21 فبراير 2018
سوء فهم مع أميركا
كره مواطنو دول الخليج العربي باراك أوباما، كما لم يكرهوا أَي رئيس أَميركي قبله. ويراه بعض صناع القرار هناك رئيساً ضعيفاً، بلا رؤيةٍ ولا عزيمة ولا قوة، ويُضعف الإمبراطورية الأميركية كل يوم يمر عليه في البيت الأبيض، ويرونه، وهو الذي يحمل اسماً عربياً وسط اسمه الثلاثي، سبب مشكلاتٍ تعصف باستقرار بلدان عربية اليوم. ألم يتخلَّ عن حسني مبارك، وفتح أبواب مصر لـ"الإخوان المسلمين"؟ ألم يهلل للربيع العربي الذي تحول خريفاً الآن؟ ألم يفك الحصار عن إيران، ما سمح، وسيسمح لها، بالتمدد في كل المحيط العربي؟
يا لها من مفارقة. كان العرب يخافون سرعة جورج بوش الابن في مد يده إلى السلاح، ثم صاروا يخشون بطء أوباما وتردده، وتقاعسه عن استعمال سلاحه!
تتغير أميركا لأنها بلاد كبيرة وديمقراطية وغنية، ومؤسساتها راسخة، وفيها آليات لتصحيح الأخطاء. فيما الدول العربية، والخليجية تحديداً، لا تتغير، لأنها غير ديمقراطية، ولا تتم فيها مراجعة سياساتٍ تضعها، وإن كانت نتائجها كارثية، فالحاكم وأهل بيته لا يقدمون الحساب لأحد. هذا سر سوء الفهم الكبير الذي وقع بين السعودية وأميركا بشأن ثلاثة ملفات على الأقل: الإيراني والسوري والمصري. وجاءت زيارة أوباما، الشهر الماضي، الرياض لطمأنة بيت الحكم في السعودية، لكنه لم يقدم تنازلات. جاء ليشرح سياسته، وليطمئن حليفه إلى أَن الاتفاق الغربي مع إيران لن يكون على حساب السعودية. لكن، من يضمن هذا الأمر؟
لا أحد في السياسة الدولية يضمن شيئاً للآخر، لا توجد شركة تأمينات قادرة على ضمان نتائج أي قرار. من كان يتوقع أن غزو أميركا العراق سينتهي بتقديم هذا البلد العربي الكبير هديةً لطهران. لهذا، فإن تطمينات أوباما العاهل السعودي تطييب خواطر، أكثر منها التزامات وضمانات صلبة.
هناك تغيير كبير يحصل، اليوم، في الأجندة الاستراتيجية لأميركا، ستظهر نتائجه بالتدريج في السنوات المقبلة، عنوانه الابتعاد عن التورط في الحروب، وإعادة الانتشار في آسيا، وحماية المصالح الأميركية بالقوة الناعمة، وليس الخشنة كالدبابات والطائرات والجيوش الجرارة.
السياسة الخارجية الأميركية، مثل شاحنةٍ كبيرةٍ، تحتاج وقتاً لتغيير وجهتها، وزنها وحجمها يفرضان عليها أن تحرك المقود ببطء وحرصٍ شديد، وهي تغيّر وجهتها، وهذا ما نراه الآن. وقد ساهمت، وتساهم، ثلاثة عوامل في تغيير خريطة طريق أميركا في السنوات العشر المقبلة.
أولاً، استغناؤها عن نفط الخليج، واتجاهها إلى استغلال الصخور النفطية، بما يحقق استقلاليتها بشأن الطاقة. وهذا متغير استراتيجي، سيبدل نظرة أميركا إلى الخليج ومشكلاته وقضاياه. ثانياً، خسرت أميركا حربين كبيرتين، في وقت وجيز، في العراق وأفغانستان (اليوم تُقتل في العراق أعداد تفوق أحيانا أعداد القتلى في سورية). وقد كلفها هذا الأمر آلاف القتلى وخسارة بلايين الدولارات، ما أدّى إلى أكبر أزمةٍ اقتصادية، تعرفها أميركا بعد أزمة 1929.
ثالثاً، هناك عودة كبيرة للتيار الانعزالي إلى مواقع القرار في واشنطن، والانعزالية سياسةٌ قديمةٌ وأصيلة في أميركا، وليست مستغربةً عودتها بأشكال جديدة، تتناسب مع الظروف والأحوال.
ما زالت الصورة ضبابية، ولم تستقر بعد على شكلٍ محدد، لكن المؤشرات الأولى تقول إن أميركا التي يعرفها العرب لم تعد كذلك. كانت هذه القوة العظمى مرتبطةً بالخليج بحبلين كبيرين، الأول النفط، ولم يقطع، لكنه ضعف كثيراً، لأن العم سام صار مكتفياً بنفطه. الثاني أمن إسرائيل، وهذا هدفٌ يتغير، فقد فقدت إسرائيل أصدقاءَ كثيرين في أميركا، والوزير جون كيري زارها 13 مرة في سنة، وهذا رقم قياسي، معناه أَن البيت الأبيض يريد أن يرتّب تسويةً من نوعٍ ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قبل أن يعلن ابتعاده الجزئي عن أزمات الشرق الأوسط ومشكلاته. وهذا، بالضبط، ما يخيف حلفاء أميركا التقليديين في العالم العربي. إنه فك ارتباطٍ من طرف واحد، والمشكلة أَن العرب مثل الزوجة التي لم تتعود العيش من دون زوجها، لا تتصور نفسها خارج العصمة.
