سمير جعجع: إبليس الأمس مرشّح اليوم

04 ابريل 2014
قد يكون هدفه من الترشح ضرب آمال عون (أرشيف)
+ الخط -

يحتفظ سمير جعجع لنفسه بالكثير من الذكريات واللحظات التاريخية عن ماضيه القريب والبعيد، عن معاركه العسكرية والقضائية والسياسية. بين رئاسة القوات اللبنانية، اليوم، وقيادتها العسكرية، سابقاً، وسنوات السجن بينهما، تكثر التفاصيل والأخطاء والخيانات. هذا الماضي (أو "النضال والمقاومة"، كما يحلو لمناصريه القول، و"العمالة"، بحسب آخرين)، يقود جعجع إلى الترشّح لرئاسة الجمهورية. قد تبدو هذه الفكرة للبعض هراءً أو ضرباً من الجنون، طموحاً لا محدوداً أو حتى إعلان حرب شخصية.
كان جعجع، في مرحلة الوصاية السورية على لبنان، محكوماً بالإعدام وبالسجن المؤبد لاتهامه بارتكاب جرائم واغتيالات. اليوم، تلاحق صورة الأبلسة جعجع وأنصاره أينما حلّوا وفي أي سياق، لتهدّد محاولات القوات اللبنانية الخروج من صورتها النمطية كإحدى ميليشيات الحرب الأهلية. كل هذا لا يلغي كون الوصول إلى الرئاسة حقاً شرعياً لرجل بات حراً مع انتفاء الوصاية، له ناسه وجمهوره وحزبه، ويتحدث عن مشروع قيام دولة.
لهذه الأسباب، لا يشبه جعجع، أو "الحكيم" كما يُعرف محلياً، غيره من السياسيين، تحديداً المرشحين المحتملين للرئاسة. يكاد يختلف عنهم بكل شيء، وخصوصاً في كونه زعيم الحرب الأهلية اللبنانية الوحيد الذي دفع ثمن تلك الحرب في السجن. هو ليس ابن بيت سياسي عريق، فلم يتشرّب السياسة من مجالس العائلة وتاريخها وسطوتها، بل بنى لنفسه مسيرة حافلة بين جبهات القتال وقيادة المفاوضات السياسية.

يمتلك جعجع لذّة التمايز عن الآخرين في اللحظات المصيرية وفي ملفات حسّاسة من المفترض أن تشكّل إجماعاً على صعيد القوى المحلية. لذا، يقول البعض إنّ سمير جعجع يرتكب الأخطاء في أوقات الحسم. يُخطئ في القراءة السياسيّة فيدفع الثمن. أما أنصار القوات اللبنانية فيعتبرون هذا الأمر ميزة جعجع في "الثبات على المبادئ" و"الانسجام مع القناعات والذات". وافق على صيغة الحكم التي نتجت عن اتفاق الطائف، واتهم حكّام لبنان، في بداية التسعينات، بتجاوز بنود الاتفاق والإخلال بالشراكة. دفع ثمن ذلك سجناً ومحاكمة وحلاً لحزب القوات اللبنانية بين أعوام 1994 و2005. بعد خروجه من زنزانته، استمرّ جعجع في معركة التمايز أو "الثبات" نفسها. فقاطع عام 2012 جلسات هيئة الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس ميشال سليمان، باعتباره "حواراً غير جدي". وقبل أسابيع، خرج جعجع على إجماع الكتل النيابيّة ليؤكد رفضه المشاركة في "حكومة الوحدة الوطنية" برئاسة تمام سلام، احتجاجاً على استمرار قتال حزب الله في سوريا وعلى سلاحه الداخلي "الموجّه إلى صدور اللبنانيين". وقبل أيام، قاطع جعجع أيضاً اجتماع الزعماء الموارنة في مقرّ الكنيسة المارونية في بكركي، فقيل إنه بات في عزلة سياسية، وإنه لا يتعلّم من أخطاء الماضي.

لكن مَن يتابع النشاط السياسي في مقرّ إقامته الجبلي في معراب، يدرك أنّ جعجع لم يخسر بعد شيئاً جراء الخروج من السلطة. فالزوار، من سياسيين ودبلوماسيين ووفود شعبية، يملأون مجلسه، والتنسيق متواصل بينه وبين الكثير من الوزراء الحاليين. لكن مغادرته صفّ "الوفاق الوطني" أو "الشراكة الوطنية" لا يساهم إلا في إضعاف حظوظه بالوصول إلى الرئاسة الأولى، أو حتى إعدامها، مع العلم أنّ هذه الحظوظ ضعيفة في الأساس، إنْ حسابياً في مجلس النواب، أو سياسياً في مواقف وقرارات الكتل النيابية.

فما الذي يدفع سمير جعجع إلى خوض هذه التجربة غير المضمونة؟ قد تصيب بعض التحليلات التي تشير إلى أنّ ترشيح جعجع لنفسه يجعله متساوياً مع خصمه المسيحي الأول، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، فيخرجان سوياً من معادلة الرئاسة الحالية. وبذلك يكون جعجع قد قضى على آمال عون وطموحه الرئاسي، باعتبار أن الأخير بلغ في فبراير/ شباط الماضي، التاسعة والسبعين من العمر. أما سنّ جعجع، فيسمح له بانتظار دورتين إضافيّتين، فهو لم يبلغ الـ62 من العمر بعد.


سيلعب جعجع ورقة ترشّحه اليوم الجمعة. لن يكتفي بالإشارة إلى مواصفات الرئيس الجديد، وهي مواصفات حدّدها لدى تحديقه في المرآة. هو ينظر إلى تلك المرآة، ويعود بالذاكرة إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي، يوم كان قائداً للقوات اللبنانية، ويسيطر على "المنطقة الشرقية"، أو مناطق نفوذ المسيحيين خلال الحرب الأهلية. تأخذه الذكريات إلى المشاريع التي نفّذتها القوات اللبنانية بعيداً عن الجبهات والمعارك. في تلك المرحلة، قدّم جعجع نموذجاً يخصّه لعمل الدولة. الدولة كانت "الشرقية" والمواطنون كانوا "المجتمع المسيحي"، فبنت القوات في هذه المناطق مؤسسات تعليميّة وطبيّة، ووضعت نظاماً ضريبياً وصندوقاً للتضامن الاجتماعي. أسس جعجع كل هذا بينما كانت المتاريس لا تزال تقطع الشوارع والدماء تسيل في "الشرقية" و"الغربية" (منطقة نفوذ الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية والقوى الإسلامية آنذاك). في هذا أيضاً ما يميّزه عن أمراء الحرب الآخرين، فالإدارة تشكّل هاجسه الأول، ويعطي الانضباط وحسن التنظيم أهمية كبرى، وهو ما مكّنه من التدرّج في صفوف حزب الكتائب ومن ثم في القوات اللبنانية، ليصل إلى رئاسة الهيئة التنفيذية اليوم.

يقول بعض عارفيه عن كثب، إنه أحسن إدارة عقله وعواطفه وحواسه في الزنزانة التي أمضى فيها 11 عاماً انقطع خلالها عن كل شيء: عن السياسة والأحزاب والناس. إلا أنه خرج ليجد مهمة إعادة تنظيم "القوات" في انتظاره، فعاد إليها ليجعلها منطلقاً للوصول إلى الرئاسة. لكن نجاح جعجع بتنظيم حزب القوات اللبنانيّة لا يعني حكماً نجاحه في الوصول إلى الرئاسة الأولى.

 

المساهمون