في سورية، تنتشر الأمراض في صفوف اللاجئين بوتيرة سريعة، وتعود أمراض قديمة قد انقرضت، (السل، الكوليرا، الطاعون وغيرها). ويعاني ملايين السوريين من صعوبة الحصول على الخدمات الصحية المناسبة بسبب انهيار القطاع الصحي الرسمي في المناطق المحررة، وضعف إمكانات القطاع البديل، والأهم من ذلك نقص أعداد الأطباء بعد مقتل واعتقال وهجرة عدد كبير منهم.
تردّي الوضع الصحي
شكلت هجرة الأطباء أحد الأسباب الهامة في تردي الوضع الصحي داخل البلاد. فقد أوضحت دراسة صدرت عن المركز السوري لبحوث السياسات بعنوان "حرب على التنمية" أن القطاع الصحي في سورية بشكل عام يشهد انهياراً كبيراً، حيث "تراجعت نسبة الأطباء إلى السكّان من طبيب واحد لكل 661 مواطناً عام 2010، إلى طبيب واحد لكل 4041 مواطناً بحلول يونيو/حزيران الماضي، وتوقفت نحو 90% من الصناعة الدوائية المحلية عن الإنتاج"، وفق التقرير.
ليست هجرة الأطباء بالحدث الجديد تماماً، إذ تعتبر سورية من أكثر البلدان العربية الطاردة للعقول والمصدرة للمهاجرين، بسبب الأعمال التي تقوم بها السلطات. وتشير التقارير إلى أن عدد الأطباء الذين قتلهم النظام السوري خلال أربع سنوات، حسب منظمة أطباء لحقوق الإنسان وصل الى نحو 600 طبيب، وعليه يمكن فهم الدافع لهجرة غالبية الأطباء في سورية.
من جهة أخرى، قدرت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عدد الأطباء السوريين المهاجرين قبل الثورة بنحو 10%من عدد الأطباء المتخرجين، ويعتقد الباحث جمال باروت أن "نسبة الأطباء المهاجرين الذين تلقوا تكوينهم في سورية قد تفوق هذا التقدير الذي لا يشمل في الواقع سوى الأطباء السوريين المهاجرين إلى بعض بلدان منظمة التعاون والتنمية، ولا يشمل الأطباء السوريين المهاجرين إلى دول مجلس التعاون" ويدفع ذلك باروت للقول بأن النسبة هي "أضعاف النسبة المحددة في التقرير المتوسطي للهجرة".
لكن وتيرة هجرة الأطباء تصاعدت بعد توسع الحرب في سورية، فتجاوزت نسبة الأطباء الذين هاجروا خلال سنوات الثورة السورية 30 % من إجمالي عدد الأطباء البالغ نحو 30 ألف طبيب، وذلك بحسب تقديرات نقيب أطباء سورية عبد القادر حسن. لكن تقارير دولية تشير إلى أن حجم الهجرة هو أعلى بكثير من تلك الأرقام.
ففي تقرير حديث صدر قبل أيام عن منظمة "أطباء بلا حدود" تحت عنوان "أربع سنوات مرت-المأزق الإنساني"، شرح التقرير المعاناة التي يمر بها الأطباء والممرضون والصيادلة والمسعفون، حيث "قتل منهم الآلاف، ولم يبق سوى أقل من 100 طبيب في حلب بعدما كان عددهم 2500 عند بدء الأزمة". التقرير يتحدث عن أن تدهور الأوضاع الأمنية وتوسع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أجبرا منظمة أطباء بلا حدود على إنهاء عملها داخل سورية، وذلك بعد احتجاز خمسة من متطوعيها في شهر يناير/ كانون الثاني 2014.
نقص حاد
يعمل "مكتب التنسيق للأطباء المتطوعين في سورية" على تسهيل دخول الأطباء القادمين من خارج سورية كمتطوعين لسد النقص الحاصل في الخبرات الطبية. يقول الدكتور علاء الأحمد الذي يشارك في إدارة المكتب لـ"العربي الجديد": "نعاني من نقص شديد من جميع الاختصاصات الطبية وخصوصاً الجراحة العصبية، الجراحة الوعائية، وجراحة العينية الشبكية، حتى إن بعض الاختصاصات مفقود نهائياً".
وعن تجربة الاعتماد على المتطوعين يقول الأحمد: "في بداية الأحداث كانت أعداد المتطوعين كبيرة، وكانت تغطي النقص الحاصل، لكنها بدأت تتراجع مع تدهور الأمن في المناطق المحررة وزيادة استهداف المشافي من قبل النظام".
