سن أعوج

14 نوفمبر 2017
+ الخط -
يستطيع المرء أن يقاوم الوجع، أن يقارع الإرهاب، أن يأكل رأس الحيّة، أن يتسلّق الجبال ويركب الأمواج، لكن ما إن يحين الوقت ليشتعل الألم في اللثة أو تطرأ الحاجة لقلع ضرس استعمر التسوّس فيه، حتى ترى الملك والرعيّة يستوون في الخوف والتردّد، فزيارة طبيب الأسنان تحتاج إلى استعدادات سيكوفيزيولوجية تجعلهم متقبلين لفكرة التمدّد على كرسي التنقيب والتفتيش في عيادته.
لا شك في أنّ رهاب طبيب الأسنان ليس حكرا على فئة من الناس، فالإنسان يعتريه القلق، فطريا، من ملاقاة "الحكيم" الذي يكفي النظر إلى أدواته حتى يتطلب قلع الضرس تدخّل طبيبي أعصاب وقلب وشرايين للدعم. لكن هل لطبيب الأسنان دور تقني ونفسي يؤهل لخوف المريض وامتناعه عن زيارته حتى يتحول مشروع معالجة التهاب بسيط الى ورشة تبديل قطع غيار؟
يحق القول، إنّ للطبيب، وإن لم يكن بشكل عمومي، لكمة تثير خضة في داخل المريض. فما إن تدخل العيادة، حتى يسارع إلى أمرك بالإستلقاء، ثم يقترب منك بكرسيه، ويأمرك بالتالي: "افتح فمك"، ويلحق الأمر بأمر آخر عاجل: "وسّع أكثر وارخي شفتك"...
من هنا، وما إن يثبّت الضوء جيدا ويحمل المرآة الصغيرة، حتى يستعر التململ في باطنك ويشرع الطبيب في الزفّة الضرورية لإهمالك وعدم الإهتمام بأسنانك بشكل كافٍ. ما يغيظك في هذه اللحظات هو عدم إدراك الطبيب بأنك عانقت فرشاة الأسنان لساعة من الوقت قبل زيارته، وأخذت تنحت لثتك عموديا وأفقيا لجمع وكنس وطرح الأوساخ خارج دائرة التفتيش المؤكد. وبعد إخضاع الفم والأسنان للغسل والنقع بمبيدات البكتيريا، ومضغ العلكة الطبية كمثبّت للتنظيف، يأتي الطبيب ليقول قولا واحدا: "يا الله..ليه تارك حالك هيك يا زلمي... أوف أوف كلو فوق مضروب...". عندها تتسارع نبضات القلب وتتخبّط المؤشرات الحيوية في جسدك، وبعدها تسلّم أمرك لله وتصمت.
ما علينا من كل ذلك، البداية القاسية في علاج الأسنان التي تؤلمك كي تمنع عنك الألم هي الراعي الرسمي للقلع والتكسير، إبرة البنج! نعم، فإن مجرد النظر إليها يجعلك تؤمن بالله إن كنت ملحدا! إن طولها ونحافتها يؤهلانها للمشاركة بمسابقة جمالية لا بمعالجة طبية، فتبدأ بمخاطبتها قلبيا: "أيتها الجميلة لماذا تقلّدين الوحش؟" لكن، لا محال، فأنت مضطر أن تتحمل دخولها من باب شفتيك حتى تتحرش بأعصابك كي لا تتألم!
وما إن تنتهي عملية الترقيع والقلع، حتى تدخل في نفق عض الشفتين والتورّم. فالبنج كما هو معلوم، يأخذ ما يقارب الساعتين حتى ينتهي مفعوله ويتبين لنا، بعد ذلك، أننا خضعنا لعملية بوتوكس مجانية على قياس 2 في 1.
على العموم، نكتشف في هذه الرحلة القصيرة أنّ الإنسان عدو ما يجهل حتى يدركه فينتهي الخوف، لكن في عيادة طبيب الأسنان، المعادلة تنقلب إلى الإنسان عدو ما يجهل وحين يدركه، تبدأ الحرب.
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
محمد رشاد الحلبي
كاتب من لبنان.
محمد رشاد الحلبي