لم يسعفها حظها بتربية ابنتها بعد طلاقها من زوجها الفلسطيني في سورية، إذ رفض طليقها وأهله أن تأخذ طفلتها معها في رحلة العودة إلى لبنان، فكبرت الطفلة في بيت جديها، إلى أن تعرفت أمها عليها أخيراً.
سلوى صالح عبد الرزاق، من بلدة عمقا، قضاء عكا، في فلسطين المحتلة، مقيمة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا، جنوبي لبنان. تتحدث عن مولدها ونشأتها: "أنا من مواليد المسلخ، الكرنتينا، في بيروت الشرقية، وعندما وقعت الحرب الأهلية في لبنان (1975) كنت في العاشرة، فبدأت الهجمات على الكرنتينا، وقرر أهلي الخروج من المنطقة. خرجنا منها بواسطة مركب عن طريق البحر، إلى الروشة في بيروت الغربية". تضيف: "يوم خرجنا من الكرنتينا كان اليوم الأول من شهر رمضان، وكنا حفاة، ولم نكن نرى شيئاً أمامنا في البحر، إذ كانت الساعة الخامسة صباحاً، وكان صاحب المركب هو من طلب من أبي التأخر حتى هذا الوقت، ففي الليل يمكن للمسلحين أن يرونا بفضل القنابل المضيئة التي كانوا يطلقونها ليلاً، فيما يمكننا الخروج عند وقت تبديل الحراسة". تتابع: "وصلنا إلى الروشة، ومن هناك ركبنا في سيارة أجرة وتوجهنا نحو صيدا، وطوال رحلتنا كنا نقرأ القرآن إلى أن وصلنا، وكنا نشعر بالجوع والعطش والإرهاق، بالإضافة إلى الخوف، وصرنا نتنقل من مكان إلى آخر إلى أن استقررنا في النهاية في بيت في الشارع التحتاني في مخيم عين الحلوة".
تتحدث عن السنوات اللاحقة: "عام 1982 وقع الاجتياح الإسرائيلي الثاني للبنان، فبتنا في الملجأ ثلاثة أيام، وبعدها استقللنا سيارة شحن كان يملكها زوج أختي، وخرجنا من المخيم. توجهنا نحو بر الياس في البقاع (شرق) عن طريق الجبل، فبتنا في مستشفى بر الياس مدة أسبوع، وبعدها توجهنا إلى سورية لنقيم عند أختي المتزوجة هناك. نحن - البنات- استطعنا مع أبي وأمي دخول سورية، أما أشقائي الشبان فظلوا في مدينة بعلبك يعملون في قطاف البطاطا، وكانوا يرسلون إلينا المال. عند أختي بقينا أربعة أشهر في حيّ القدم بدمشق، وبعدها قرر أبي الذهاب إلى مخيم اليرموك للعيش فيه، فقد كان لنا أقارب يسكنون هناك". وتقول: "في اليرموك تعلمت الخياطة، لأنّني لم أكمل تعليمي، فقد تركت المدرسة بعدما وصلت إلى الصف الثالث الإعدادي، كما التحقت بدورة للإسعافات الأولية، وصرت أعمل في حقن المرضى تحت الطلب. عشنا في سورية 16 عاماً، وهناك تزوجت من رجل فلسطيني من سكان سورية. لم نتفق، فتطلقت منه بعد عام من الزواج، وكنت قد أنجبت ابنة، وعندما قررنا العودة إلى لبنان كان عمر ابنتي سنة ونصف، رفض أهله أن آخذها معي، فبقيت في سورية بعيدة عني إلى أن تعرفت إليها من خلال موقع فيسبوك، وفي العام الماضي ذهبت إلى سورية لزيارتها". تضيف: "عندما زرت ابنتي العام الماضي في الشام، كانت فكرتها أنّني تركتها ولم أسأل عنها، فهكذا أخبرها جداها، لكنّني شرحت لها أنّني لم أتركها، بل رفضوا أن أربيها في لبنان، علماً أنّ القانون لا يسمح لي بإخراجها من سورية من دون موافقة والدها". تتابع: "ابنتي التي تعيش في سورية لم تتابع تعليمها الثانوي، بل أجبرها جداها على ترك المدرسة بعدما أنهت الصف التاسع أساسي، وعملت بعد ذلك في مصنع للشوكولا، ورفضوا تزويجها، لكنّها وبسبب الضغط الذي كانوا يمارسونه عليها هربت من البيت إلى حديقة عامة، وبالصدفة تعرفت على زوجها الحالي في الحديقة، علماً أنّه من دير الزور، شرقي سورية، فقصت عليه حكايتها، فطلب منها أن تأتي معه إلى بيت شقيقته لتعيش معها، وبالفعل ذهبت معه. هناك أخبرتها شقيقته أنّه يرغب في خطبتها فوافقت، عندها ذهب إلى جديها ووافقا بدورهما. وهي اليوم متزوجة وتعيش مع زوجها".
تروي سلوى تفصيلاً آخر في قصتها: "بعد مجيئي مع أهلي إلى لبنان، تزوجت من رجل لديه أولاد، كما أنجبت بدوري بنتين وولداً. كنت أعمل بالخياطة وأحاول زيادة المدخول بحقن المرضى، إذ كان زوجي عاجزاً عن العمل بسبب المياه الزرقاء (غلوكوما) في عينيه. وبعدها، اشترت أختي ماكينات خياطة، وأودعتها عندي للعمل عليها، ومن خلال عملي في هذا المشغل المتواضع، تمكنت من تعليم ابنتيّ اللتين تخرجتا في هندسة الكومبيوتر، والأحياء، أما ابني فوصل فقط إلى السابع الأساسي".