سندويش الشاورما الأسبوعي

14 ديسمبر 2015
يصمد في مكانه صمود يوم الشاورما الأسبوعي (Getty)
+ الخط -

يحمل سندويش الشاورما الكبير بيديه الاثنتين. يقضم منه بسرعة ويشرب من قنينة اللبن الصغيرة بنظام. هي مرة وحيدة أسبوعياً، يأتي فيها إلى مطعم المأكولات السريعة، ليشعر بعض ما يشعر به غيره من الناس، الذين بات على يقين أنّهم جنس آخر غير جنسه مع كلّ ما يعانيه من تمييز منهم.
لا يخجل أبداً من الجلوس إلى الطاولة التي تكاد تزاحم السيارات في الطريق العام المزدحم دائماً. عمره لم يعد مهماً وهو في الحادية عشرة أو الثانية عشرة. عمله هو المهم، وهو الأساس. عمله هو الذي يؤمن له سقفاً يلتجئ إليه يومياً بعد إنهائه دواماً طويلاً يستمر من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساء.

القصة المعتادة لهارب مع أهله من جحيم الحرب في سورية إلى قهر اللجوء وحرمانه وتعبه في لبنان، قد لا تحرّك أحداً اليوم، وقد مرّ على ذلك العهد نحو خمس سنوات.
لكنّه لا يشتكي. بل هو مسرور بعمله وراحته وزيارته الأسبوعية إلى المطعم. سعيد بسندويش الشاورما الكبير وقنينة اللبن اللذين يعرف أنّه يمتلكهما، ويعرف أكثر أنّه يأكلهما على أساس ملكيته لهما. هو لا يملك شيئاً آخر غيرهما. وهو موعود بهما كلّ أسبوع مرة، بعد إنهاء جولات يومية من بيع الأقراص المدمجة بأفلامها وموسيقاها، لسائقي السيارات على أحد جسور العاصمة بيروت.

يزجره كثيرون، فلا يهمه. يطرده آخرون، فلا يبالي. يشتمه بعضهم، يضربه، يؤذيه، فيصمد في مكانه، صمود يوم الشاورما الأسبوعي.
لوّنته الشمس اليومية بانتقام كبير، فكأنّها هي أيضاً تتواطأ مع الناس وجميع الظروف عليه. لكنّه سرعان ما يشتاق إليها مع بدء الأمطار بالهطول وهبوط درجات الحرارة إلى مستوى يكاد لا يصمد فيه - وهو الصامد أبداً.

تجده يهرب من الأمطار بخفّه الصيفي المفتوح الذي لا يحمي قدميه من الماء أو من البرد. يقفز أمام سيارة تكاد تدهسه. هل ينتظر مثل ذلك؟ لا بالتأكيد، لكنّها حياته التي اعتادها هارباً لا يأمن شرّ شيء مهما كان.
في المطعم، يضع على الطاولة بضاعته التي يحملها في كيس نايلون أسود كبير. يلقي بجسده النحيل على الكرسي ويترك لظهره راحة تترافق مع استمتاعه باللقيمات المتواصلة والجرعات المتوالية حتى انتهاء الشاورما واللبن.

يلاحظه رجل، ويسأله عمّا يبيع فيجيبه. يسمح الرجل لنفسه بالبحث في الأقراص وعناوينها، من دون أن يزعج البائع الصغير أو يقطع عليه نشوته. يختار أحد الأقراص وينقد الصغير ثمنه مضاعفاً خمس مرات مع وصوله إلى نهاية وجبته.
يبتسم ويشكر الرجل، وسرعان ما ينادي بائع الشاورما: "واحد تاني معلّم".

اقرأ أيضاً: أنت جميل... أنتِ جميلة

دلالات
المساهمون