يعتبر الباحث الاقتصادي عادل الفاضل في حديث لـ"العربي الجديد" أن هجرة الأطباء السوريين للخارج تشكل "خسارة اقتصادية كبيرة لسورية سوف تحتاج إلى سنوات طويلة لكي تتجاوز آثارها السلبية". ويشرح الفاضل: "يجد الأطباء المهاجرون طريقهم بسرعة للاندماج بالمجتمعات الجديدة حيث يحلّون، مما يجعل عودتهم في غاية الصعوبة". ويشير إلى أن "هجرة الأطباء شكلت خسارة اقتصادية كبيرة لسورية حتى قبل اندلاع الثورة حيث كانت السياسات الحكومية طاردة للخبرات التي تتلقى تعليمها على حساب الدولة السورية ومن ثم تغادر للعمل في دول أخرى". ويضيف: "تراجعت نسبة الأطباء إلى السكّان من طبيب واحد لكل 650 مواطناً في العام 2010، إلى طبيب واحد لكل نحو 5000 مواطن مع العام 2015، وهو ما يضعف من فاعلية القطاع الصحي وسينعكس ذلك بدوره على إضعاف التنمية الاقتصادية والبشرية بصورة عامة".
انتشار الأوبئة
وبالتوازي مع انهيار القطاع الصحي وهجرة الأطباء، عادت أمراض خطيرة كانت قد انقرضت منذ زمن طويل. تنتشر اليوم في سورية أمراض شلل الأطفال والكوليرا والحصبة والطاعون، فضلاً عن انتشار الأمراض الجلدية في المخيمات وتجمعات النازحين مثل اللشمانيا والأكزيما والفطور والتقشر الجلدي. ويعاني الكثير من السوريين المرهقين جراء العنف والمنهكين بفعل الأزمة الاقتصادية من حالات اكتئاب واضطرابات نفسية بعد أربع سنوات من حرب مدمرة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، كشفت الهيئة الطبية الدولية في تقرير لها صادرمؤخراً عن أن مأساة جديدة تظهر اليوم للعيان في صفوف ملايين السوريين، سواء صفوف النازحين داخل سورية أو اللاجئين في دول الجوار، وهي معاناتهم من مشاكل في الصحة العقلية والعصبية نشأت، أو تفاقمت، بسبب ما تعرضوا له من تجارب قاسية في أثناء الحرب. وبحسب التقرير، يعاني نحو 54 % من السوريين المستفيدين من خدمات الهيئة من اضطرابات عاطفية تشمل الاكتئاب والقلق، فيما يعاني 11 % منهم من اضطرابات نفسية كالانفصام، كما يعاني أكثر من ربع الأطفال من اضطرابات في النمو.
وكشفت تقارير ارتفاع حجم الاضطرابات النفسية بنسبة 25 %عما كانت عليه قبل بدء الحرب، كما ارتفعت محاولات الانتحار بشكل لافت، ويحتاج 40% من السوريين الى دعم نفسي واجتماعي.
وتضيف التقارير أن أربعة من كل عشرة مرضى يقصدون العيادات يعانون من الإجهاد والاضطرابات النفسية، وهم في الغالب من النازحين الذين تدنّى مستوى معيشتهم بسبب الحرب.
إقرأ أيضا: ثقافة العمل في مصر.. "فوت علينا بكره"
تردّي الوضع الصحي
شكلت هجرة الأطباء أحد الأسباب الهامة في تردي الوضع الصحي داخل البلاد. فقد أوضحت دراسة صدرت عن المركز السوري لبحوث السياسات بعنوان "حرب على التنمية" أن القطاع الصحي في سورية بشكل عام يشهد انهياراً كبيراً، حيث "تراجعت نسبة الأطباء إلى السكّان من طبيب واحد لكل 661 مواطناً عام 2010، إلى طبيب واحد لكل 4041 مواطناً بحلول يونيو/حزيران الماضي، وتوقفت نحو 90% من الصناعة الدوائية المحلية عن الإنتاج"، وفق التقرير.
ليست هجرة الأطباء بالحدث الجديد تماماً، إذ تعتبر سورية من أكثر البلدان العربية الطاردة للعقول والمصدرة للمهاجرين، بسبب الأعمال التي تقوم بها السلطات. وتشير التقارير إلى أن عدد الأطباء الذين قتلهم النظام السوري خلال أربع سنوات، حسب منظمة أطباء لحقوق الإنسان وصل الى نحو 600 طبيب، وعليه يمكن فهم الدافع لهجرة غالبية الأطباء في سورية.
من جهة أخرى، قدرت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة عدد الأطباء السوريين المهاجرين قبل الثورة بنحو 10%من عدد الأطباء المتخرجين، ويعتقد الباحث جمال باروت أن "نسبة الأطباء المهاجرين الذين تلقوا تكوينهم في سورية قد تفوق هذا التقدير الذي لا يشمل في الواقع سوى الأطباء السوريين المهاجرين إلى بعض بلدان منظمة التعاون والتنمية، ولا يشمل الأطباء السوريين المهاجرين إلى دول مجلس التعاون" ويدفع ذلك باروت للقول بأن النسبة هي "أضعاف النسبة المحددة في التقرير المتوسطي للهجرة".
لكن وتيرة هجرة الأطباء تصاعدت بعد توسع الحرب في سورية، فتجاوزت نسبة الأطباء الذين هاجروا خلال سنوات الثورة السورية 30 % من إجمالي عدد الأطباء البالغ نحو 30 ألف طبيب، وذلك بحسب تقديرات نقيب أطباء سورية عبد القادر حسن. لكن تقارير دولية تشير إلى أن حجم الهجرة هو أعلى بكثير من تلك الأرقام.