يا لها من مفارقة. كان العرب يخافون سرعة جورج بوش الابن في مد يده إلى السلاح، ثم صاروا يخشون بطء أوباما وتردده، وتقاعسه عن استعمال سلاحه!
تتغير أميركا لأنها بلاد كبيرة وديمقراطية وغنية، ومؤسساتها راسخة، وفيها آليات لتصحيح الأخطاء. فيما الدول العربية، والخليجية تحديداً، لا تتغير، لأنها غير ديمقراطية، ولا تتم فيها مراجعة سياساتٍ تضعها، وإن كانت نتائجها كارثية، فالحاكم وأهل بيته لا يقدمون الحساب لأحد. هذا سر سوء الفهم الكبير الذي وقع بين السعودية وأميركا بشأن ثلاثة ملفات على الأقل: الإيراني والسوري والمصري. وجاءت زيارة أوباما، الشهر الماضي، الرياض لطمأنة بيت الحكم في السعودية، لكنه لم يقدم تنازلات. جاء ليشرح سياسته، وليطمئن حليفه إلى أَن الاتفاق الغربي مع إيران لن يكون على حساب السعودية. لكن، من يضمن هذا الأمر؟
لا أحد في السياسة الدولية يضمن شيئاً للآخر، لا توجد شركة تأمينات قادرة على ضمان نتائج أي قرار. من كان يتوقع أن غزو أميركا العراق سينتهي بتقديم هذا البلد العربي الكبير هديةً لطهران. لهذا، فإن تطمينات أوباما العاهل السعودي تطييب خواطر، أكثر منها التزامات وضمانات صلبة.
هناك تغيير كبير يحصل، اليوم، في الأجندة الاستراتيجية لأميركا، ستظهر نتائجه بالتدريج في السنوات المقبلة، عنوانه الابتعاد عن التورط في الحروب، وإعادة الانتشار في آسيا، وحماية المصالح الأميركية بالقوة الناعمة، وليس الخشنة كالدبابات والطائرات والجيوش الجرارة.
السياسة الخارجية الأميركية، مثل شاحنةٍ كبيرةٍ، تحتاج وقتاً لتغيير وجهتها، وزنها وحجمها يفرضان عليها أن تحرك المقود ببطء وحرصٍ شديد، وهي تغيّر وجهتها، وهذا ما نراه الآن. وقد ساهمت، وتساهم، ثلاثة عوامل في تغيير خريطة طريق أميركا في السنوات العشر المقبلة.
أولاً، استغناؤها عن نفط الخليج، واتجاهها إلى استغلال الصخور النفطية، بما يحقق استقلاليتها بشأن الطاقة. وهذا متغير استراتيجي، سيبدل نظرة أميركا إلى الخليج ومشكلاته وقضاياه. ثانياً، خسرت أميركا حربين كبيرتين، في وقت وجيز، في العراق وأفغانستان (اليوم تُقتل في العراق أعداد تفوق أحيانا أعداد القتلى في سورية). وقد كلفها هذا الأمر آلاف القتلى وخسارة بلايين الدولارات، ما أدّى إلى أكبر أزمةٍ اقتصادية، تعرفها أميركا بعد أزمة 1929.
ثالثاً، هناك عودة كبيرة للتيار الانعزالي إلى مواقع القرار في واشنطن، والانعزالية سياسةٌ قديمةٌ وأصيلة في أميركا، وليست مستغربةً عودتها بأشكال جديدة، تتناسب مع الظروف والأحوال.
ما زالت الصورة ضبابية، ولم تستقر بعد على شكلٍ محدد، لكن المؤشرات الأولى تقول إن أميركا التي يعرفها العرب لم تعد كذلك. كانت هذه القوة العظمى مرتبطةً بالخليج بحبلين كبيرين، الأول النفط، ولم يقطع، لكنه ضعف كثيراً، لأن العم سام صار مكتفياً بنفطه. الثاني أمن إسرائيل، وهذا هدفٌ يتغير، فقد فقدت إسرائيل أصدقاءَ كثيرين في أميركا، والوزير جون كيري زارها 13 مرة في سنة، وهذا رقم قياسي، معناه أَن البيت الأبيض يريد أن يرتّب تسويةً من نوعٍ ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قبل أن يعلن ابتعاده الجزئي عن أزمات الشرق الأوسط ومشكلاته. وهذا، بالضبط، ما يخيف حلفاء أميركا التقليديين في العالم العربي. إنه فك ارتباطٍ من طرف واحد، والمشكلة أَن العرب مثل الزوجة التي لم تتعود العيش من دون زوجها، لا تتصور نفسها خارج العصمة.