سوتشي الروسية: التاريخ الدموي المجهول لـ"لؤلؤة البحر الأسود"

31 يناير 2018
تتمتع سوتشي بموقع جغرافي مميز (أرتور ليبيديف/تاسّ)
+ الخط -
انطلق، أمس الثلاثاء، "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، في مدينة سوتشي الروسية. وبينما يهاجم سوريون ما وصفوه بـ "مؤتمر الخيانة" على أجساد السوريين الذين قضوا بالقصف الروسي على بيوتهم، عاد إلى الأذهان تاريخ دموي آخر في سوتشي أو "لؤلؤة البحر الأسود"،

إذ ارتكبت روسيا القيصرية جريمة إبادة جماعية بحق المسلمين الشركس من القوقاز، في هذه المدينة، قبل 154 عاماً، وراح ضحيتها مئات آلاف القتلى، ومليون ونصف المليون شركسي هجروا من موطنهم الأصلي في القوقاز، ولا تزال صورة تلك المأساة وجراحها ماثلة في ذاكرة ووجدان الأجيال الجديدة من الشركس، لكن موسكو تتجاهلها تماماً.
الحرب

شهد شمال القوقاز حرباً استمرت 101 عاماً بين الروس وشعوب المنطقة المسلمة، بين عامي 1763 و1864، وتعدّ هذه الحرب من أكثر الحروب دموية في التاريخ، إذ أسفرت عن مقتل أكثر من 500 ألف من سكان القوقاز، بالإضافة إلى تهجير مئات الآلاف من الشركس وغيرهم من شعوب المنطقة.

الدوافع

يحتل موقع القوقاز أهمية كبرى، إذ تعتبر المنطقة صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وبوابة عبر منها المهاجرون نحو الغرب، كما انتقلت عبرها الحضارات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. كما شكلت طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، وذلك قبل أن يبدأ الأوروبيون بالإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح وشقّ قناة السويس.

بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنة من البترول والغاز.
وأصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة، شمال القوقاز، في القرن التاسع عشر. وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة.

الهزيمة

انتصرت روسيا القيصرية على القوقاز، في "وادي كبادا"، قرب سوتشي، في 21 مايو/أيار عام 1864، وبالتالي تحول هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس وشعوب القوقاز المسلمة، إذ اتبعت روسيا القيصرية سياسة التغيير الديمغرافي، فهجرت 1.5 مليون شركسي من مدن سوتشي وتوابسي وسخومي الساحلية إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية، وعلى رأسها مدينة فارنا، وهي مدينة بلغارية مطلة على البحر الأسود، وصامسون وسينوب وطرابزون، وهي ولايات تركية مطلة على البحر الأسود.

وخلال عمليات التهجير القسري، قضى نحو 500 ألف شركسي، بسبب الأوبئة والجوع، ونفي معظم الشركس إلى منطقة الأناضول والأجزاء الأوروبية الخاضعة لسيطرة العثمانيين، ثم هاجر قسم منهم من تلك المناطق إلى سورية والأردن، وفقاً لوكالة "الأناضول".

التهجير

واجه مئات آلاف التتار (وهم سكان شبه جزيرة القرم الأصليون) التهجير القسري، وتحولوا إلى ضحية سياسات روسيا في التغيير الديمغرافي، اعتباراً من 18 مايو/أيار عام 1944، وانتقلوا إلى وسط روسيا وسيبيريا ودول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية التي خضعت للحكم السوفياتي حينها، وقضى الكثيرون منهم على الطريق.

كما صودرت منازلهم وأراضيهم، في عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، بتهمة "الخيانة"، ثم وُزعت على العمال الروس الذين انتقلوا إلى شبه الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي الهام (شمال البحر الأسود) وتمّ توطينهم هناك.

كما شهدت الحقبة السوفياتية، بقرار من ستالين، تهجير أتراك الأهيسكا من جورجيا إلى جمهوريات وسط آسيا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1944، وقضى 20 ألفاً منهم لأسباب مختلفة، وفقاً لتقارير إعلامية.

وجهة سياحية

يجمع المؤرخون على ارتباط اسم المدينة باسم الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين الذي أصدر قراراً، في 1934، يقضي بضخ مليار روبل بهدف تحويل هذه البلدة الريفية على ضفاف البحر الأسود إلى منتجع مركزي لجموع العمال والفلاحين من عموم الاتحاد السوفياتي، منذ النصف الأول من القرن العشرين.

إحياء المأساة

يطالب الشركس حول العالم روسيا بالاعتذار والاعتراف بالـ 21 من مايو/أيار من كل عام يوماً للحداد الشركسي وخسارة الشركس هذه الحرب، باعتباره يذكر بـ "الإبادة الجماعية والتهجير بحق الشركس".
ويجتمعون سنوياً، في اليوم المذكور من شهر مايو، من دول عدة حول العالم، حيث هُجروا، لتذكر المأساة والوطن الأم، مثل سورية (الجمعية الخيرية الشركسية) والأردن (الجمعية الخيرية الشركسية).
كما يجتمع شراكسة تركيا وأرض الوطن الأم شمال القوقاز، وشراكسة الولايات المتحدة الأميركية وفلسطين المحتلة وألمانيا كل في مدينته أو في أماكن مختارة، لاستعادة وإحياء ذكرى "اليوم الأسود" وضياع الأرض.

وعلى الرغم من معاناتهم العابرة للسنوات هذه، إلا أن موسكو لم تقدم على أي خطوة من أجل إعادة الاعتبار للشركس أو التخفيف من مأساتهم. والحدث الأقرب إلى الأذهان هو خروج الشركس في تظاهرات ضد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقامة في مدينة سوتشي، عام 2014، باعتبارها آخر معقل للشركس قبل تهجيرهم. ونُظمت التظاهرات تحت شعار "لا لسوتشي 2014"، وطالب المتظاهرون باعتراف رسمي من الحكومة الروسية، وسط تجاهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال إن سوتشي كانت موطناً لليونانيين، متجاهلاً الشركس ومعاناتهم على أرضهم، وذلك حين وقع الاختيار على سوتشي لاستضافة الدورة، في 2007.
المساهمون