ففي تقرير حديث صدر قبل أيام عن منظمة "أطباء بلا حدود" تحت عنوان "أربع سنوات مرت-المأزق الإنساني"، شرح التقرير المعاناة التي يمر بها الأطباء والممرضون والصيادلة والمسعفون، حيث "قتل منهم الآلاف، ولم يبق سوى أقل من 100 طبيب في حلب بعدما كان عددهم 2500 عند بدء الأزمة". التقرير يتحدث عن أن تدهور الأوضاع الأمنية وتوسع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أجبرا منظمة أطباء بلا حدود على إنهاء عملها داخل سورية، وذلك بعد احتجاز خمسة من متطوعيها في شهر يناير/ كانون الثاني 2014.
نقص حاد
يعمل "مكتب التنسيق للأطباء المتطوعين في سورية" على تسهيل دخول الأطباء القادمين من خارج سورية كمتطوعين لسد النقص الحاصل في الخبرات الطبية. يقول الدكتور علاء الأحمد الذي يشارك في إدارة المكتب لـ"العربي الجديد": "نعاني من نقص شديد من جميع الاختصاصات الطبية وخصوصاً الجراحة العصبية، الجراحة الوعائية، وجراحة العينية الشبكية، حتى إن بعض الاختصاصات مفقود نهائياً".
وعن تجربة الاعتماد على المتطوعين يقول الأحمد: "في بداية الأحداث كانت أعداد المتطوعين كبيرة، وكانت تغطي النقص الحاصل، لكنها بدأت تتراجع مع تدهور الأمن في المناطق المحررة وزيادة استهداف المشافي من قبل النظام".
يعتبر الباحث الاقتصادي عادل الفاضل في حديث لـ"العربي الجديد" أن هجرة الأطباء السوريين للخارج تشكل "خسارة اقتصادية كبيرة لسورية سوف تحتاج إلى سنوات طويلة لكي تتجاوز آثارها السلبية". ويشرح الفاضل: "يجد الأطباء المهاجرون طريقهم بسرعة للاندماج بالمجتمعات الجديدة حيث يحلّون، مما يجعل عودتهم في غاية الصعوبة". ويشير إلى أن "هجرة الأطباء شكلت خسارة اقتصادية كبيرة لسورية حتى قبل اندلاع الثورة حيث كانت السياسات الحكومية طاردة للخبرات التي تتلقى تعليمها على حساب الدولة السورية ومن ثم تغادر للعمل في دول أخرى". ويضيف: "تراجعت نسبة الأطباء إلى السكّان من طبيب واحد لكل 650 مواطناً في العام 2010، إلى طبيب واحد لكل نحو 5000 مواطن مع العام 2015، وهو ما يضعف من فاعلية القطاع الصحي وسينعكس ذلك بدوره على إضعاف التنمية الاقتصادية والبشرية بصورة عامة".
انتشار الأوبئة
وبالتوازي مع انهيار القطاع الصحي وهجرة الأطباء، عادت أمراض خطيرة كانت قد انقرضت منذ زمن طويل. تنتشر اليوم في سورية أمراض شلل الأطفال والكوليرا والحصبة والطاعون، فضلاً عن انتشار الأمراض الجلدية في المخيمات وتجمعات النازحين مثل اللشمانيا والأكزيما والفطور والتقشر الجلدي. ويعاني الكثير من السوريين المرهقين جراء العنف والمنهكين بفعل الأزمة الاقتصادية من حالات اكتئاب واضطرابات نفسية بعد أربع سنوات من حرب مدمرة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، كشفت الهيئة الطبية الدولية في تقرير لها صادرمؤخراً عن أن مأساة جديدة تظهر اليوم للعيان في صفوف ملايين السوريين، سواء صفوف النازحين داخل سورية أو اللاجئين في دول الجوار، وهي معاناتهم من مشاكل في الصحة العقلية والعصبية نشأت، أو تفاقمت، بسبب ما تعرضوا له من تجارب قاسية في أثناء الحرب. وبحسب التقرير، يعاني نحو 54 % من السوريين المستفيدين من خدمات الهيئة من اضطرابات عاطفية تشمل الاكتئاب والقلق، فيما يعاني 11 % منهم من اضطرابات نفسية كالانفصام، كما يعاني أكثر من ربع الأطفال من اضطرابات في النمو.
وكشفت تقارير ارتفاع حجم الاضطرابات النفسية بنسبة 25 %عما كانت عليه قبل بدء الحرب، كما ارتفعت محاولات الانتحار بشكل لافت، ويحتاج 40% من السوريين الى دعم نفسي واجتماعي.
وتضيف التقارير أن أربعة من كل عشرة مرضى يقصدون العيادات يعانون من الإجهاد والاضطرابات النفسية، وهم في الغالب من النازحين الذين تدنّى مستوى معيشتهم بسبب الحرب.
إقرأ أيضا: ثقافة العمل في مصر.. "فوت علينا بكره"