محمد عمران، في لبنان 1971، ونجاح انقلابه، على أنه زاهد في السلطة ولا يسعى لمنصب، ليسمي أحمد الخطيب، الذي لم يسمع به أحد، رئيساً للجمهورية، ريثما تمكّن الأسد الأب، من اتمام الفصل الختامي لمسرحية الانقلاب، الذي تجلّى بخروج مسيرات جماهيرية تنادي "قود السفينة يا معلم" ما جعله "مضطراً" ليلبي نداء الكادحين ويقبل برئاسة الجمهورية.

كان السوريون على موعد مع أول نسبة 100 في المئة خلال استفتاء 11 مارس/آذار1971، الذي نظمه حافظ الأسد، لشخصه كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية.

وتتالت البيعات والاستفتاءات خلال أعوام 1978 و1985 و1992، قبل سريان مقولة "قائدنا إلى الأبد" قبيل تجديد البيعة التي ألزم السوريون على جرح أصابعهم ليقولوا نعم بالدم، لحافظ الأسد، عام 1999.

لكن، ولأن لا أبدية وبيعة بالدم أمام حقيقة الموت، كان الفراغ المفترق في 10 يونيو/حزيران عام 2000، والذي عرى مقولات الوحدة الوطنية والتعايش في سورية؛ فموت حافظ الأسد، كشف الحرص الدولي على حكم الأقليات، ونبش فزاعة الطائفية من تحت الرماد، ما دفع بالوصي وزير الدفاع، مصطفى طلاس، لعقد اجتماع عاجل، قيل وقتها أنه وضع مسدسه على طاولة الاجتماعات في القيادة القطرية، وخاطب الحاضرين بالقول: لن نخرج قبل أن ننتخب رئيساً، لأن سورية في خطر.

وتم الاتفاق على الوريث بشار الأسد، لتتابع المهزلة في عقد جلسة طارئة لمجلس الشعب، الذي غيّر شرط السنّ (40 سنة) في دستور 1973، وقُبل بالمرشح الوحيد ذو الخامسة والثلاثين سنة بشار الأسد، ليتسلم الحكم بعدما سميّ استفتاءً عاماً. أُعيد تاريخ الأب نفسه مع الابن اليوم، وترشح بشار الأسد وحيداً وأعيد انتخابه بطريقة الاستفتاء عام 2007، ولكن بنسبة متواضعة لم تتجاوز 97.6 في المئة.

إذاً، ورغم كل الدم والتضحيات التي قدمها السوريون، بدأت يوم الأحد، مسرحية انتخابات الرئاسة، بمرشح رئيس واثنين "كومبارس"، ليمهد وصول بشار الأسد لولاية ثالثة للحكم عبر الدم مجدداً، وإن اختلفت مصادر الدم وطرق إراقته اليوم.

المساهمون