خماسيٌّ مركّب

16 فبراير 2018
+ الخط -
حين يكون خير الأمور أوسطها، فمن المؤكّد أن خير "الاسم" ما قلّ ودل. إذا، هي توطئة مبسّطة لحفنة تجارب يعيشها من يحمل اسما مركّبا من إسمين. تبدأ الحكايات مع اسمي (محمد رشاد)، وهو مركّب بطبيعة الحال. ولكن، قبل التجديف باتجاه المواقف والمحطات التي مررت وأمرّ بها، أشير إلى أن والدي أيضا يحمل اسما مركّبا، وبما أني أحمل اسم جدّي لأبي، فتلقائيا يتحوّل اسمي من ثلاثي إلى خماسي مع الكنية ضمنا.
فأن تكون صبيّا صغيرا يذهب كل صباح الى المدرسة لتلقي الدروس والعودة إلى المنزل ليس أمرا جديدا أو غريبا، لا بل أمرا إلزاميا. لكن، أن تذهب صباحا لتنادى في المدرسة بإسم "محمد" وتعود إلى البيت لتنادى باسم رشاد، هو بحد ذاته فعل تفكيكي تنتج عنه أفعال تلقائية، أبرزها التعايش مع الإسمين: فيضعك ذلك في إطار التكيّف مع نظرية "اسم لكل مكان". فمثلا، حين كانت أمي تقصد المدرسة للسؤال عن درجاتي وتفاعلي مع الأساتذة في الصف، كسائر الأهل، كانت تطرح السؤال، كالآتي: شو كيفو رشاد انشالله رضيانين عنّو؟
فما أن تنهي السؤال حتى كانت عيون المستجوَب (الأستاذ أو المعلمة) تكمل دورة 360 درجة كاملة، وفيها لمعة تعجّب تدفع الأستاذ الى رد السؤال بسؤال: مين رشاد؟. ولولا الألطاف الإلهية وتفطّن والدتي إلى وجوب السؤال عني مرّة أخرى باسم "محمد رشاد الحلبي" لبقيت هي والأستاذ حتى اللحظة يفكّرون، يتساءلون.
وفي موقف آخر، شاءت الظروف أن تلتقي والدتي بإحدى المعلّمات قرب المنزل، فبادرت المعلّمة الى السؤال عني: "كيفو محمد شو أخبارو؟" فكان هذه المرّة الدور لأمي أن تسأل: "مين محمد" وبعد لحظات، حسب روايات أمّي، استدركت الموقف، وقالت: "آه قصدك محمد رشاد". حتى أنت يا أمّاه؟
هنالك حكايات أخرى عايشتها إبان دراستي الجامعية، فكان الأصحاب والأساتذة أيضا ينادونني باسم محمد للاختصار. وفي يوم، قصدت إدارة الجامعة لطلب بعض الأوراق، فسألني الموظّف عن اسمي الثلاثي، فباغتّه باسم خماسي بلدي أًصيل، فردّ مستهجنا: "ما شاء الله يا محمد كل هيدا اسمك؟" فضحكت وقلت في قلبي: "كيف ما تعرف إنو بيّو لجدّي اسمو محمد سامي!
والآن نبلغ مرحلة التنقيب عن خبايا وكنوز واحدة من مكمّلات حياة حامل الإسم المركّب، ونقول أهلا بأسماء الدلع التي يستخدمها الأهل والأصحاب، كلٌّ حسب الإسم الذي ينادي به، وإليكم نبذة مقتضبة: لمن ينادونني باسم محمد يأتي الدلع كالآتي: حمودي، أبو حميد..، أمّا الذين ينادونني بإسم رشاد: رشّودة، أبو الرش، رشادو، أبو الريش...
وعلى مشارف نهاية هذه الجولة، أرى أن الإسم المركّب ليس أمرا مرفوضا أو ممنوعا، لكنه يحرّك في بواطن المسمّى فوضى الارتباك. هو شعور لا يقترب منه سوى الذين يعيشون هذه التجربة. فأن أنادى أنا، مثلا، باسم دون الآخر، أشعر وكأن أحد الإسمين مغبون وحقّه ضائع.
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
محمد رشاد الحلبي
كاتب من لبنان.
محمد رشاد الحلبي