سوريا.. كيف تُحكى الحكاية

27 مايو 2014
عمل لـ تمّام عزّام / سوريا
+ الخط -
لم يعد سؤال عصرنا "من يكتب التاريخ؟"، ذلك أن الوسائط المتعدّدة كسرت الاحتكار الاستراتيجي الذي كان يتمتّع به منتصرو الماضي، إذ يكتبون تعاظم ذواتهم، دون حسابات لتصاغر الآخر، أو تلاشيه، في سردياتهم. استبدلت الأدوات الجديدة السؤال القديم "من يكتب" بـ"كيف يكتب". ففي ظل طوفان الأخبار والمعلومات صارت الكتابة متوفرة، والحكاية متاحة للجميع، لكن السؤال هو كيف نغربل الأحداث والوقائع وهي تنداح بهذا الشكل الذي يُعمي الأبصار؟

موقع "حكاية ما انحكت" (syria untold)، انطلق وهمّه الأساسي المساهمة في إزالة الغبش الذي لحق بالمشهد. وفي هذا السياق راح يروي قصص الثورة السورية، عن طريق تسليط الضوء على النشاطات الاستثنائية التي قام ويقوم بها السوريون، على صعيد العصيان المدني والمقاومة السلمية الإبداعية وتنسيقها؛ بما يشكّل مرجعاً ووثيقة للعمل المدني في سوريا منذ بدء الثورة منتصف آذار 2011.

من يقرأ صفحات الموقع يطالعه شكلٌ جديد في العمل التوثيقي، يتجاوز ما هو معروف من أشكال في مجال جمع البيانات، حيث سيكون في مواجهة فصول حكائية تتعاقب بسلاسة، لتروي عن سوريين يعملون ضمن ظروف استثنائية بكل الوسائل المدنية، سواء في الدعم النفسي للأطفال أو في تعليمهم والتخفيف عنهم، في الإعلام البديل أو في ترجمة ما يخص سوريا مما تتداوله وسائل الإعلام الأجنبية، بالإضافة إلى متابعة الحراك الثقافي والفني الذي واكب الثورة، ووثّق مسيرتها.

يعمل الموقع بهاجس استجلاء صورة المقاومة المدنية السورية التي تجاهلها الإعلام، حين راح يركّز على ما هو عسكري وسياسي فحسب، وكأنه المتن الوحيد، دون أي التفاتة إلى ما هو اجتماعي إنساني، حتى بات المتابع يشعر أنه ما من شيء في سوريا خارج دائرة السلاح.

لنسف تلك الصورة سارت آلية عمل الموقع وفق منهجية محدّدة، حيث يقوم فريق متخصص بجمع قاعدة بيانات تشمل ما ينشره السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن صارت منبرهم الأول. وبعد تدقيق ومراجعة المعلومات من مصادرها، تحال إلى فريق آخر يقوم بصياغتها ضمن قوالب قصصية، يتحوّل فيها الخبر الصحفي إلى حدث سردي، كما تستعيد الشخصية السورية معناها الحقيقي، بعد أن حوّلتها نشرة الأخبار إلى مجرد أرقام مطروحة في بورصة الدم. ثم تأتي المواد المرافقة، فيديوهات أو صور أو أعمال فنية، لتؤكد واقعية تلك القصص من جانب، ولتكمل ملامح الصورة من جانب آخر.

إذاً.. نحن حيال سرد وثائقي يقوم على التعقب والتقصّي ومن ثم كتابته في نص، بحيث يتم توثيق تلك التجارب في الذاكرة السورية العامة، بما يسهم في تصحيح الصورة المشوشة للسوريين عن أنفسهم أولاً، وللعالم ثانياً.

"حكاية ما انحكت" أو "سيريا أنتولد"، يخبرنا أنّ الحكاية السورية لم تروَ بعد، ذلك أننا أمام مشهد لا يزال قيد التشكّل، لكنه يقدّم مسوّدة حكائية سوريّة، ستتحوّل مع الوقت والجهد إلى مادة وثائقية مستقبلية عمّا جرى، لتكون في متناول الباحثين في الغد، سواء بغرض البحث العلمي أو الاطلاع والمعرفة. وخلال ذلك كله سيقول ما الذي حدث وكيف حدث! كما سيقول إن هناك سوريين لم يدخروا طريق حياة إلاّ وساروا فيه.

المساهمون